شوف تشوف

الرأيالقانونية

دور القضاء في حماية النظام الصحي العام

مناد بالا

باحث في القانون

عضو نادي قضاة المغرب

 

تنبني الترسانة القانونية للأمن الصحي على أسس عامة وطنية وأخرى دولية. فعلى المستوى الدولي، يجد الأمن الصحي أساسه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالصحة المصادق عليها من طرف الدولة المغربية، سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ودستور المنظمة العالمية للصحة، التي تكرس الحق في الصحة. أما على المستوى الوطني، فقد كرس دستور 2011 الفصلين 20 و31 كأساس ينبني عليه الأمن الصحي، حيث ينص الفصل 20 المذكور على أن «الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق»، كما ينص الفصل 31 على أنه «تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: العلاج والعناية الصحية…».

 

الفقرة الأولى: القوانين المنظمة للصحة العمومية

تتميز منظومة القوانين المنظمة للصحة العمومية في بلادنا بالتعدد والتشتيت، حيث يصعب حصرها، وفي ما يلي جرد لأهم هذه النصوص:

القانون الإطار رقم 09.34 المتعلق بالمنظومة الصحية وعرض العلاجات:

يؤطر هذا القانون مجموعة من القواعد المنظمة لمجال الصحة العمومية، ويهدف إلى تحديد المبادئ الأساسية لعمل الدولة في مجال الصحة وإلى تنظيم المنظومة الصحية، وذلك اعتبارا بأن الحق في الحفاظ على الصحة مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع. كما يحدد مسؤولية الدولة في الحفاظ على الصحة العمومية، ويعتبر التضامن وإشراك الدولة للساكنة في مسؤولية الوقاية والمحافظة على الصحة والمعافاة من المرض، مبدأ من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها المنظومة الصحية الوطنية.

 

القوانين المتعلقة بحماية الصحة العمومية:

حدد المشرع مجموعة من القوانين المتعلقة بحماية الصحة العمومية، نذكر منها ما يلي:

القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، القانون رقم 25.08 القاضي بإحداث المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، القانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، والقانون رقم 10.95 المتعلق بالماء.

القانون رقم 30.05 المتعلق بنقل البضائع الخطرة عبر الطرق، القانون رقم 49.99 المتعلق بالوقاية الصحية لتربية الطيور الداجنة وبمراقبة إنتاج وتسويق منتوجاتها، القانون رقم 77.15 المتعلق بالأكياس من مادة البلاستيك- منع الصنع والاستيراد والتصدير والتسويق والاستعمال، القانون رقم 15.91 المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن، ظهير شريف رقم 1.59.380 في الزجر عن الجرائم الماسة بصحة الأمة، المرسوم الملكي رقم 554.65 بتاريخ 17 ربيع الأول 1387 (26 يونيو 1967) بمثابة قانون، يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض.

 

التشريع المتعلق بالمنتجات الصحية

يتضمن هذا التشريع مجموعة من القوانين.

أولا، القانون رقم 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، والذي عرف الدواء والمواد التي تعتبر بمثابة أدوية وأنواع الأدوية والمنتجات الصيدلية، ونظم طريقة عرضها في السوق. كما تطرق إلى مزاولة الصيدلة، شروطها وأماكنها.

ثانيا، ظهير شريف بتاريخ 12 ربيع الثاني عام 1341 (02 يناير 1923) في جعل ضابط لاستجلاب المواد السامة والاتجار بها وإمساكها واستعمالها، وقد أورد ثلاثة جداول للمواد التي تعتبر سامة، والمعدة للتجارة أو الصناعة أو الفلاحة، وكذا المواد السامة المعدة للطب البشري أو البيطري.

القانون رقم 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها، خاصة المواد 13، 14 و15 منه.

 

الفقرة الثانية: دور القضاء في الحفاظ على النظام العام الصحي

تعتبر دولة القانون كنوع من أنواع الدولة، الدولة التي تتصرف بموجب القانون فقط كونه سمة من سماتها الجوهرية، ويكون فيها القضاء الضامن الوحيد لتطبيق القانون ومراقبة مدى احترامه. من خلاله، فحماية الصحة العامة كعنصر من عناصر النظام العام تدخل في صميم عمل القاضي بصفته حامي حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، طبقا لمقتضيات الفصل 117 من الدستور المغربي.

في هذا السياق، تصدر عن القضاء المغربي آلاف الأحكام سنويا في الميدان الزجري، تطبيقا لمخالفة مقتضيات القوانين المشار إليها في الفقرة السابقة، والتي لن يسعف الوقت في التطرق إليها جميعها.

تطبيق القوانين المذكورة لا يخلو من إشكالات عملية على مستوى إكراهات تطبيق تلك القوانين، وتكوين الأجهزة المكلفة بضبط الجرائم.

وعلى مستوى القضاء الإداري لم نتوصل إلى أي حكم قضى بإلغاء قرار إداري صادر عن جهة إدارية ويمس بالصحة العامة، وهذا لا يعني عدم وجودها. إلا أنه للمثال فقط، نتطرق إلى نماذج أحكام في الموضوع نفسه، سعى من خلالها مجلس الدولة الفرنسي إلى حماية النظام العام الصحي، وذلك بإصداره أحكاما ألغت بعض القرارات الإدارية التي كان من شأنها أن تضر بالصحة العامة للمواطنين.

إن من بين الأحكام العديدة التي صدرت من مجلس الدولة الفرنسي في ما يتعلق بحماية الصحة العامة، ما قضى به في الحكم بمشروعية القرار الذي أصدره العمدة وحظر بموجبه ممارسة الاستحمام، وكذا منع مرور المراكب في إحدى البحيرات، وذلك بسبب تلوث مياهها، وهو ما كان يشكل خطرا على صحة المستحمين، مما يبرر الحظر، محافظة على الصحة العامة. كما قضى أيضا في حكم له صادر في 04 فبراير 1981، بمناسبة حدوث تلوث في المياه «بما أنه يجب على رئيس البلدية المكلف، بناء على أحكام المادتين 96 و97 من قانون الإدارة البلدية بشرطة الصحة العامة وتنفيذ قرارات السلطة العليا المتعلقة بالضبط الريفي، لضمان احترام وتطبيق التنظيم المانع لرمي المياه الوسخة غير المطهرة في المجاري المخصصة لمياه الأمطار على المستوى البلدي».

نافذة:

تعتبر دولة القانون كنوع من أنواع الدولة، الدولة التي تتصرف بموجب القانون فقط كونه سمة من سماتها الجوهرية، ويكون فيها القضاء الضامن الوحيد لتطبيق القانون ومراقبة مدى احترامه. من خلاله، فحماية الصحة العامة كعنصر من عناصر النظام العام تدخل في صميم عمل القاضي بصفته حامي حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، طبقا لمقتضيات الفصل 117 من الدستور المغربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى