رب ضارة نافعة
لا يمكن قراءة سر الصمود الذي أبداه الاقتصاد المغربي والمالية العمومية، طيلة السنتين الأخيرتين، وإلى حدود كتابة هاته السطور، في وجه الصدمات المالية المتتالية والطلب الاجتماعي المتزايد، دون الاستعانة بالمقولة العربية «رب ضارة نافعة». فبعدما ارتفعت أسعار المواد الأولية لكل شيء في العالم، واعتقد البعض أن سوء الحال سيحل بالبلد بسبب شح الموارد، وعدم قدرة الميزانية المتواضعة بطبيعتها على المقاومة، تطفو على السطح مؤشرات إيجابية تلعب دور المنقذ من السكتة القلبية.
فمن رحم الأزمة المالية التي تمر منها بلادنا، تضاعفت صادرات الفوسفاط ومشتقاته لتبلغ 36,14 مليار درهم، برسم الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2022، مقابل 18,19 مليار درهم حتى متم أبريل 2021، وقفزت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي بلغت أزيد من 6,14 مليارات درهم في نهاية أبريل 2022، وفي عز الحاجة ارتفعت تحويلات أبناء المهجر من العملة الصعبة بنسبة تفوق 45 في المائة، مقارنة بسنة 2020.
وتذهب التوقعات الرسمية إلى أن صادرات المغرب من قطاع السيارات ستتجاوز 105 مليارات درهم خلال السنة الجارية، في الوقت الذي لم تتجاوز فيه 84 مليار درهم خلال السنة الماضية.
لا جدال في أن هاته المداخيل الإضافية خففت من ثقل أعباء المصاريف الرهيبة التي تواجهها الميزانية العمومية، بسبب صدمات الأسعار المتتالية، ولولا ما حققه المغرب من موارد عمومية إضافية استخدمت لسد نزيف صندوق المقاصة، والتخفيف من حدة الطلب الاجتماعي، لكنا أمام وضع اجتماعي مثير للقلق والقلاقل.
لكن مع ذلك يظل انتظار النفع الذي يأتي من الضر، في غياب أي تصور عمومي استباقي، مغامرة غير محمودة العواقب، وسيكون صاحبها قاصرا عن إدراك إكراهات المرحلة المقبلة، وعاجزا عن تقدير حجم الجهد والإرادة السياسية التي توازي حجم التحديات التي يجب مجابهتها، والعقبات الواجب عبورها بالسرعة المناسبة.
صحيح أن الاقتصاد المغربي متنوع ويخلق لنفسه هوامش دائمة للنجاة من السكتة القلبية، لكن ليس كل مرة تسلم الجرة، والدرس الذي ينبغي أن نستوعبه جميعا مما يحدث، هو استحضار مضمون ما قال الملك محمد السادس في خطاب افتتاح البرلمان لهذه السنة التشريعية، والذي مفاده أن لا شيء يعلو عن تحقيق السيادة والاستقلالية في المخزون الغذائي والصحي والطاقي، أما الباقي فمجرد تفاصيل.