شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفن

رحلات شهيرة …ابن بطوطة أمير رحالة العالم

لا يمكن ذكر الرحلة دون الإشارة إلى عميد رحالة العالم محمد بن عبد الله الطنجي المشهور بابن بطوطة (703- 779هـ /1304- 1374م) من أشهر الرحالة جاب معظم أنحاء المعمور وأكثر مناطقه المعروفة في عصره. قال عنه المستشرق الروسي إغناطيوس كراتشوفسكي: «كان آخر جغرافي عالمي من الناحية العملية، أي إنّه لم يكن نقَّالة اعتمدَ على كُتب الغير، بل كان رحّالة انتظم محيط أسفاره عددا كبيرا من الأقطار، وقد جاوز تجواله مقدار مئة وخمسة وسبعين ألف ميل».

بدأت فكرة الرحلة لدى ابن بطوطة، وهو في سن مبكرة، بالرغبة في القيام بفريضة الحج سرعان ما تحولت إلى الشغف بالترحال والأسفار وحبّ المغامرة، يقول ابن بطوطة: «كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة، معتمدا حجّ بيت الله الحرام، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل السلام… فحزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور. وكان والدي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصبا، ولقيت كما لقيا من الفراق نصبا وسنّي يومئذ اثنتان وعشرون سنة». هذه الرحلة هي عبارة عن رحلات تنقسم إلى الرحلة الكبرى التي جاب فيها معظم البلدان المعروفة في شمال إفريقيا وشرقها وآسيا… التي دامت 29 سنة ونصف سنة تقريبا، وبعدها رحلتان الأولى إلى الأندلس والتالية إلى إفريقيا جنوب الصحراء.

إنّ عودته من رحلته الكبرى وما كان يرويه عن مغامرته دفعت السلطان أبي عنان المريني إلى أن يأمره بتدوين رحلته بمساعدة الفقيه والعالم ابن جزي. يذكر ابن خلدون هذا الأمر في كتاب العبر: «ورد على المغرب لعهد السلطان أبي عنان، من ملوك بني مرين رجل من مشيخة طنجة، يعرف بابن بطوطة، وكان قد رحل عنها منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق، وتقلب في بلاد العراق، واليمن، والهند، ودخل مدينة دهلي حاضرة ملك الهند، واتصل بملكها لذلك العهد، وهو السلطان محمد شاه، وكان له منه مكان، واستعمله في خطة القضاء بمذهب المالكية في عمله، ثم انقلب إلى المغرب، واتّصل بالسلطان أبي عنان. وكان يحدث عن شأن رحلته، وما رأى من العجائب بممالك الأرض، وأكثر ما كان يحدث عن دولة صاحب الهند، ويأتي من أحواله بما يستغربه السامعون».

 

مشاهد من رحلة ابن بطوطة

تميّز ابن بطوطة بشخصية فريدة ساعدته في القيام برحلاته على وجه أمثل، فهو محب للاستطلاع سريع التكيّف مع البلدان والأقاليم التي يزورها. حافظ دائما على مكانته وتقديم صورة إيجابية عن نفسه جعلته يبني علاقات إنسانية أكسبته الحظوة والتقدير ففي البلدان الإسلامية كان يقدم نفسه قاضيا وفي غير البلدان الإسلامية غالبا ما يكون ذلك في إطار مهام دبلوماسية أو تجارية. لكنّه كان دقيق الملاحظة فيصف ما سماه بأرض الظلمة ما وراء بلغاريا الحالية: «وكنت أردت الدخول إلى أرض الظلمة، الدخول إليها من بلغار، وبينهما أربعون يوما. ثم أضربت عن ذلك لعظم المؤونة فيه وقلة الجدوى. والسفر إليها لا يكون إلّا في عجلات صغار تجرّها كلاب كبار. فإنّ تلك المفازة فيها الجليد، فلا يثبت قدم الآدمي ولا حافر الدابة فيها. والكلاب لها الأظفار، فتثبت أقدامها في الجليد. ولا يدخلها إلّا الأقوياء من التجار الذين يكون لأحدهم مائة عجلة أو نحوها، موقرة بطعامه وشرابه وحطبه. فإنّها لا شجر فيها ولا حجر ولا مدر. والدليل بتلك الأرض هو الكلب الذي قد سار فيها مرارا كثيرة، وتنتهي قيمته إلى ألف دينار ونحوها، وتربط العربة إلى عنقه، ويقرن معه ثلاثة من الكلاب. ويكون هو المقدم، تتبعه سائر الكلاب بالعربات. فإذا وقف وقفت. وهذا الكلب لا يضربه صاحبه ولا ينهره، وإذا حضر الطعام أطعم الكلاب أوّلا قبل بني آدم، وإلّا غضب الكلب وفرّ وترك صاحبه للتلف».

في الصين تركزت ملاحظاته على ما تتميز به كالعملة الورقية واستعمال مهارة التصوير لأسباب وضوابط أمنية واحترازية: «وأهل الصين لا يتبايعون بدينار ولا درهم. وجميع ما يتحصل ببلادهم من ذلك يسبكونه قطعا، كما ذكرنا، وإنما بيعهم وشراؤهم بقطع كاغد، كل قطعة منها بقدر الكف، مطبوعة بطابع السلطان، وتسمى الخمس والعشرين قطعة منها (بَالِشْت) وهو بمعنى الدينار عندنا. وإذا تمزقت تلك الكواغد في يد إنسان حملها إلى دار كدار السكة عندنا، فأخذ عوضها جددا ودفع تلك. ولا يعطي على ذلك أجرة ولا سواها، لأنّ الذين يتولون عملها لهم الأرزاق الجارية من قبل السلطان، وقد وكّل بتلك الدار أميرا من كبار الأمراء. وإذا مضى إنسان إلى السوق بدرهم فضة أو دينار يريد شراء شيء، لم يؤخذ منه، ولا يلتفت إليه، حتى يصرفه بالبالشت، ويشتري به ما أراد… أما التصوير فلا يجاريهم أحد في أحكامه، من الروم ولا من سواهم. فإنّ لهم فيه اقتدارا عظيما. ومن عجيب ما شهدت لهم من ذلك، أنّي ما دخلت قط مدينة من مدنهم، ثم عدت إليها، وإلّا رأيت صورتي وصورة أصحابي منقوشة في الحيطان والكواغد، موضوعة في الأسواق. ولقد دخلت إلى مدينة السلطان فمررت على سوق النقاشين، ووصلت إلى قصره مع أصحابي، ونحن على زي العراقيين. فلما عدت من القصر عشيا، مررت بالسوق المذكورة، فرأيت صورتي وصور أصحابي منقوشة في كاغد قد ألصقوه بالحائط».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى