شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

روسيا والعقوبات الغربية

 

 

 

عبد الإله بلقزيز

 

ليس معلوما بعد إن كانت روسيا قد توقعت ردا غربيا قاسيا عليها، بهذا الحجم الذي نراه، لردع عمليتها العسكرية في أوكرانيا.

يتحدث الروس، من جهتهم، عن أخذهم سلفا العدة لتحمل وطأة العقوبات الغربية على اقتصادهم القومي، وعن قدرتهم على احتواء نتائج تلك العقوبات لأمد طويل. ويتحدث الغربيون، بثقة، عن المفعولية المؤلمة لهذه العقوبات وكلفتها الباهظة على روسيا، وقدرتها على إلجام اندفاعة عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وكفها عن أي أهداف أخرى أبعد من المجال الأوكراني.

لا يبدو أن روسيا عدلت في خططها العسكرية في أوكرانيا، تحت وطأة موجات العقوبات الغربية المتعاقبة عليها. وليس معنى ذلك أنها عقوبات غير ذات مفعول، أو أن الاقتصاد الروسي لم يتعرض بعد إلى حالة من الإرهاق تشله، وتقيد يد القيادة السياسية والعسكرية في بعض ما هي ماضية فيه، بل هي عقوبات في غاية الإيلام والتأثير السلبي على اقتصاد روسيا وعلى المعيش اليومي للروس. مع ذلك، يبدو أن مساحة الإرادة الروسية في إتمام الأهداف من العملية العسكرية مساحة كبيرة، وفي ذلك ما يدل على أن العقوبات لم تبلغ بعد – وعلى قسوتها – الدرجةَ التي تفرض على السياسة الروسية انكفاء استراتيجيا في مشروعها، لإعادة تحصين الأمن القومي الروسي.

ربما بالغت دول غربية حين وضعت للعقوبات هدفا قصيا هو تدمير الاقتصاد الروسي، ولعلها ستكتشف مع الوقت أن هذه العقوبات – التي لن تدمر الاقتصاد الروسي قطعا – لا تزيد روسيا إلا معاندة وتحديا لدول الغرب، وإمعانا منها في الرد عليها من خلال الساحة الأوكرانية. ومن يُدرينا إن كان سيدفعها سلاح العقوبات إلى المزيد من الشراكة الاقتصادية مع الصين والهند، إلى حدود قد تنتج قطبا اقتصاديا عالميا ستتعسر منافسته من قبل دول الغرب؟

تدرك روسيا، من جهتها، أن سياسات العقوبات شر لا بد منه، وأنها طريقة الغرب الوحيدة للتضامن مع أوكرانيا، لامتناع خيار المواجهة العسكرية الأطلسية مع روسيا. وإذا كانت حكومات الغرب توحي إلى أوكرانيا بوقوفها إلى جانبها في المواجهة، من طريق تسديد ضربات إلى القدرة الاقتصادية الروسية، وتعتاض بذلك عن مشاركتها في مواجهة روسيا عسكريا، فهي توجه إلى روسيا – في الوقت عينه – رسالة مفادها أن هذه العقوبات قصارى ما يمكن لحكومات الغرب أن تواجه به روسيا، وأنها ليست طرفا شريكا في الحرب الدائرة، وليس واردا عندها رد عسكري من «الناتو»، إلا متى تعرضت دوله لهجوم روسي.

ولكن روسيا، التي لا تفكر في تجاوز حدود أوكرانيا، والتي تعرف – على الحقيقة – أن توسيع نطاق عمليتها العسكرية خارج هذه الحدود مغامرة استراتيجية وخيمة العواقب على أمنها القومي، وقد تستجر حربا عالمية ثالثة…، تستطيع – في الوقت عينه – أن تعتبر سياسات العقوبات الغربية مشاركة فعلية في الحرب ضدها، وخروجا صريحا من حكومات الغرب عن سياسة الحياد أو عدم المشاركة. وهذا أمر يَسَع روسيا بالنظر إلى أن أوكرانيا ما زالت غير منضوية في أطر الغرب بعد؛ لا في «الناتو» ولا في «الاتحاد الأوروبي»، وبالنظر إلى أن هذه العقوبات حرب اقتصادية تعادل في نتائجها ما تخلفه أي حرب عسكرية من إضرار شديد بالبنية الاقتصادية والإنتاجية والمالية والتجارية. ولكن يبدو – حتى هذه اللحظة من المعركة- أن روسيا لا تقصد إلى التصعيد السياسي مع دول الغرب في هذا الشأن.

وآيُ ذلك، أيضا، أنها لم تصنف – حتى الآن – المساعدات العسكرية الأطلسية المتدفقة إلى أوكرانيا عبر الحدود، في خانة المشاركة الغربية في الحرب ضدها. وحين يكون في جملة العتاد المحمول إلى أوكرانيا أسلحة من طراز صواريخ «ستينغر»، المضادة للطائرات، وقذائف عالية الدقة مضادة للدروع وسوى ذلك، يكون أمن الجيش الروسي، بالتبعة، مكشوفا ومعرضا لأخطار شديدة، مثلما يكون ذلك – في نتائجه المادية – رديفا للمشاركة المباشرة في الحرب، ولو في صورة مشاركة مادية أو آلية لا بشرية يراد منها المزيد من الاستنزاف العسكري الروسي في أوكرانيا، نظير ما كان من استنزاف له في أفغانستان سنوات الثمانينيات.

يمكن أن يقال هذا، أيضا، عن المتطوعين الأوروبيين الذين يلوح بتجنيدهم وإدخالهم إلى أوكرانيا (مقابل تهديد روسي باستخدام متطوعين من «الشرق الأوسط»)؛ كما يمكن أن يقال ذلك عن الحصار الجوي الغربي في وجه الملاحة الروسية، والحصار البحري المضروب في الموانئ الغربية على السفن والبواخر الروسية؛ وأخيرا يمكن أن ندرج ضمنه الحرب الإعلامية التي قضت بمنع بث قنوات روسية، وحجب مواقع للتواصل الاجتماعي وحظر الأخبار عن روسيا فيها…إلخ. هذه إجراءات كان يمكن لروسيا أن تصنفها في خانة المشاركة في الحرب ضدها، غير أن إحجامها عن الذهاب إلى هذا الاتهام يدلنا على أن روسيا لا تبغي قطع خيوط الاتصال – كليا- بالغرب؛ وهذا ما يشهد عليه استمرار تواصلها السياسي مع فرنسا وألمانيا، واستمرار خط الاتصال والتنسيق بينها والولايات المتحدة الأمريكية، في شأن مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي مع إيران.

 

نافذة:

تدرك روسيا من جهتها أن سياسات العقوبات شر لا بد منه وأنها طريقة الغرب الوحيدة للتضامن مع أوكرانيا لامتناع خيار المواجهة العسكرية الأطلسية مع روسيا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى