شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

زعماء غرباء…عبد القادر الجزائري الماسونية لا تتعارض مع الإسلام

تمكنت بلدان كثيرة من تجاوز مرحلة نضال شعبها ضد الاستعمار، عندما لم تعد تجتر شعارات تلك المرحلة لتجييش شعوبها وتصوير الآخرين على أنهم مصدر كل الشرور، وفي المقابل ركزت على الشأن الداخلي لتحقيق التنمية الاقتصادية وتخليص شعوبها من الجهل والخرافة والأمية. كل هذا رأيناه في الهند والفلبين وفيتنام آسيويا، ورأيناه في مصر وإثيوبيا والمغرب إفريقيا، إلا الجزائر فقد كانت الاستثناء في كل شيء، حيث يتم دوما تقديم السلطة هناك على أنها سليلة «نقية» لـ«مجاهدي» الاستقلال، وأن جيشها ضد الاستعمار، مع أن العالم عرف تحولات عميقة جدا، باتت معها شعارات مثل مكافحة الاستعمار شعارات بائدة جدا، وما حرص جنرالات الجزائر على الإبقاء على «عرف» الأسماء الحركية بدل أسمائهم الرسمية، إلا دليل على أن هذا البلد لم يتخط بعد سنة 1962، أي تاريخ حصوله على الاستقلال.

في هذا السياق، حرص كل رؤساء ما بعد الحصول على الاستقلال على تقديم أنفسهم على أنهم «مجاهدون» أو «أبناء مجاهدين»، وتقديم كل معارضيهم على أنهم «حركيون»، وهي كلمة يقابلها في اللغة العربية لفظ «الخونة والعملاء». وفي الوقت نفسه توظيف أسماء وسير شخصيات دينية وسياسية وعسكرية، وتقديمها بطرق تخييلية وسردية تصل حدود الخرافة والأسطورة، ولم يكتفوا بسرديات حول سير هذه الشخصيات، بل نسجوا سرديات تتحدث عن «جهاد» الأشجار والأحجار والطيور.

 

استعادة «أسطورة» الأمير عبد القادر

كان الفكر السياسي بعد استقلال الجزائر سنة 1962 يتجه نحو نمذجة الدولة الجزائرية ضمن المنظومة الأفروآسيوية، والتي تجعل الدولة الوطنية تتأسس على الفكرة الثورية المنبثقة من الشعب، فلم يكن للأمير في فترة الستينيات والسبعينيات من ذكر أو حضور، ولم يُذكر إلا في برامج التعليم على أنه شاعر جزائري وأديب.

حرص نظام الجزائر في العقدين الأخيرين على تقديم شخصية الأمير عبد القادر على أنه رمز للجهاد ضد الاستعمار، مع أن كل الوثائق، التي يملكها هذا المستعمر نفسه، ونقصد فرنسا تحديدا، تتحدث وبالدليل على أن الأمر يتعلق بـ«متعاون»، ليس فقط مع النظام السياسي الفرنسي آنذاك، بل ومع أفكار نخبته النفاذة، ونقصد النخبة الماسونية، كل هذا والنظام الجزائري يعيش حالة إنكار تام.

ولأن الأمر لا يخلو من توظيف تخييلي لشخصية دينية وسياسية غريبة وغامضة، فقد حرص النظام الحاكم في الجزائر على تجنيد كاتبة مغمورة، وهي مواطنة أمريكية من أصل لبناني على أنها حفيدة الأمير، وتم استقبالها رسميا من طرف رئيس الدولة ومن جيشه، ونظمت لها لقاءات شعبية كثيرة، قصد إحياء سردية الأمير، لكن حدث بعد ذلك بأسابيع ما لم يتخيله قط مخرجو هذا «الفيلم»، وهو خروج هذه الكاتبة إلى العلن بعد عودتها إلى أمريكا لتعتذر عن مشاركتها في هذه المسرحية، لتصرح بأنها لا علاقة لها نهائيا بالأمير، وأن الأمر يتعلق بدور تقاضت عنه مبالغ مالية من النظام، عبر وسطاء له ذكرتهم بأسمائهم.

 

لا تعارض بين الإسلام والماسونية

أبانت الوثائق التي تم اكتشافها، سواء في فرنسا أو في المشرق العربي، وتحديدا سوريا ولبنان، عن وجه آخر صادم للأمير عبد القادر، وتحديدا صادم للجزائريين، الذين كانوا ضحية الدعاية السياسية لنظامهم. وهذه الوثائق تكشف بالدليل والحجة انتماء الأمير للمحفل الماسوني وحصوله على رتبة تنظيمية. لذلك حاول بعض مؤرخي الجزائر التقليل من الأمر، وبدل الحديث عن انخراط «أسطورتهم» في المحفل الماسوني، فإنهم لم ينكروا هذا الانتساب، ولكنهم اعتبروه مجرد تكريم جراء حماية الأمير للدروز واليهود والمسيحيين من حملة عسكرية كانت تستهدفهم آنذاك.

الوجه التاريخي الحقيقي هو أن الوثائق تؤكد فعلا وجود مراسلات بين الأمير والدولة الفرنسية، تثبت أنه لم يكن يمانع استعمار فرنسا للبنان وسوريا، إن كان هذا سيضمن حقوق الجميع، خصوصا وأن المسيحيين في لبنان، وتحديدا في منطقة جبل لبنان، راسلوا فرنسا مرارا يطلبون حمايتها من فتنة باقي المذاهب.

وقد وجد المؤرخون وثيقة عبارة عن نص ماسوني موثق كتبه الدكتور أنطوان عاصي، رئيس معهد الطقوس في المحفل الأكبر اللبناني الموحد، رادا فيه على بديعة الحسني، حفيدة الأمير الجزائري، والتي أنكرت ماسونية الأمير، لإثبات ماسونية الجزائري ناقلا فيه عن مصادر معروفة وموجودة.

يقول الدكتور عاصي: «في الأحداث الدامية التي وقعت في دمشق في يوليوز من سنة 1860 بين المحمديين والمسيحيين، كلف عبد القادر بمهمات إنقاذية، ووضع تحت حمايته آلاف المسيحيين الذين لقوا الحماية تحت لوائه. هذه البادرة قدرها نابليون الثالث وقلد الأمير وسام الشرف الفرنسي وأرسلت من بعدها المحافل الماسونية كتابات شكر وتقدير إليه، أهمها محفل هنري الرابع الذي أخذ المبادرة».

ليضيف بأنه «في دجنبر 1860، اعترفت الماسونية في عدة رسائل له بناحيته الإنسانية والأخلاقية، واقترحت عليه في هذه الرسائل أن يكون عضوا في الماسونية، دون أن يكون عضوا مكرسا بعد، إذ إن النظام الماسوني يسمح بتكريس هكذا رجال عظماء دون أن يكونوا مكرسين، وأرسلت إليه ما يسمى بالجوهرة أو الرمز المعدني، عرفانا منها إليه، ولم يكن وقتها في الجزائر الدولة المسلمة أكثر من ثلاثين مكرسا ماسونيا».

وفي سنة 1861، رد الأمير عبد القادر الحسني الجزائري على محفل هنري الرابع الباريسي، بحسب رسالة الدكتور عاصي، بقوله: «لم ألمس في المبادئ الماسونية ما يتعارض وشريعة القرآن الكريم والسنة والفقه الإسلامي»، عندها طلب منه محفل هنري الرابع الإجابة عن ثلاثة أسئلة وهي أسئلة تقليدية للانتساب إلى الماسونية:

–  ما هي واجبات الإنسان تجاه الله؟

–  ما هي واجباته تجاه الإنسانية؟

–  كيف ينظر إلى خلود النفس والمساواة والإخاء والحرية؟

كان وصول المارشال الفرنسي كأستاذ أعظم لهذا المحفل وخلافاته مع الأمير قد أخرت تكريسه، هنا كان لا بد من حضوره شخصيا، ففي 18 يونيو 1864 وباسم محفل الأهرام في الإسكندرية، والذي كان عاملا تحت لواء الشرق الأكبر الفرنسي، والممثل في محفل هنري الرابع، تكرس الأمير عبد القادر الجزائري وأعطي امتيازا قل نظيره في ذلك الوقت أنه منحت له في جلسة واحدة الدرجات الأولى الثلاث.

وصدر عن محفل هنري الرابع في باريس جلسة عمومية أعطي بموجبها إذن للأمير أن ينشئ محافل ماسونية ذات الطابع العربي في جميع الأقطار العربية. وحجب الأمير عبد القادر بعضا من نشاطاته الماسونية وبقي في الظل.

 

الماسونية لا تتعارض مع الإسلام

 

نافذة: لم يكن للأمير في فترة الستينيات والسبعينيات من ذكر أو حضور ولم يُذكر إلا في برامج التعليم على أنه شاعر جزائري وأديب

 

تمكنت بلدان كثيرة من تجاوز مرحلة نضال شعبها ضد الاستعمار، عندما لم تعد تجتر شعارات تلك المرحلة لتجييش شعوبها وتصوير الآخرين على أنهم مصدر كل الشرور، وفي المقابل ركزت على الشأن الداخلي لتحقيق التنمية الاقتصادية وتخليص شعوبها من الجهل والخرافة والأمية. كل هذا رأيناه في الهند والفلبين وفيتنام آسيويا، ورأيناه في مصر وإثيوبيا والمغرب إفريقيا، إلا الجزائر فقد كانت الاستثناء في كل شيء، حيث يتم دوما تقديم السلطة هناك على أنها سليلة «نقية» لـ«مجاهدي» الاستقلال، وأن جيشها ضد الاستعمار، مع أن العالم عرف تحولات عميقة جدا، باتت معها شعارات مثل مكافحة الاستعمار شعارات بائدة جدا، وما حرص جنرالات الجزائر على الإبقاء على «عرف» الأسماء الحركية بدل أسمائهم الرسمية، إلا دليل على أن هذا البلد لم يتخط بعد سنة 1962، أي تاريخ حصوله على الاستقلال.

في هذا السياق، حرص كل رؤساء ما بعد الحصول على الاستقلال على تقديم أنفسهم على أنهم «مجاهدون» أو «أبناء مجاهدين»، وتقديم كل معارضيهم على أنهم «حركيون»، وهي كلمة يقابلها في اللغة العربية لفظ «الخونة والعملاء». وفي الوقت نفسه توظيف أسماء وسير شخصيات دينية وسياسية وعسكرية، وتقديمها بطرق تخييلية وسردية تصل حدود الخرافة والأسطورة، ولم يكتفوا بسرديات حول سير هذه الشخصيات، بل نسجوا سرديات تتحدث عن «جهاد» الأشجار والأحجار والطيور.

 

استعادة «أسطورة» الأمير عبد القادر

كان الفكر السياسي بعد استقلال الجزائر سنة 1962 يتجه نحو نمذجة الدولة الجزائرية ضمن المنظومة الأفروآسيوية، والتي تجعل الدولة الوطنية تتأسس على الفكرة الثورية المنبثقة من الشعب، فلم يكن للأمير في فترة الستينيات والسبعينيات من ذكر أو حضور، ولم يُذكر إلا في برامج التعليم على أنه شاعر جزائري وأديب.

حرص نظام الجزائر في العقدين الأخيرين على تقديم شخصية الأمير عبد القادر على أنه رمز للجهاد ضد الاستعمار، مع أن كل الوثائق، التي يملكها هذا المستعمر نفسه، ونقصد فرنسا تحديدا، تتحدث وبالدليل على أن الأمر يتعلق بـ«متعاون»، ليس فقط مع النظام السياسي الفرنسي آنذاك، بل ومع أفكار نخبته النفاذة، ونقصد النخبة الماسونية، كل هذا والنظام الجزائري يعيش حالة إنكار تام.

ولأن الأمر لا يخلو من توظيف تخييلي لشخصية دينية وسياسية غريبة وغامضة، فقد حرص النظام الحاكم في الجزائر على تجنيد كاتبة مغمورة، وهي مواطنة أمريكية من أصل لبناني على أنها حفيدة الأمير، وتم استقبالها رسميا من طرف رئيس الدولة ومن جيشه، ونظمت لها لقاءات شعبية كثيرة، قصد إحياء سردية الأمير، لكن حدث بعد ذلك بأسابيع ما لم يتخيله قط مخرجو هذا «الفيلم»، وهو خروج هذه الكاتبة إلى العلن بعد عودتها إلى أمريكا لتعتذر عن مشاركتها في هذه المسرحية، لتصرح بأنها لا علاقة لها نهائيا بالأمير، وأن الأمر يتعلق بدور تقاضت عنه مبالغ مالية من النظام، عبر وسطاء له ذكرتهم بأسمائهم.

 

لا تعارض بين الإسلام والماسونية

أبانت الوثائق التي تم اكتشافها، سواء في فرنسا أو في المشرق العربي، وتحديدا سوريا ولبنان، عن وجه آخر صادم للأمير عبد القادر، وتحديدا صادم للجزائريين، الذين كانوا ضحية الدعاية السياسية لنظامهم. وهذه الوثائق تكشف بالدليل والحجة انتماء الأمير للمحفل الماسوني وحصوله على رتبة تنظيمية. لذلك حاول بعض مؤرخي الجزائر التقليل من الأمر، وبدل الحديث عن انخراط «أسطورتهم» في المحفل الماسوني، فإنهم لم ينكروا هذا الانتساب، ولكنهم اعتبروه مجرد تكريم جراء حماية الأمير للدروز واليهود والمسيحيين من حملة عسكرية كانت تستهدفهم آنذاك.

الوجه التاريخي الحقيقي هو أن الوثائق تؤكد فعلا وجود مراسلات بين الأمير والدولة الفرنسية، تثبت أنه لم يكن يمانع استعمار فرنسا للبنان وسوريا، إن كان هذا سيضمن حقوق الجميع، خصوصا وأن المسيحيين في لبنان، وتحديدا في منطقة جبل لبنان، راسلوا فرنسا مرارا يطلبون حمايتها من فتنة باقي المذاهب.

وقد وجد المؤرخون وثيقة عبارة عن نص ماسوني موثق كتبه الدكتور أنطوان عاصي، رئيس معهد الطقوس في المحفل الأكبر اللبناني الموحد، رادا فيه على بديعة الحسني، حفيدة الأمير الجزائري، والتي أنكرت ماسونية الأمير، لإثبات ماسونية الجزائري ناقلا فيه عن مصادر معروفة وموجودة.

يقول الدكتور عاصي: «في الأحداث الدامية التي وقعت في دمشق في يوليوز من سنة 1860 بين المحمديين والمسيحيين، كلف عبد القادر بمهمات إنقاذية، ووضع تحت حمايته آلاف المسيحيين الذين لقوا الحماية تحت لوائه. هذه البادرة قدرها نابليون الثالث وقلد الأمير وسام الشرف الفرنسي وأرسلت من بعدها المحافل الماسونية كتابات شكر وتقدير إليه، أهمها محفل هنري الرابع الذي أخذ المبادرة».

ليضيف بأنه «في دجنبر 1860، اعترفت الماسونية في عدة رسائل له بناحيته الإنسانية والأخلاقية، واقترحت عليه في هذه الرسائل أن يكون عضوا في الماسونية، دون أن يكون عضوا مكرسا بعد، إذ إن النظام الماسوني يسمح بتكريس هكذا رجال عظماء دون أن يكونوا مكرسين، وأرسلت إليه ما يسمى بالجوهرة أو الرمز المعدني، عرفانا منها إليه، ولم يكن وقتها في الجزائر الدولة المسلمة أكثر من ثلاثين مكرسا ماسونيا».

وفي سنة 1861، رد الأمير عبد القادر الحسني الجزائري على محفل هنري الرابع الباريسي، بحسب رسالة الدكتور عاصي، بقوله: «لم ألمس في المبادئ الماسونية ما يتعارض وشريعة القرآن الكريم والسنة والفقه الإسلامي»، عندها طلب منه محفل هنري الرابع الإجابة عن ثلاثة أسئلة وهي أسئلة تقليدية للانتساب إلى الماسونية:

–  ما هي واجبات الإنسان تجاه الله؟

–  ما هي واجباته تجاه الإنسانية؟

–  كيف ينظر إلى خلود النفس والمساواة والإخاء والحرية؟

كان وصول المارشال الفرنسي كأستاذ أعظم لهذا المحفل وخلافاته مع الأمير قد أخرت تكريسه، هنا كان لا بد من حضوره شخصيا، ففي 18 يونيو 1864 وباسم محفل الأهرام في الإسكندرية، والذي كان عاملا تحت لواء الشرق الأكبر الفرنسي، والممثل في محفل هنري الرابع، تكرس الأمير عبد القادر الجزائري وأعطي امتيازا قل نظيره في ذلك الوقت أنه منحت له في جلسة واحدة الدرجات الأولى الثلاث.

وصدر عن محفل هنري الرابع في باريس جلسة عمومية أعطي بموجبها إذن للأمير أن ينشئ محافل ماسونية ذات الطابع العربي في جميع الأقطار العربية. وحجب الأمير عبد القادر بعضا من نشاطاته الماسونية وبقي في الظل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى