محمد اليوبي
رغم الإجراءات والتدابير المنصوص عليها في قوانين المالية الصادرة منذ سنة 2013، بفرض رسم على الرمال المستخرجة من المقالع بمختلف أنواعها، كشفت أرقام رسمية حصلت عليها “الأخبار” أن مداخيل هذه الرسوم في تراجع مستمر وتصل إلى صفر درهم ببعض الأقاليم، رغم أنها توفر الملايير لأصحاب هذه المقالع، وذلك بسبب التلاعب في التصريح بالكميات المستخرجة وغياب المراقبة من طرف المصالح الإقليمية لوزارة التجهيز.
وأفادت المصادر بأنه منذ شهر مارس 2013 تاريخ الشروع في العمل بالرسم الجديد على مادة الرمل، والمحدد في مبلغ 25 درهما عن كل متر مكعب مستخرج من رمال الكثبان أو رمال الجرف أو رمال الوديان، و10 دراهم عن كل متر مكعب مستخرج من مقالع تفتيت الحجر، تبين أن عملية استخلاصه ستشوبها معيقات قد تقوض فرص تطبيقه وتجعل منه رسما جائرا يفرض على أقلية قليلة من أرباب مقالع الرمال بينما يتمكن أغلب المستغلين من التهرب من أداء هذا الرسم، حيث تبين أن هذا الرسم لا يطبق سوى على المقالع التي تنتج مادة فريدة أي الرمل، أما المقالع التي تنتج مواد أخرى زيادة عن الرمل (الحجر، الحصى، مواد التتريب…)، فإنها تسوق رمالها بوصل شحن لإحدى تلك المواد للتهرب من أداء الرسم. كما أن مستغلي المقالع العشوائية ومروجي الرمال المغشوشة لا يخضعون هم أيضا لهذا الرسم.
وحصلت “الأخبار” على أرقام وإحصائيات رسمية صادرة عن وزارة التجهيز تتعلق بالموارد المالية المستخلصة من الرسم المفروض على الرمال، يتضح من خلالها أن المقالع التي تنتج الرمل كمادة وحيدة هي التي تتصدر قائمة الأداءات (القنيطرة والعرائش مثلا) بينما أقاليم أخرى توجد بها عشرات المقالع التي تستخرج مئات الآلاف من الأمتار المكعبة من الرمال سنويا لا تؤدي ولو درهما واحدا من الرسم. ويتعلق الأمر أساسا بالأقاليم التي توجد بها مقالع نهرية كإقليم سيدي قاسم (نهر ورغة) وإقليم الخميسات (نهري بهت وتيفلت) وإقليم أكادير (نهر سوس) وإقليم كرسيف (نهر ملوية).
وما يؤكد هذا التناقض في المداخيل المستخلصة من المقالع أن إقليم القنيطرة، الذي توجد به 3 بالمائة من مجموع مقالع الرمال المرخصة على الصعيد الوطني (أي 19 مقلعا من بين 594 مقلعا) يؤدي لوحده مبالغ تتراوح ما بين مليار وملياري سنتيم سنويا، أي ما يمثل 30 بالمائة من مجموع الموارد المالية المستخلصة من الرسم على الرمال، متبوعا بمقالع إقليم العرائش التي تستخلص منها خزينة الدولة مبالغ تتراوح ما بين 500 مليون ومليار سنتيم سنويا، أي ما يمثل حوالي 16 بالمائة من مجموع الموارد المستخلصة، في حين تبلغ مداخيل أزيد من 520 مقلعا على الصعيد الوطني نسبة 50 في المائة من المداخيل، لأن بعض هذه المقالع لا تصرح بالكميات المستخرجة ولا تؤدي أي سنتيم لخزينة الدولة.
وأكدت المصادر أنه رغم مرور أكثر من 10 سنوات على تاريخ الشروع في استخلاص الرسم على الرمال لم تتمكن الإدارة من تنزيل آليات المراقبة الضرورية لفرض أداء هذا الرسم على كافة المستغلين، وهذا يعتبر خرقا سافرا لمبدأ العدالة الضريبية وسببا كافيا لإعادة النظر في هذا الرسم إما بإلغائه أو تخفيض قيمته مع تعميمه على جميع المقالع كيفما كانت طبيعة المواد المستخرجة منها.
وكشفت المصادر أنه منذ سنوات تحولت العديد من مستودعات مواد البناء إلى مقالع عشوائية داخل المدن، حيث أصبح نشاطها الرئيسي هو تسويق رمال مغشوشة عن طريق خلط الرمال بالأتربة وتسويقها على أنها رمال، ويستغل أصحاب هذه المستودعات غياب أية مراقبة حول مصدر هذه المواد وجودتها لإغراق السوق بمواد ذات مصادر مجهولة لا تتوفر فيها معايير الجودة المطلوبة، كما أن العديد من هذه المستودعات المتواجدة بالأقاليم الساحلية تستقبل يوميا كميات كبيرة من الرمال المسروقة من الشواطئ في خرق سافر للقانون، والشيء نفسه بالنسبة للعديد من وحدات إنتاج الخرسانة المسلحة التي تعمد إلى استعمال رمال ضعيفة الجودة لتخفيض كلفة الإنتاج، وهو ما يفرض إجراء مراقبة لمستودعات مواد البناء، وإغلاق المستودعات العشوائية ومنع الترخيص لهذه المستودعات خارج المناطق الصناعية ومنع كذلك خلط الرمال داخل هذه المستودعات مع ضرورة توفر أصحابها على وثائق تثبت مصدر هذه المواد.
وحسب المصادر ذاتها، فإن السوق الوطنية للرمل تعرف فوضى عارمة تتجلى في استحواذ مواد تفتقد لمعايير الجودة المطلوبة على نسبة كبيرة من هذا السوق قد تفوق 70 بالمائة من الكميات المسوقة سنويا. هذه المواد هي عبارة عن أتربة تشبه الرمل يتم استخراجها من مقالع مرخصة أصلا لاستخراج مواد التتريب (التوفنة) أو من مقالع عشوائية توجد وسط تجزئات سكنية أو فوق أراض فلاحية، وما يزيد من تفاقم هذه الظاهرة لجوء عدد كبير من أرباب مستودعات مواد البناء إلى تسويق هذه الأتربة على أساس أنها رمال. كما يعمد أرباب هذه المستودعات إلى خلط الرمال الجيدة بالتراب لتوسيع هامش الربح. وأكدت المصادر أن هذه الممارسات الخطيرة تشكل خطرا داهما على سلامة المنشآت وحياة المواطن نظرا لتأثير هذه الرمال المغشوشة على جودة وتماسك الخرسانة المستعملة في قطاع البناء، كما أن هذه الرمال المغشوشة لا تخضع للرسم المطبق على الرمال.