شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

سانديك حلال

الرباط، عاصمة الأنوار، «ميتروبوليتان» المملكة الشريفة، حيث المقاهي الثقافية والمهرجانات الغنائية والندوات الفكرية. مدينة تعتدل فيها «موازين» «لاكلاس» و«الكرافاطة» و«الفرنساوية». مدينة ينظر لك أهلها شزرا «إذا زغبك الله وقلتي لهم السلام عليكم بدل بونجوغ». مدينة يخاطب أطباؤها مرضاهم من الأميين والمعدمين بلغة «موليير»، وتشمئز منك بائعة المعجنات صاحبة الشهادة الإعدادية اليتيمة «إذا ماكنتيش كتفرق بين البتيبان وبان- سويس».

الرباط، قلب الحضارة النابض، الذي «كان هايسكتليه القلب» نهاية الأسبوع الماضي، حيث عاش سكان «إقامة ديار المنصور» رعبا حقيقيا، بعد حادث اعتداء همجي من طرف «مالين الفوقية» في حق مواطن مغربي أعزل.

انتشر مقطع فيديو يوثق اعتداء مجموعة من «الكائنات التشاميرية» بالضرب والرفس و«البونيات» على شاب «كلا ماكلات البطانة نهار العيد». خطيئة هذا الشاب، أنه ارتكب معصية ممارسة حريته الفردية داخل مساحته الخاصة، حيث قام باصطحاب صديقته التي ثبت أنها شخص راشد بالغ للسن القانونية، ورافقته إلى شقته بكامل إرادتها ودونما ضغط أو تغرير، ليفاجأ الشابان بانقضاض «فرقة التدخل الأخلاقي السريع» عليهما بالركل و«التسرفيق». تقول «العصفورة» إن «حراس المعبد» ينتمون لجماعة «الأحلام والأوهام، والجلوس والقيام»، بل إن «حارسا» بينهم ينتسب لأسرة التعليم العالي.

انقسم رواد «السوشل ميديا» بين مؤيد ومعارض «للسلخة». أيد البعض «تغيير المنكر باليد» تطبيقا لشرع الله، بينما عارض البعض التدخل السافر في الحياة الخاصة للأفراد، ناهيك عن الاعتداء الجسدي.

تحيلنا «سيكولوجية التأييد» على فصيلة معدلة وراثيا من «المروك». فصيلة «كائن الفوقية»، التي تتخذ من الدين والفضيلة والأخلاق ذريعة لممارسة الرياضة الأولى للمغاربة وهي «الفضول والتبركَيك». يتساءل كيف لجاره أن يستمتع ويمارس حريته الجسدية أمام مرأى ومسمع «السانديك»، وكيف لجارته العزباء، المستقلة ماديا، أن تمارس حريتها في «الجينز والميني جيب».

يستقوي أصحاب «الجلالب والقوالب» بالنصوص الدينية لتطبيق أهوائهم، متغاضين بذلك عن حقيقة أن الدين الإسلامي من أكثر الأديان حداثة وتقدمية ورأفة بالطبيعة البشرية. حين يتعلق الأمر بالعلاقة الحميمية خارج الإطار الشرعي، «واش مالين التشامير عارفين الشروط شبه المستحيلة لإثبات الزنا؟ عارفين عقوبة قذف المحصنات؟ عارفين أدب الاستئذان قبل اقتحام بيوت الناس؟ عارفين إثم الاعتداء على مسلم؟ عارفين ما بينهم وبين الله بعدا؟». يبدو أن «صحابنا فديار المنصور»، نصبوا أنفسهم على رأس هيئة غير قانونية أسموها «هيئة التتبع». يتتبع حراس المعبد عورات الناس ويتصيدون خطاياهم وهفواتهم. لا تقتصر «حراسة المعبد» على المنتظمين في صفوف «قومة» أو المنتمين لحزب «إخوة»، بل تطول «متلازمة السانديك الحلال» شريحة واسعة من المغاربة.

تتوفر الأحياء المغربية على أنظمة مراقبة لوجيستية متطورة. تستخدم فيها تقنيات «الشراجم»، «راس الدرب»، «بوصفير» بل حتى «السعاية وصحاب الديطاي». يعمل هؤلاء المجندون بتفان على مدار الساعة في «برنامج الحضية الاستخباراتي» لرصد الخروقات الأخلاقية «للزوافرية» والمطلقات وطالبات المدارس. لا تتبع «الإيحضي-آي» حال الأرامل والمرضى والطلاب «المحنسرين». لا يطرق أبواب هؤلاء أحد، باستثناء مرشح انتخابي «طالب راغب» في أصواتهم، أو «سطافيط» تتحرى عن حقيقة «إعداد وكر للفساد». لازالت بلادنا ترزح تحت إرث استعماري ثقيل يعرقل رغبتنا في الانطلاق نحو فضاء «الأنكَلوفونية» الفسيح، ويكبل حريتنا بقوانين «ليوطية» بائدة. تشتعل «حرب الزلايف»، بداية كل رمضان، بين المطالبين بإلغاء الفصل 222 الذي ينص على تجريم وحبس المجاهرين «بالصريط» علنا، وبين المدافعين عن هذا الفصل والمتعصبين لحماية الثوابت الدينية للأمة. لكن «أجي بعدا»، هل إلقاء المفطرين في السجون أمر إلهي أم قرار المقيم العام الفرنسي؟ «لأن سيدي ربي أمر المفطرين بعذر شرعي بإطعام ستين مسكينا، أو يرجعو الكريدي من بعد. وأمر المفطر المتعمد بالتوبة والكفارة وقضاء الأيام حتى هو». إذن أين هو السجن و«السطافيط» والمرور أمام الوكيل و«المينوط»؟ ألا يلاحظ المشرع المغربي أن الوقت حان لإلغاء عبثية الخردة القانونية «لماما فرنسا». قوانين وتشريعات سنها المستعمر لإحكام سيطرته العسكرية والثقافية والسياسية على بلادنا. «واش ليوطي من قبره هايعلمنا ديننا ويفسرلنا كتابنا»؟. لنفترض جدلا أن النقاش المجتمعي والقانوني، الدائر حاليا حول إلغاء الفصول الجنائية المجرمة للحريات الفردية، أفضى إلى تعديلات دستورية تكفل للمغربي حريته الجنسية والعقائدية، هل سيسمح الحالمون «بعشرية مغربية سوداء» للمواطن البالغ الراشد بممارسة حريته الجسدية داخل حرمة بيته؟ هل سيتخلى «السانديك» عن بسط سلطته الأخلاقية على السكان؟ وهل سيتوقف المارة عن مطاردة «شاحطين رمضان» لإطعامهم «بسلخة دينية مشبعة»؟ وهل سيكتفي «كائن الفوقية» بطلب الهداية للعصاة بدل المطالبة بقطع رؤوسهم؟

تمارس القوانين العرفية للمجتمع أنماطا قمعية صارمة في حق الخارجين عن قانون القبيلة. أنماط تتراوح بين الاتهام الأخلاقي في حق النساء اللواتي اخترن نزع الحجاب مثلا، أو الاحتقار المجتمعي في حق مستهلكي الخمور، لتتخذ هذه الأنماط أشكالا أكثر حدة كالاعتداء الجسدي، حين يتعلق الأمر بطابوهات دينية وأخلاقية كالإلحاد والإجهاض والإفطار العلني والجنس خارج إطار الزواج. صحيح أن فتح نقاشات عمومية حول المعضلات المجتمعية والدينية في بلادنا يعتبر ممارسة ديموقراطية صحية، لكن «الحال لعوج» لا يستقيم إلا بقوة القانون. لقد أصبح تعويض قوانين «ليوطي» بتشريعات تحفظ كرامة المغربي وتكفل حريته، بالموازاة مع احترام ثوابتنا الوطنية، ضرورة ملحة وعاجلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى