شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

رمضان الذي كان..

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

 

في الفترة ما بين 1950 و1952، عاش المغاربة تجربة فريدة، تتمثل في إطلاق أول برنامج ديني لتعريف الأجانب بالإسلام خلال شهر رمضان، باللغة الإنجليزية!

«راديو ماروك»، أو الراديو الفرنسي الذي تخاطب به الإقامة العامة رعاياها الفرنسيين في المغرب، ومعهم بقية المغاربة، كان الإذاعة التي أذاعت هذا البرنامج.

أما مقدمته فقد كانت هي الصحافية الأمريكية «مارفين هاو»، وهي الآن تبلغ من العمر 96 سنة، وما زالت ذاكرتها متقدة ونشطة. والضيف الدائم كان اسمه محمد التمسماني. المغربي الذي كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة، تماما كما يتحدث الفرنسية.

محمد التمسماني، وربما لا تتوفر سيرته الآن، والله وحده يعلم ماذا فعلت به الحياة. لكنه وقتها كان يشتغل ملحقا إعلاميا في إدارة الإقامة العامة بالرباط، وكانت وظيفته التواصل مع الصحافيين الأجانب الذين كانوا يحلون في المغرب لإعداد مواد صحافية، والتأكد أن تكون تلك الأعمال توافق توجه الإقامة العامة وألا يُكتب شيء ضدها.

باختصار كان الرجل ينتمي إلى زمن «حذفته الرقابة»، لكن باللغة الفرنسية!

«راديو ماروك» كانت تخصص حصة يومية، لا تتجاوز ساعة واحدة، بالبث باللغة الإنجليزية، موجهة إلى المواطنين الأمريكيين المقيمين في القواعد الأمريكية بين القنيطرة وبوقنادل، بعد عملية الإنزال العسكرية سنة 1943.

حتى أن صحيفة «الدايلي جورنال»، نشرت تقريرا عن محمد التمسماني، كتبته الصحافية «مارفين هاو» من الرباط، واعتبرته «مايسترو» الإعلام الذي يصنع العناوين المغربية بالفرنسية.

عندما نشرنا في «الأخبار»، سنة 2021، حلقات مطولة مع هذه الصحافية الأمريكية التي سكنها المغرب منذ 1950 إلى اليوم، وكان الأمر فعلا سبقا صحافيا، اتضح أن هناك بياضا شاسعا في الذاكرة المغربية عندما يتعلق الأمر بفترة الإذاعة قبل الاستقلال، وترويها سيدة كانت في قلب «راديو ماروك»، وحاورت الباشا الكلاوي وأعدت تقارير إذاعية عن المغرب والمغاربة أيام «زمان».

الحلقات الرمضانية التي توطدت فيها صداقة «الحاج التمسماني»، كما كانت تقدمه «مارفين»، كان يعرفُ فيها الناطقين بالإنجليزية، بمن فيهم الجالية الأمريكية في المغرب على وجه الخصوص، بتعاليم الدين الإسلامي، وكانت تستضيفه فيها «مارفين هاو» لكي تعرفه بالمستمعين وتنقل إليه أسئلة حول الإسلام وعادات المغاربة.

المثير في قصة هذا الرجل، كما تقول مارفين، أنه خلال اشتغاله في الإعلام، أصبح ناطقا رسميا باسم الإقامة العامة الفرنسية، بل ومثلها في اجتماع بالأمم المتحدة، وترافع عن فرنسا ودافع عنها وأحقيتها في الوجود بالمغرب.

ما أن انتهت الحلقات الرمضانية، حتى اتصل محمد التمسماني الذي ترك صفة «الحاج» في مكان آخر ذلك اليوم، وخاطبها بلهجة متوعدة، بسبب تقرير أرسلته من الرباط إلى إذاعة «BBC» في لندن، رأى المقيم العام عندما سمعه بأذنيه في الراديو، أنه لا يوافق توجه فرنسا، واعتبره مُزعجا له.

لم يتكلف «الحاج» بنقل الرسالة، بصفته مشرفا على العلاقة مع الصحافة في الإقامة العامة، بل تجاوز هذا الأمر بصفته صوت المقيم العام بالإنجليزية. ونفذ المقولة المغربية الأثيرة التي تقول إن من لا يعرف شيئا من العِلم، يعرف بالتأكيد كيف «يزيد» فيه.

لكن التوتر بين «مارفين» والتمسماني بلغ أشده، عندما استدعاها مرة إلى مكتبه، رغم أنها قدمته في الإعلام الناطق بالإنجليزية إلى شريحة واسعة جدا من القراء في المغرب والولايات المتحدة أيضا وبريطانيا، ليخبرها بشكل مباشر أنه سوف يراسل إدارة راديو «BBC»، لكي يخبرها أن تتوقف عن اعتمادها من الرباط، بحجة أنها «صحافية غير كُفؤة».

لم يُفلح البرنامج الإذاعي الذي كان يُبث في عز الشهر الفضيل، باللغة الإنجليزية لتقديم الإسلام إلى الأمريكيين في تلطيف الأجواء بين صحافية «متحمسة»، ومغربي كان فرنسيا أكثر من المقيم العام، لكن «بخبار» رئيس الجمهورية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى