شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

زرافة صفاقس

حسن البصري

 

في تناقض رهيب يصر جيراننا في الجزائر على الجمع بين التشكيك في قدرة المغرب على إنهاء بناء ملاعبه في موعدها المحدد، وتنظيم دورة كأس أمم إفريقيا 2025 في تاريخها المعلن من طرف الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وبين البحث عن تأشيرة دخول المملكة لتشجيع منتخب بلدهم.

إذا كانت لديك أخي الجزائري قناعة بأن المغرب غير قادر على تنظيم كأس إفريقيا في موعدها، فما الداعي إلى الاستفسار عن سبل العبور إلى المغرب؟

مناسبة هذا الحديث هو انشغال أحد المحللين الرياضيين الجزائريين بحجز مبكر في أحد فنادق العاصمة، كي ينعم بمتابعة منتخب بلاده في نهائيات كأس إفريقيا 2025.

صديقنا المحلل يقضي سحابة يومه في الاستفسار عن التأشيرة و الإقامة في فنادق قريبة وغير مكلفة، عن وسائل التنقل المتاحة و المطاعم التي تقدم مأكولات بأقل نسبة كوليستيرول وأسعار قليلة الدسم. وفي المساء يجلس في “بلاطو” التحليل لينشر ثقافة الشك ويجزم بعدم جاهزية الملاعب التي توجد قيد التشييد.

قد نلتمس للمحلل الجزائري العذر وهو يمثل دوري الشرير والملاك في يوم واحد، دور المساند لأطروحة العداء وانخراطه في جبهة الضغينة، ودور السائح الراغب في زيارة بلد يمقته أمام المشاهدين ويتغزل فيه حين يعيش خلوته الذاتية بعد أن يحكم إغلاق غرفته.

نبشر زميلنا بأن صافرة انطلاق “الكان” لن تخلف وعدها، وأن دخول المغرب يشترط حصولك على تأشيرة، في سياق مبدأ المعاملة بالمثل، ولكي تحصل على تأشيرة عليك أن تقتني تذاكر مباريات منتخب بلادك وتدلي بما يثبت الحجز في فندق، وأن تحصل على ترخيص من وزارة الاتصال إذا داهمتك نوبة التحليل وعزمت على الظهور بمظهر الواعظ، وقد تصبح، لا قدر الله، مطالبا بالإدلاء بشهادة عدم السوابق في التحريض على العداء والضغينة.

ستبدي لك شوارع الرباط ومنتزهاتها ما كنت جاهلا، وستعلم بعد طول العمر أن نظرتك إلى المغرب مشروخة بسبب نظاراتك الطبية سميكة الزجاج.

عليك تقبل الإجراءات الاحترازية التي ستقوم بها السلطات المغربية قبل فتح حدودها أمام حشود الجماهير القادمة من كل حدب وصوب، لكنك لن تعيش الاحتجاج في المطارات.

صحيح أن آلاف المشجعين الجزائريين سيحلون بالمغرب من أوروبا حاملين لجوازات سفر دول أوربية، لكن هذا التدفق يحتاج إلى تدابير تتجاوز ما هو أمني إلى ما هو إعلامي والحرص على ضبط محتويات فيلق المؤثرين الجزائريين الذين يخضع الكثير منهم لعملية إحماء وشحن بمواد قابلة للاشتعال قبل إيفادهم إلى المغرب.

حين نظمت تونس نهائيات كأس أمم إفريقيا 2004، فتح زين العابدين بن علي حدود بلاده في وجه الجمهور الجزائري، فتدفقت حشود المناصرين حتى أصبحت سوسة والمنستير وصفاقس مقاطعات جزائرية.

كتب لي أن أعيش تفاصيل هذه البطولة القارية، وأكون شاهد عيان على مباراة برسم ربع نهائي كأس أمم إفريقيا بين المنتخبين المغربي والجزائري، على أرضية ملعب الطيب المهيري بمدينة صفاقس، على امتداد الطريق كانت الحشود الجزائرية تشد الرحال إلى الجنوب، ترافقها أغاني الشاب حسني ومامي وغيرهما من شباب موجة الراي.

قبل المباراة زار بعض المشجعين الجزائريين حديقة الحيوانات “التوتة”، كانوا يحاولون استفزاز أسد الحديقة لكنه كان يقضي قيلولته اليومية، فصرفوا النظر عن مخططهم قبل أن يرمي أحد المناصرين الجزائريين نبتة ملفوفة في “هريسة” تونسية لزرافة ما أن تناولتها حتى تحولت إلى كائن ثائر.

بعد هزيمة المنتخب الجزائري أمام نظيره المغربي، تحولت صفاقس إلى مدينة منكوبة عبث بها الجمهور القادم من الجزائر ومن أوروبا، لم نغادر المدينة إلا بعد الواحدة والنصف صباحا، وسط إجراءات أمنية مشددة، حول ملعب سنفهم في ما بعد لماذا حمل اسم وزير للداخلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى