زفاف بشبابيك مغلقة
حسن البصري
حتى وهو يسبح في أحلامه الوردية وتتراقص أمام عينيه السعادة، لم يخطر ببال الشاب مصطفى صديقي، الشهير بلقب «إكشوان إكنوان»، أن يتحول إلى شخصية عمومية تطارده السلفيات في حله وترحاله.
لم يحقق الفتى الشهرة فقط بل أصر على ربطها بالمال والبنين فهما زينة الحياة الدنيا. ونال من تصريح منفلت على قارعة الطريق، ما لم يحققه كبار محللي الرياضة وعلم الاجتماع والسياسة والدين.
في زمن الدناءة، تحول هذا الشاب إلى نجم مطلق تتوقف المواصلات وترتبك حالة المرور عند عبوره في الشارع العام، فقط لأن زلة لسان منحت لأنفلوانزا الخنازير تسمية مثيرة للسخرية، بل وربما بخست الوباء وقضت عليه فلم يعد له ذكر في بلاغات وزارة الصحة العمومية.
ولأنه بشهرة عالية المتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن حفل زفافه المقرر إقامته في مدينة سلا، أضحى فرجة مؤدى عنها، بعد أن قررت اللجنة المنظمة للعرس تخصيص تذاكر لليلة العمر، وطرحها في السوق بأسعار متفاوتة في خطوة لمساعدة العريسين ماديا، علما أن «النكافة» مونية ستتكفل بتنظيم الحفل رفقة خبير التجميل جواد، وكبار منظمي حفلات الزواج.
عقدت اللجنة المنظمة سلسلة من الاجتماعات تحضيرا لزفاف استثنائي، سيخصص ريعه لاقتناء شقة ومستلزمات الحياة الزوجية، وقررت إجراء العرس بشبابيك مغلقة، بعد أن حددت سعر بيع تذاكر حضور الحفل الساهر في 300 درهم للموائد الأمامية وأقل من هذا السعر بالنسبة للأماكن الخلفية، مع تمكين بعض المدعمين والرعاة من دعوات مجانية.
يقول العريس في الدعوة: «قررت أنا مصطفى، وأنا بكامل قواي العقلية أن أتخلى عن عزوبيتي وأدخل طوعا قفص الزوجية، برعاية مستشهرين يشرفون على شركات مواطنة». كما تأسف لكسر مبدأ مجانية الأعراس ووضع أسعارا تفضيلية لفرجة قد تدوم أربع ساعات.
في زمن ارتفع فيه شأن كل من اختلت موازينه، أصبح سعر متابعة زفاف، يفوق سعر مشاهدة مسرحية أو مباراة لكرة القدم، أو دخول متحف، في زمن نجوم من ورق مقوى، يهجر الناس فضاءات الثقافة وتبتلى المباريات ببلاء «الوي كلو»، ويصبح طابور اقتناء تذاكر زفاف «إكشوان» أطول من المتوقع، إنها علامة الساعة الآتية لا ريب فيها.
الحاصلون على التذاكر سيتمكنون من متابعة الزفاف مع إمكانية تصوير فقراته بهواتفهم الذكية، ومشاركة العريسين الرقص والاستمتاع بلحظات من زمن مستقطع. ومن غير المستبعد أن تنفد التذاكر من الأسواق لأن الموائد محدودة، فتنشط السوق السوداء وينتشر بوليس الملاعب قرب شبابيك بيع التذاكر، تحسبا لأي أعمال شغب أو اختناق مروري أو استنساخ للدعوات.
إلى غاية كتابة هذه السطور ما زالت حقوق البث الحصري للحفل معروضة للبيع، ولازالت بعض القنوات تفكر في استثمار الحدث وكسب عائدات مالية من ورائه، خاصة قنوات «روتانا» «وناسة» وغيرهما من الفضائيات المهتمة بتمايل الأجساد على وقع الطرب.
تحول حفل الزفاف إلى فرجة لجمع المال، قصد توفير مسكن للزوجين، دون التفكير طبعا في تأمين شغل للعريس، لكن المبادرة التضامنية تصنف في خانة الإحسان العمومي، الذي وضعت له ضوابط جديدة بعد أن سقطت أرواح في مبادرة بضواحي الصويرة.
ولأن حفل «إكشوان إكنوان» سيجرى بشبابيك مغلقة، فإن الوضع يحتاج إلى استنفار أمني، خاصة وأن المنظمين يخشون من اختراق إعلامي قد يفوق عدد المدعوين، ويحول العرس إلى زحمة، خاصة وأن العريسين وأفراد عائلتيهما غير مهيئين لهذا التحول السلوكي الذي طرأ فجأة على حياة «كوبل»، صعد بسرعة جنونية وقد ينتهي به المطاف في قعر الشهرة، بعد أن فكر المنظمون في كل شيء إلا في المرافقة النفسية لشخص قد ينتهي به الأمر في مصحة نفسية إذا لم يحسن تدبير عبوره في ممر الشهرة.
أيها المعازيم، يمكنكم حجز مائدة واحدة تسع لعشرة مدعوين، ويمكنكم الاستفادة من وجبة عشاء وكوكتيل وصورة مع العريسين، وأن تشارك في قرعة «طامبولا» قد تمنحك دواء مدى الحياة وبالمجان لشخصين يعانيان من أنفلونزا الخنازير.