شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفن

رحلات شهيرة… الغسّال رحلة تتويج ملك إنجلترا

   إعداد: سعيد الباز

كان الحسن بن محمد الغسّال ضمن الوفد المغربي الذي ترأسه السفير القائد عبد الرحمن بن عبد الصادق، لحضور حفل تتويج الملك إدوارد السابع بقصر «ويستمنسر»، ممثلا للسلطان المولى عبد العزيز، خلفا لوالدته الملكة فيكتوريا سنة 1901. وباعتبار الغسال كاتبا للوفد المغربي ومن أكثر الساسة المغاربة آنئذ خبرة بالحياة السياسية في أوروبا، فقد دون تقريرا مفصلا عن هذه الرحلة، الذي أضحى كتابا تحت عنوان «الرحلة التتويجية إلى عاصمة البلاد الإنجليزية».

كاتب الوفد المغربي الحسن بن محمد الغسال لم يكن، خلال كتابته لأطوار هذه الرحلة، يخفي إعجابه بمظاهر التقدم في إنجلترا وعاصمتها لندن ومؤسساتها السياسية ومظاهرها العمرانية، ملمحا ضمنيا إلى أسباب تخلف بلاده، كما استغل هذه المهمة في القيام بزيارات إلى معالم العاصمة لندن ومرافقها، ما خلقت لديه حالة من الانبهار والدهشة برزت من خلال ملاحظاته وآرائه التي اتسمت بالدقة والموضوعية، حيث استرسل في وصف كل مظاهر التقدم العلمي والتفوق الحضاري، مظهرا الإعجاب الكبير والتقدير لأهميتها.

 

الغسال.. نظرة إعجاب وتقدير

في رحلته يتحدث عن مجلس العموم البريطاني: «وفي الساعة الرابعة عشية يوم الجمعة ذهبنا إلى الديوان الاجتماعي الرسمي المسمى بدار مجمع الأمة (مجلس العموم) على مصالح الرعية، يعني يحضر بها نائب عن كل إيالة أو عمالة وكيلا عنها في جميع مصالحها ودفع مضارها، وهي دار كبيرة جدا متقنة البناء، محكمة الصنعة… وهذا المجلس مؤلف من فرقتين، فرقة من جانب المخزن يحضره كبراء الدولة والوزير المناسب وصفته، لتلك المسألة التي تقع المفاوضة فيها، فإن كانت من أشغال الداخلية فيحضر وزيرها وإن كانت من قبيل أشغال الخارجية فيحضر وزيرها أيضا، وهكذا العمل في كل قضية، والفرقة الأخرى مقابلة لهم سميت بحزب الأحرار، وكيفية المفاوضة عندهم في سائر القضايا أن يقوم خطيب من إحدى الفرقتين يخطب على رؤوسهم بورقة بيده متضمنة لما دار في المسألة، ثم يقوم خطيب من الفرقة الأخرى مقابلا لها أو مسلّما، بحسب ما يقتضيه المقام. وفي صدر هذا المجلس محل مرتفع على هيئة منبر يجلس رئيس المجلس، وعلى رأسه قلنسوة بيضاء يتميز بها عن غيره، وأمامه كتاب يرسمون به ما يتلقونه من أفواه الخطباء في سرعة باهرة، ثم يقوم هذا الرئيس ويخطب خطبة متضمنة لما ترجح عنده من الخلاف بين الفرقتين ويقيم على كل فصل من الفصول راجحة وبراهين قاطعة تشهد على ترجيحه، حتى تكون المسألة واضحة كالشمس في الظهيرة».

تناول أيضا مشاهداته للعاصمة لندن: «… وأعظم مكان في لندن هو مركز الأشغال الكبرى، وهو طريق عظيم به ديار ومخازن وحوانيت السلع، ومن جملة ما بهذا المركز دار بنكة المخزن (البنك المركزي) ودار حاكم البلد ودار البليسية (الشرطة) وقريبة منها دار السكة، وبطريق هذا المحل من الازدحام وأصوات العجلات ما يحير العقل ويتعب النظر. وفي بعض الجهات نهر (التيمس) موضوع عمود حجر المسمى المسلّة، وهو قطعة واحدة من أعاجيب الدنيا لم أتحقق قدر طوله، وقد صُرفت على جلبه من الإسكندرية أموال باهظة وعلى طرف هذا البلد مصابيح من الأضواء الكازية (الغازية)، والكهربائية ما لا يحصى كثرة وكأن الليل بها نهار، وعلى كل مركز من الطرقات ورديات من البوليس، وهو صنف من المخازنية يتميزون عن العسكر بكسوة خاصة لا يحملون من السلاح إلا الكوابيس (المسدسات) مستورة تحت لباسهم للاحتياط، وهو قسمان، قسم ظاهر لابس لباسا رسميا يعرفه كل واحد، وقسم خفي عن العيون».

 

إجراءات بروتوكولية

تضمنت رحلة الغسال أطوار لقاء الوفد المغربي لولي عهد إنجلترا، وما تخلله من إجراءات بروتوكولية صارمة وضح الغسال تفاصيلها:

«… وفي الساعة الثالثة من يوم الخميس توجهنا إلى دار نجل السلطان وولي عهده البرنس دي غال، فالتقينا به وبقرينته، فرحبا ولاطفا في القول أحسن ملاطفة، وسأل عن الحضرة الشريفة، فأجابه السفير عن ذلك بأحسن عبارة، ثم خطب السفير الخطبة المهيأة للاجتماع به فترجمت له وهو ينصت إليها بسكينة ووقار، وبعد الفراغ منها ناوله السفير الكتاب الشريف بيديه مظروفا في غلافه «الموبرى» مطروزا بالصقلي، ملفوفا في «سبنية» من حرير، فتلقاه منه ولي العهد بيده بغاية التعظيم والاحترام، ثم أجاب عن الخطبة بما اقتضاه المقام. ومن الأدب المتعين عند سرد الخطب أنه مهما تلفظ القارئ باسم الملك المرسل أو المرسل إليه أو دفع أو قبض كتاب أحدهما، إلا ويميل كل أحد رأسه إمالة ما، تعظيما لاسم الملك أو كتابه. ومن الأدب أيضا المؤكد أن الحاضر مع الملك لا يبدأ بمد يده للمصافحة، حتى يكون الملك هو المبتدئ… ولزوم الوقوف في محله متأدبا من غير التفات، حتى يؤذن له بالانصراف، أو ينصرف الملك».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى