شوف تشوف

الرأي

ذنوب الحب

بحثت في قائمة هاتفي عن صديقة أو صديق أدعوه لفنجان قهوة، أتبادل معه أطراف الحديث أو سكون الصمت؛ لم يستوقفني ويقنعني أي رقم بالاتصال، كل الأرقام المتوفرة أصحابها ليسوا أصدقاء بل زملاء وزميلات عمل لا تربطني بهم أية صداقة. باستثناء بشرى التي تدعي صداقتي، ولا تجيب على مكالماتي؛ كنت أود رؤيتها لفك عزلتي.. لا بأس.. لم أنزعج يوما من تصرفها، بالعكس، مزاجها المتقلب يناسب مزاجي، أنا أيضا أتجاهل المكالمات الهاتفية حتى اقتنع المتصل والمتصلة أنني غالبا لا أرد على الهاتف.
بشرى لا أراها إلا نادرا، مرة كل شهرين أو أكثر، رغم أننا نسكن المدينة نفسها. وعند لقائنا، لا نكف عن الكلام والنميمة والضحك والتذمر من حظنا العاثر ومن الرجال طبعا. تضحك عندما أقول لها إنني لا أومن بالصداقة وإنها ليست صديقتي وإن كانت إنسانة عزيزة على قلبي. تعجبها صراحتي، نرتاح لبعضنا، نتكلم بدون أقنعة، ودون خجل نخوض في بعض المواضيع الحميمية، تبوح لي ببعض أسرارها التي غالبا ما تكون حول حبيب قلبها. تعز علي المسكينة، عندما أراها تضع صورها على حائطها بالفيسبوك، صورة تبدو فيها جميلة وأنيقة بفستانها التقليدي، لكن رغم الجو الاحتفالي في حفل زفاف قريبتها، بدت عيناها مثقلتين بحزن عميق حاولت إخفاءه بابتسامة كئيبة؛ في ظرف أسبوع، أعادت نشر تلك الصورة عشرات المرات، ربما تريد من خلالها إرسال دعوة إلى حبيبها لكي يسرع في الوفاء بوعده، بعقد قرانه عليها.
أليست أربع سنوات من الحب والحياة الحميمية كافية لمعرفة طباع الشخص الذي نريد الارتباط به؟ تقول. غريب أمر هذا الرجل، يزور المدينة المكرمة تعبدا مرة في السنة، وظل يصاحبها دون أن يبدو عليه أي إحساس بالذنب. طلبت مني يوما أن أرافقها عند العرافة، بدت جد متحمسة وجد منشغلة بتغير تصرفات حبيبها الذي يتماطل في الوفاء بوعده. أخذنا «طاكسي» من وسط المدينة في اتجاه حي شعبي حيث توجد العرافة التي دلتها عليها إحدى زميلاتها في العمل، والتي لها وصفات عجيبة لترويض الرجل وجلب الحظ، كما تقول.
وصلنا إلى البيت المقصود، كان في زقاق ضيق هادئ، طرقنا الباب الذي كان مواربا، استقبلتنا فتاة مراهقة أدخلتنا إلى صالة فسيحة في الطابق الأرضي، حيث اجتمعت مجموعة من النسوة المختلفة أعمارهن، الباحثات عن طقوس الغيب والجان لقراءة الطالع، لفك السحر وجلب الحبيب وتليينه بالسحر؛ لم يكن يبدو على ملامحهن ومظهرهن أي تصرف مشين أو أخلاق فاسدة، أغلبهن ربات بيوت من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية، منهن الأميات والمتعلمات، الميسورات والفقيرات، متساويات في شر الأعمال وأبغضها عند الخلق والخالق. الكل كان ينتظر دوره على أحر من الجمر، بعد نصف ساعة جاء الدور علينا، أشارت لنا إحدى بنات العرافة بيدها للصعود إلى الطابق الأول حيث توجد غرفة واحدة صغيرة بلا باب وبلا أفرشة، غير سجاد صوفي وبعض الوسائد، وحيث جلست في الركن المشعوذة؛ بعد التحية، بابتسامة مترددة دعتنا للجلوس، رغم النشاط المشين والعمل الشيطاني الذي تقوم به بدت على ملامحها الأمومة والجدية.. لم يكن في نيتي يوما السحر ولا فكه، لكن فضولي دفعني هذه المرة إلى مرافقة الصديقة لمعرفة أخبار الحبيب الغائب ولو تكون كاذبة، فكان لي ما أردته: أشبعتني العرافة كذبا لذيذا، قبل أن تطلب مني إحضار ديك أحمر لإزالة «العكس» ومن بشرى ديك أسود، بعدما أخذت منا المائة درهم ودعتنا على أساس العودة بعد إحضار الديكين.
بحماس فضولي ذهبنا إلى السوق المحاذي لبيتها، حيث يوجد بائع الديكة، وحيث وجدنا الديكين المطلوبين، كانا سمينين جميلين، قلت لصديقتي الدكتورة بنبرة جدية مازحة: «اتشهيت هاذ الفروج بالبصلة والزبيب طايب على الفاخر..» ضحكنا طوال طريق العودة، خجلا وغبنا، ونحن نستغفر الله من حين لآخر ونتحسر على حظنا العاثر الذي جعلنا نطرق باب العرافات، وندمنا على المال الذي أنفقناه لإضافة ذنوب كثيرة على ذنوب الحب..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى