شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسيةوطنية

زمن الوضوح

«ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات»، هذه فقرة خفيفة في البناء اللغوي للخطاب الملكي لذكرى ثورة الملك والشعب، لكنها ثقيلة في الميزان الدبلوماسي وواضحة ومعبرة في سلم قياس المواقف الجيوستراتيجية، مفادها أن الدولة المغربية لم ولن تقبل أن تكون، يوما، القضية الوطنية رهينة المواقف الصامتة وحبيسة الازدواجية المقيتة التي لا ينسب لصاحبها موقف ولن تكون أيضا بضاعة دبلوماسية على طاولة المفاوضات والمساومات مهما كان حجم العلاقات التاريخية.

ومرة أخرى، يؤكد الملك في خطابه لمن يهمها الأمر من الدول دون تسميتها من باب اللباقة واللياقة وإرث مؤسسة عريقة في لغتها وسلوكها، أنه لا مكان لأي علاقة دبلوماسية مع أي دولة تختبئ وراء جدار المواقف الرمادية خصوصا ممن يصنفون ضمن أصدقاء المغرب التقليديين، وهنا المقصود تلميحا بلغة الوضوح «إياك أعني واسمعي يا جارة»، هي الدولة الفرنسية، فلا مجال لاحتفاظ باريس التي تربطها مصالح استراتيجية وأمنية واقتصادية واستثمارية بمكانتها على قائمة أصدقاء المغرب، بنهجها موقف أخذ العصى من الوسط. فاليوم قال الخطاب لفرنسا بالوضوح اللازم لقد انتهى زمن الوقوف في تلك المنطقة الرمادية إذا تعلق الأمر بسيادتنا مهما كانت التبريرات والدوافع، بل أكثر من ذلك فقد أشهر الخطاب بدائل استراتيجية للمغرب من داخل الاتحاد الأوربي وفي مقدمتها إسبانيا وفرنسا والبرتغال وهولندا.

وإذا كانت فرنسا التي يستعد رئيسها لزيارة الجزائر الأسبوع المقبل، غير مقتنعة بوحدتنا الترابية والأطروحة المغربية في الحل، فما عليها سوى أن تصرح بذلك علانية من قلب الجزائر، لأنه لم يعد مقبولا من طرف المؤسسات السيادية لبلدنا أن تلجأ جمهورية الأنوار إلى منطق الازدواجية ومواقف الابتزاز والضرب تحت الحزام وتحريك إعلامها ومنظماتها وكراكيز «اليوتوب» المقيمين بأراضيها لمهاجمة مؤسسات المغرب السيادية، دون رد فعل سيادي من الدولة المغربية، فبلدنا لن يقبل بمنطق دولة تريد منافع من المغرب وتبتزه في سيادته مع خصومه وتحول أرضها إلى منصة لإطلاق الافتراءات والإشاعات والهجومات ضد سيادته.

وخلاصة الخطاب أن المؤسسة الملكية أرسلت رسالة قوية لفرنسا في زمن دبلوماسي يعرف قيمته حاكم الإليزيه، أرادت به معنى معيناً يفهمه جيدا صانع القرار الفرنسي ولا يجب أن يتغافل عنه أو يظهر عدم الفهم أو يبين قلة الاهتمام واللامبالاة في زيارته للجزائر. ولهذا ففرنسا مطالبة بعد الخطاب الملكي بإعادة ترتيب أوراقها الدبلوماسية مع المغرب والتلاؤم مع المواقف الدولية الجديدة اتجاه وحدتنا الترابية. فلا يعقل أن يظل الشريك الأول للمغرب في وضع متأخر على مستوى المواقف الدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وألمانيا والبرتغال وهولندا، فمنطق التناسب يفرض أن الشريك الأول يجب أن يكون هو الحليف الأول والداعم الأول والواضح الأول والمدافع الأول عن مصالح شريكه لا سيما تلك التي تتعلق بوحدتنا الترابية وسيادتنا الوطنية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى