شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفن

رحلات شهيرة..    الشريف الإدريسي الرحالة والجغرافي

     إعداد: سعيد الباز

 الشريف الإدريسي عالم ورحالة مغربي وأحد كبار الجغرافيين عبر العالم وأكثرهم شهرة، ولد في مدينة سبتة 493 هـ /1100م وتوفي بها عام 560 هـ/ 1166م. قام بالعديد من الرحلات شرقا وغربا، زار فرنسا والبرتغال وانجلترا وإيطاليا والكثير من البلدان الأخرى في الشرق العربي وأنحاء آسيا الوسطى. كان كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” دليلا وصفيا لهذه الخريطة التي ستصبح مرجعا أساسيا للخرائط الأوروبية والعلمية خلال عصر النهضة.

 

     أول خريطة كروية مجسمة للأرض

اشتهر الإدريسي بوضعه لأول خريطة كروية مجسمة للأرض، انطلق في صنعها من مفهوم جغرافي متقدم تجاوز فيه المسلمات السابقة لعلم الخرائط منذ بطليموس، ما شكل قطيعة معرفية هامة في تاريخ المعرفة الإنسانية ففي كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” قدم لنا مفهومه الجديد بقوله: “… فنقول إن الذي تحصل من كلام الفلاسفة وجلة العلماء وأهل النظر في علم الهيئة أن الأرض مدورة كتدوير الكرة والماء لاصق بها وراكد عليها ركودا طبيعيا لا يفارقها والأرض والماء مستقران في جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة ووضعهما وضع متوسط والنسيم محيط بهما من جميع جهاتهما وهو لهما جاذب إلى جهة الفلك أو دافع لهما والله أعلم بحقيقة ذلك. والأرض مستقرة في جوف الفلك وذلك لشدة سرعة حركة الفلك وجميع المخلوقات على ظهرها والنسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفة والأرض جاذبة لما في أبدانهم من الثقل بمنزلة حجر المغناطيس الذي يجذب الحديد إليه”.

عمل الشريف الإدريسي قرابة عقدين من الزمن لإنجاز عمله التاريخي الهام منقوشا على كرة من الفضة خريطة البلدان والمحيطات والأنهار والجبال بحدودها ومسافاتها… في أقرب صورة ممكنة مصحوبة بكتابه السالف الذكر الذي يشرح فيه كل تفاصيل خريطته المبتكرة. لقد كان كتاب “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” والخريطة الكروية المجسمة للأرض أعظم وثيقة علمية جغرافية في ألهمت كبار الجغرافيين الأوروبيين في عصر النهضة.

   

  بين الرحلة والجغرافيا     

لا يمكن فصل الجغرافي عن الرحالة في شخصية الإدريسي العلمية، لقد استطاع بفضل رحلاته المتميزة أن يستفيد منها في تطويره لمنظوره الجغرافي الجديد. فأسفاره المتعددة وعقليته العلمية الموضوعية جعلته يتجاوز الكثير من أخطاء الجغرافيين السابقين من العرب واليونانيين القدامى. فكتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” يبرز لنا منهجيته في التفكير، عززته مشاهداته الشخصية ومعاينته المباشرة التي تنطلق من أسفاره ورحلاته أو باحتكاكه بالتجار والعلماء باعتبار رواياتهم المنقولة بعد تفحصها ومقارنتها شهادات تساعد في تحديد الأماكن والبلدان. فهو يصف مثلا مدينة جنوة الإيطالية: “… ومدينة جنوة قديمة أزلية البناء حسنة الجهات والأفناء، بنيانها شاهق السمو، وهي وافرة الثمر كثيرة المزارع والقرى والعمارات وهي على قرب نهر صغير وأهلها تجار مياسير يسافرون برا وبحرا ويقتحمون سهلا ووعرا ولهم أسطول مخيف ولهم معرفة بالحيل الحربية والآلات السلطانية ولهم بين الروم عزة أنفس”. أو يصف مدينة روما الإيطالية: “ومدينة رومة ركن من أركان النصارى وذلك أنها كرسي من كراسيهم، وبأنطاكية كرسي وبالإسكندرية أيضا كرسي وببيت المقدس كرسي لكنه محدث، لم يكن في أيام الحواريين فاتخذ بعدهم لتعظيم بيت المقدس. ومدينة رومة مدينة عظيمة الدور يذكر أن محيطها تسعة أميال ولها سوران من حجر وعرض السور الداخل اثنا عشر ذراعا وسمكه اثنان وأربعون ذراعا وفيما بين السورين نهر مغطى ببلاطات نحاس طول البلاطة منها ستة وأربعون ذراعا. وسوقها معترض ما بين الباب الشرقي إلى الباب الغربي وهناك أسطوانات حجر في نهاية من الغلظ طول كل عمود منها ثلاثون ذراعا ومما يلي جانبي العمود الأوسط منها عمودان من نحاس أصفر رومي وقصبة العمود وقاعدته ورأسه مفرغ منه وعليها حوانيت تجار. وفي مقدم هذه الأسطوانات والحوانيت نهر يشقها من المشرق إلى المغرب… وبهذا النهر تؤرخ الروم فيقولون من تأريخ عام الصفر والمراكب تدخل مدينة رومة على هذا النهر بأوساقها فتأتي المراكب بما فيها حتى تقف على حوانيت التجار.

وفي داخل المدينة كنيسة عظيمة بنيت على اسم بطرس وبولس الحواريين وهما فيها في قبرين، وطول هذه الكنيسة ثلاث مائة ذراع وعرضها مائتا ذراع وارتفاع سمكها مائة ذراع وأركانها من نحاس مفرغ وسمكها كذلك مغطى بالنحاس الأصفر وبرومة ألف ومائتا كنيسة وأسواقها وشوارعها مفروشة بالرخام الأبيض والأزرق… وفي مدينة رومة قصر المُلْك المسمى البابة (أي البابا) وليس فوق البابة فوق في القدر، والملوك دونه ويقيمونه مقام البارئ جل وعز يحكم بالحق ويتحرى المظالم ويرفق بالضعفاء والمساكين وينفي الضيم عن المهتضمين وحكمه نافذ ماضٍ على جميع ملوك الروم ولا يقدر أحد منهم أن يرد عليه”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى