حسن البصري
في صيف سنة 1998، كتب لي أن أكون في رحلة الرعب إلى الكوت ديفوار، ضمن بعثة الرجاء الرياضي التي حلقت صوب أبيدجان لمواجهة أسيك ميموزا، برسم تصفيات كأس عصبة الأبطال الإفريقية.
قدرنا جميعا أن نعيش الرعب ذهابا وإيابا، ففي منتصف الليل كانت أجساد اللاعبين ممددة في مطار محمد الخامس، في انتظار السماح بولوج الممر المفضي إلى الطائرة. انتظرنا فتح الباب رقم 13، وحين طال الانتظار أشعرنا مستخدم بالمطار أن الطائرة تخضع لفحص طارئ.
يا إلهي لقد صدق حدسي حين لفني التشاؤم وأنا أقف أمام البوابة رقم 13، بكل حمولة النحس التي تلف هذا الرقم.
بعد ساعة من الانتظار، سيبشرنا مكبر الصوت بانفراج أزمة الصيانة، وسنركب الطائرة التي وقفت حسناء في مدخلها وهي توزع علينا ابتسامة مستعارة.
لكن الطائرة لم تقلع صوب أبيدجان، وتبين أن صراخا ينبعث من غرفة القيادة. حينها تراقصت فوق رؤوس الركاب علامات الاستفهام والتعجب، فوقف عبد اللطيف العسكي، رئيس البعثة وطمأن اللاعبين والطاقم التقني بالتدخل لاستقصاء الأمر.
اشرأبت أعناقنا لمعرفة ما يحصل بالقرب من غرفة القيادة، فيما حاولت مضيفات الرحلة طمأنة الركاب والحد من توتر ما قبل الإقلاع.
عاد رئيس البعثة إلى مقعده وهمس في أذني قائلا: «شي ترانسفير»، لم أفهم قصده ولم يقدم تفاصيل لكل من استفسره.
في حدود الثانية والنصف صباحا، ستقلع الطائرة صوب ساحل العاج، وحين داعبنا النوم استيقظنا فجأة على صوت شاب إيفواري مرحل على متن الطائرة، كان يصرخ دون أن يفهم أحد سر صراخه. لحظتها قفزت إلى مخيلتي على الفور صورة شاب مغربي سلمته السلطات الألمانية للمغرب وعاد مع الوداد في رحلة من فرانكفورت إلى الدار البيضاء. لكن مع فرق جوهري، كون الشاب المغربي رضي بقسمة الترحيل، وظل على امتداد الرحلة يلتقط صورا مع لاعبي الوداد ويبحث عن «أوتوغرافات» فوق السحاب، فيما كان إيريك الإيفواري رافضا العودة إلى بلاده قصرا.
كلما هجر النوم جفون العسكي، قال: «دعيناك لله يا إيريك»، في حين كان اللاعبون يمزحون مع الفتى المتمرد، ويقولون له: «ستعود معنا في نفس الرحلة وستخضع لاختبار تقني مع الفريق». فيما هدد ربان الطائرة بالنزول اضطراريا في دكار حفاظا على سلامة الركاب.
ما أن وصلنا إلى مطار هوفيت بوانييه، حتى صعد إلى الطائرة ثلاثة عساكر مدججين بالسلاح، فساد الرعب وسط الركاب، قبل أن يتبين أنهم يستهدفون الفتى المرحل. لم يكن أحد في انتظارنا، وحده موظف في السفارة عثر عليه ممددا في كرسي بالمطار بعد أن هزمه النوم.
كانت ليلة رعب حقيقية، اضطر معها المدرب إلى تأجيل حصة إزالة الإجهاد البدني، وتنظيمها في فندق لا يقل رعبا عن رحلة «كازابلانكا».
تعادل الرجاء أمام أسيك أبيدجان بهدف في كل شبكة، وقع للرجاء اللاعب خوباش فابتلع الجميع مرارة رحلة مرعبة، واحتفلت البعثة بتعادل بطعم الانتصار.
في رحلة العودة إلى الدار البيضاء، سيطاردنا نحس رقم 13، وحين ركبنا الطائرة قبل فجر يوم الاثنين، ووضعنا أحزمتنا وسلمنا جفوننا للنوم وحلقنا في سماء أبيدجان النائمة، سينطفئ ضوء الطائرة دون سابق إشعار، وسيخبرنا الطاقم بقرار العودة إلى المطار.
ساد الرعب من جديد، وتبادل اللاعبون بنبرة ساخرة حكاية النحس الجوي، وبحثوا عن اللاعب الذي يرافق البعثة لأول مرة، فيما انكب العسكي على قراءة قانون «الكاف» في مثل هذه الحالات، معتمدا على ضوء هاتفه النقال.
هبطت الطائرة بالاعتماد على أضواء كاشفة، وحين توقفت في المدرج صادفنا «إيريك» الذي كان يستعد لترحيل داخلي.