رجة في وجه الفساد
في انتظار أن يقول القضاء كلمته النهائية، في ملف محمد مبديع، رئيس لجنة العدل والتشريع السابق والوزير الأسبق في الوظيفة العمومية، فإن ما جرى لهذا السياسي ينبغي أن يكون درسا عميقا للمئات من البرلمانيين ورؤساء الجماعات الترابية، الذين تجاوزوا كل الخطوط الحمراء في تدبير المال العام وممتلكات الدولة، حتى بدؤوا يعتقدون أنهم فوق القانون وأنهم محصنون تجاه أي نوع من أنواع المساءلة والمحاسبة.
صحيح أنه في لحظة ما، بسبب تغول وتوغل الفساد والريع والاحتكار وتضارب المصالح والإثراء غير المشروع، بدأ الجميع يفقد الأمل في مواجهة الفساد السياسي، ليتحول مع الوقت إلى روتين مسلم به، وقدر محتوم ينبغي التعايش معه، مما تسبب في خيبة أمل كبيرة في أوساط المغاربة؛ لاستمرار جملة من المؤشرات الدالة على أن الممارسات المشبوهة مازالت مستمرة، بل وفي توسع مع بقاء رموز عليها أكثر من علامة استفهام في مواقعها، بل إن بعض هؤلاء زاد حضورهم في واجهة العمل البرلماني والحكومي.
والحقيقة أن الواقع الذي نعيشه يحتاج إلى رجة كبرى ضد الممارسات اللامشروعة من احتكار ورشوة وتضارب المصالح وريع، فلا يجوز أن تبقى إدارات ومؤسسات الدولة في الوضع الذي تعيشه، وهناك أحاديث كثيرة وروائح كريهة عن صفقات مشبوهة وهدر واهتراء وتقصير في تدبير أموال وأملاك الدولة، لا بد من إظهار «العين الحمرا» بشأنها وليس «عين ميكة» ضد حفنة من المسؤولين يتقنون سبل الاغتناء الفاحش على حساب نبل السياسة وأمانة المسؤولية الملقاة على عاتقهم، بل هناك من بدأ يورث الإثراء غير المشروع والممارسات المشبوهة لأبنائهم وزوجاتهم.
وواهم من يعتقد أن قضية محاربة الفساد والريع وتضارب المصالح والإثراء غير المشروع هي قضية سلطة قضائية أو مؤسسة ردعية فقط، ومجلس أعلى للحسابات وهيئة وطنية لمحاربة الرشوة وغيرها من مؤسسات الدولة، وإنما ينبغي أن تكون قضية مجتمع برمته من أحزاب وإعلام ومساجد ومدارس وأسر، على أن مسؤولية الوسائط المنتجة للنخب السياسية المدنية تبقى أكثر من غيرها.