![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2022/09/Untitled-67.jpg)
بيار عقيقي
على مدى 51 حلقة عُرضت بين 16 نونبر 2015 و28 مارس 2019 ضمن مسلسل «خادم الشعب»، بدا الممثل فولوديمير زيلينسكي، الذي يؤدي دور مدرس للتاريخ وينتصر فجأة بالرئاسيات، قائدا لفريق عمل، مكون من رفاق قدامى له، قائدا لأوكرانيا، ويواجه أوليغارشيي بلاده وروسيا. وبعد ثلاثة أيام فقط من انتهاء آخر حلقات المسلسل، تجاوز زيلينسكي الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، قبل الفوز في 21 أبريل 2019 في الدورة الثانية. اللافت هنا أن زيلينسكي لم ينتقل فقط من مسلسل إلى قصر الرئاسة، بل إنه بوصفه كاتب الحلقات الـ51 ومنتجا للعمل، أظهر مدى عمق فهمه التاريخ بشكل عام وتاريخ بلاده.
مرت في المسلسل مشاهد عدة، تبدو كأنها تنبئية بشكل فاقع، خصوصا أن المسلسل انتهى قبل ثلاثة أعوام تقريبا من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن هذه المشاهد وقوف زيلينسكي أمام خريطة أوكرانيا، التي تبدو فيها المقاطعات مجزأة ومنفصلة عن كييف، لا في الشرق وشبه جزيرة القرم فحسب، بل أيضا في الشمال والجنوب والوسط، وهو يفكر في كيفية توحيدها. أشار أحد المشاهد إلى تاريخ فبراير 2022 إلى ما يمكن اعتباره «بدء نهضة أوكرانيا الموحدة»، التي تأتي وفقا لعبارات المسلسل كالتالي: «ستمزق الأوليغارشية أوكرانيا سنتين أخريين، ومن ثم تتم محاصرتها وتحتلها البلدان المجاورة». كان تحديد تاريخ فبراير 2022 في المسلسل لافتا، خصوصا أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا بدأ في اليوم الرابع والعشرين منه.
تستوقف إحدى العبارات المُشاهد: «ستُسمع عبارة سلافا أوكرايني (المجد لأوكرانيا) ليس هنا فقط، ولكن في جميع أنحاء العالم الواسع». وهو ما حصل عمليا، حين رد زيلينسكي على أنباء عن فراره من كييف، عشية الغزو، وبث فيديو أظهره مع أركان حكمه، في العاصمة الأوكرانية، مشددا على البقاء فيها، وخاتما رسالته بالقول: «سلافا أوكرايني».
قد يكون كل شيء مجرد مصادفة غريبة، لكنها في الواقع تُظهر زيلينسكي شخصا يفهم التاريخ جيدا، ويعلم أن ما يحصل ميدانيا هو «من حتمية التاريخ» من وجهة نظره. تكشف الوقائع الميدانية المجردة عن تراجع القوات الروسية، على الرغم من إعلان موسكو مرارا أن الأسلحة الغربية، الأمريكية خصوصا، هي التي تؤجج الحرب، غير أن الواقع يُظهر أن الأوكرانيين أثبتوا قدرة عالية في القتال.
بدا زيلينسكي وكأنه يسابق الوقت في الأيام الأولى للغزو. في النهاية، لم يكن يريد أن يصبح مثل الرئيس الأفغاني المتنحي، أشرف غني. اعتمد في الأساس على خطاب رافض للسوفيات، ثم للروس، ومتأصل في الثقافة الأوكرانية التي كانت صامتة طوال العقود السوفياتية السبعة، قبل بروزها بعد استقلال 1991 بموجب انهيار الاتحاد السوفياتي، ومن ثم استشراسها في الثورة البرتقالية (2004 ـ 2005)، ولاحقا «ثورة الميدان» (2013 ـ 2014)، ضد الرئيس الروسي بوتين تحديدا.
خرجت هذه الثقافة إلى العلن بعد الغزو الروسي، مدركة أن نهايتها لن تكون تسووية بالمعنى الضيق للكلمة، بل وفقا لشروط ستُفرض انطلاقا من النتيجة التي ستؤول إليها الحرب…
وفي مستقبل، لن يكون بعيدا في مقاييس الأزمنة، سواء قُتل أو ظل حيا، فإن زيلينسكي سيصنف على أنه «محرر أوكرانيا وموحدها»، والأهم أنه هزم الجار الشرقي.