شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفن

 رحلات شهيرة :الحسن الوزان الرحالة والجغرافي الأسير

يعد الحسن بن محمد الوزان، الشهير باسم ليون الإفريقي، شخصية مغربية إسلامية فذة، اجتمعت لها من الخصال العلمية والإنسانية ما جعل الأوروبيين والغربيين بصفة عامة يقدرونها حق قدرها ويستفيدون من تأليفها الجغرافي في عصر النهضة، بل يعتمدونه كمصدر أساسي عن إفريقيا طوال العصر الحديث. أما العرب المسلمون فلم يعرفوا عالمهم الحسن بن محمد الوزان ولم يعرّفوا به، وأغفلوا كتابه القيم «وصف إفريقيا» في زوايا النسيان.

مقالات ذات صلة

ولد الحسن الوزان في مدينة غرناطة الأندلسية، قبيل سقوطها بسنوات قليلة، لجأ صحبة أسرته إلى مدينة فاس، حيث انطلق مساره العلمي والدبلوماسي.

 

من الأسر إلى التعميد

ظهرت ملامح النبوغ على الفتى الوزان بشكل مبكر، جعلت السلطان محمد الوطاسي الملقب بالبرتغالي يضمه إلى رجال بلاطه، ويكلفه بمهام سياسية ودبلوماسية في مناطق متعددة في المغرب شمالا وجنوبا، وإلى الثغور المحتلة من قبل الإسبان والبرتغال.

استفاد الوزان كثيرا في تكوين خبرته الجغرافية والدبلوماسية من مصاحبته لوالده، وهو ما زال صغيرا، في رحلاته بين مناطق المغرب، بحكم أن والده كان مكلفا من قبل السلطان الوطاسي بجمع الضرائب في تلك الأنحاء، ما انعكس على حسه الجغرافي ومعرفته الدقيقة للأماكن والبلدان.

قام الوزان بعدة رحلات أخرى ومهام دبلوماسية سفيرا من قبل السلطان الوطاسي إلى السلطان العثماني سليم الأول، وحضر حرب العثمانيين والمماليك التي انتهت باستيلاء العثمانيين على مصر وبلاد الشام. وأثناء عودته إلى بلاده وقع أسيرا بين يدي قراصنة إيطاليين، بالقرب من جزيرة جربة التونسية.

أدرك القراصنة أنهم أمام صيد ثمين لما يظهر على الوزان من ملامح الوجاهة، فاهتدوا إلى فكرة إهداء الأسير المهم إلى البابا وحبر الكنيسة الأعظم ليون العاشر، الذي كان من باباوات عصر النهضة شديد الاهتمام بالعلوم والفنون.

قرّب البابا الوزان منه وأعجب بسعة علمه وإتقانه العديد من اللغات من قشتالية وعبرية، فضلا عن لغته الأم، فأمره بتعليم اللغة العربية لوجهاء مدينة روما وأساقفة الفاتيكان. وألف له الوزان كتاب «وصف إفريقيا» بالإيطالية، ما لاقى تقديرا كبيرا واهتماما منقطع النظير. لكن إلحاح البابا على الوزان بالتنصر أثمر في النهاية عن الإذعان والقبول وتعميده تحت اسم يوحنا ليون الإفريقي. وليس من المستبعد أن تكون رحلاته الكبرى المتعددة هي الأساس الذي انبنى عليه كتابه «وصف إفريقيا».

 

      رحلة إلى إفريقيا جنوب الصحراء              

لعل أهم رحلات الوزان على الإطلاق كانت إلى بلاد السودان أو إفريقيا جنوب الصحراء سنة 1511م، رفقة عمه الذي كلفه السلطان محمد الوطاسي الملقب بالبرتغالي بسفارة إلى الملك سنغاي محمد أسكيا الكبير، جاب فيها عدة ممالك إفريقية، مملكة مالي والنيجر وغينيا وتتبع مجرى نهر النيجر، واصفا بدقة متناهية الطبيعة الجغرافية لهذه المناطق الإفريقية، وصحح عدة مغالطات ومزاعم الجغرافيين السابقين، كما يقول عن حقيقة نهر النيجر وعلاقته بنهر النيل: «يشق أرض السودان نهر النيجر الذي يخرج من فلاة تدعى (ساوو)، نابعا من بحيرة عظيمة. وهو حسب الجغرافيين فرع من فروع النيل، يغيب تحت الأرض، ثم يخرج منها ليكوّن هذه البحيرة. ويرى البعض أنه ينبع في جبال تقع إلى جهة الغرب، ثم يسيل نحو الشرق ليتحول إلى بحيرة، وهذا غير صحيح: فإننا سرنا في النهر شرقا من تمبكتو واتبعنا مجرى المياه إلى مملكة غني (غينيا) ومملكة مالي، وكلتاهما واقعتان غربي تمبكتو. وأجمل أرض السودان ما امتد منها على طول مجرى النيجر.

ويزعم الجغرافيون أن قسما من أرض السودان، الذي يشق النيل جزأه الغربي، يمتد شرقا إلى بحر الهند، ويصل شمالا في بعض النقاط إلى البحر الأحمر، في القسم الذي يقع من هذا البحر وراء المضيق (باب المندب) الفاصل بين هذه الأرض وبلاد اليمن. ولم يعتبر هذا القسم من إفريقيا لأسباب عديدة تكفلت الكتب المطولة بشرحها، ويسميه اللاتينيون إثيوبيا…».

كما يكتب عن مدينة تمبكتو واصفا غناها وثراءها ووفرة الذهب فيها ومكانة ملكها: «كنتُ في هذه المدينة عندما كان الملح يساوي هناك ثمانين مثقالا. ويملك الملك خزينة كبيرة من النقود والسبائك الذهبية، تزن الواحدة منها ألفا وثلاثمائة رطل. والبلاد على قدر من النظام والأبهة… كلما أراد شخص أن يخاطب الملك جثا بين يديه وأخذ التراب وحثاه على رأسه وكتفيه، وهذه طريقة الإجلال عندهم، لكنها لا تُفرض إلا على من لم يسبق لهم أن خاطبوا الملك قط، أو على السفراء… وللمملكة قرابة ثلاثة آلاف فارس، وعدد لا يحصى من الراجلين الحاملين لقسي من خشب، تمرق منها سهام مسمومة. وإنما يحارب هذا الملك الأعداء من جيرانه، ومن يمتنعون عن أداء الخراج إليه. وإذا انتصر باع في تمبكتو كل من أسره في القتال حتى الأطفال… وفي تمبكتو عدد كثير من القضاة والفقهاء والأئمة، يدفع الملك إليهم جميعا مرتبا حسنا، ويعظّم الأدباء كثيرا. وتباع أيضا مخطوطات كثيرة تأتي من بلاد البربر، وتدر أرباحا تفوق أرباح سائر البضائع».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى