شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

دكتوراه خلف القضبان طلبوا العلم ولو في السجن

 

مقالات ذات صلة

لم يعد السجن مجرد فضاء سالب للحرية، فقد أصبح بإمكان السجناء استكمال دراستهم والحصول على شهادات مهنية أو أكاديمية تمكنهم من استدراك ما فات واستثمار العقوبة الحبسية في التعلم، على أمل الحصول على فرص شغل بعد مغادرة السجن.

يرجع الفضل، في عدد كبير من مبادرات تأهيل وإعادة دمج السجناء، إلى السياسة المتبعة من قبل مديرية السجون، وكذا مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، بعد انتهاء فترة السجن، إيمانا بأن الحق في التعليم من أهم ركائز الإصلاح وتجسيدا لتحديات تسكن الكثير من نزلاء السجون من أجل بلوغ درجات علمية مرموقة بعد القطع مع مرحلة قاتمة والتطلع لمرحلة أخرى.

الأرقام المتوفرة تؤكد ارتفاع أعداد السجناء المتمدرسين في جميع المستويات الدراسية الأكاديمية والتقنية، بل إن التعليم العالي أضحى يستقطب المزيد من النزلاء سنة بعد أخرى.

صحيح أن هناك إجراءات للتسجيل في سلك الدكتوراه تعمل المصالح الاجتماعية للسجون على استكمالها سواء كان السجناء حاصلين على أحكام نهائية أو في انتظار الطعن، وحتى الطلاب الذين ما زالوا على ذمة التحقيق تمكنوا من التسجيل في الامتحانات بعد تأشيرة من النيابة العامة وإدارة السجون وإثبات القيد في جدول مناقشة الدكتوراه لدى الجامعة.

لكن الإشكال المطروح للحاصلين على شهادات خلف القضبان، بعد خروجهم من السجن، يكمن في صعوبة اجتياز مباريات التوظيف في سلك الدولة أو في قطاعات أخرى بسبب شرط خلو صحيفة سوابقهم من خدوش.

في الملف الأسبوعي لـ”الأخبار”، نتابع رحلة طلب العلم العالي خلف القضبان، وسنكتفي ببعض النماذج التي غادرت المؤسسة السجنية ونلتزم بعدم إدراج أسماء النزلاء الحاصلين على الدكتوراه والتهم التي سلبت حرياتهم.

 

سجين ينال شهادة الدكتوراه من سجن أيت ملول

في شهر فبراير الماضي شهد سجن أيت ملول 1 حدثا غير مألوف، إذ حل في ذات الصباح بالمؤسسة السجنية، زوار غير مألوفين من بينهم أساتذة جامعيون وأفراد من أسرة أحد المعتقلين.

تبين للسجناء ولحراس سجن أيت ملول أن الفضاء الجامعي بالمؤسسة السجنية سيكون على موعد مع مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، من طرف أحد النزلاء الذين يقضون فترة حبسية، والذي استثمرها في العلم والتحصيل.

مسؤول التواصل بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وهي المؤسسة المسؤولة عن السجون في المغرب، ألح على عدم الكشف عن أسماء الطلبة الذين لازالوا رهن الاعتقال، وهو ما دفعنا للتحفظ والاكتفاء بصفته.

اختار الطالب الجامعي/ السجين موضوعا يتقاطع فيه الاقتصادي بالاجتماعي، ويتعلق باللوجستيك الخاص بنقل العاملين في القطاع الفلاحي وإكراهات القطاع. وهو مضمون الرسالة التي تمت مناقشتها من طرف الطالب الذي كان يتابع دراسته الجامعية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير تخصص علوم الاقتصاد والتدبير.

خلافا لطقوس مناقشة أطروحة جامعية خصصت إدارة السجن أحد الفضاءات المعرفية بسجن أيت ملول 1، بدل نقل الحدث إلى الجامعة مع ما يتطلبه الأمر من تدابير أمنية مشددة في الحرم الجامعي. كما عهد للجنة علمية تتكون من الدكاترة الحسين أبودرار أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير رئيسا وبابا الخرشي أستاذ بكلية الاقتصاد والتدبير بكلميم مشرفا وخديجة معزي عن المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بمراكش جامعة القاضي عياض عضوا وحسن بتريش عضوا عن كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، بحضور عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير الدكتور محمد بوعزيز ونائبه الدكتور الماكوري إضافة الى مدير المؤسسة السجنية ورؤساء المصالح بها ومجموعة من الموظفين كما تم الترخيص لعائلة الطالب بحضور وتتبع المناقشة.

بعد المناقشة والتداول منحت اللجنة المشرفة للطالب الباحث درجة الدكتوراه في الاقتصاد بميزة مشرف جدا مع توصية بالطبع.

ومن خلال شهادات الحاضرين ومداخلة الطالب، فإن الفضاء الجامعي الذي تم إحداثه سنة 2024 لفائدة النزلاء الطلبة، وذلك بموجب اتفاقية شراكة إطار تم إبرامها بين المندوبية العامة وجامعة ابن زهر باكادير ومؤسسة محمد السادس لإعادة ادماج السجناء والتي تعد مناقشة هاته الأطروحة إحدى ثمراتها، قد ساهم في تمكين الطالب وغيره من الطلبة الباحثين على التحصيل، فضلا عن مساعدات من عائلته ومن الأستاذ المشرف على الدكتوراه.

 

معتقل بسجن العرجات يظفر بالدكتوراه في زمن “كورونا”

وسط إجراءات احترازية مشددة على المستويين الطبي والأمني، شهد سجن العرجات يوم 23 فبراير 2021، مناقشة الطالب المهدي بوكيو أطروحة دكتوراه عن بعد بسبب جائحة كورونا، مع هيئة علمية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، في موضوع “المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بالمغرب: المجلس الوطني لحقوق الإنسان نموذجا”.

وكانت المناقشة في أجواء علمية وأكاديمية وفي احترام تام للإجراءات الاحترازية التي اتخذها جامعة سلا في مواجهة وباء “كورونا”، لذا تم اعتماد تقنية النقل المباشر والمناقشة عن بعد مما سهل مهمة الطالب ومكنته من عرض أطروحته في ظروف جيدة من داخل المؤسسة السجنية، والذي استطاع وبالرغم من كل الظروف إنجاز هذا العمل الأكاديمي.

كانت اللجنة العلمية مكونة من الأساتذة والحقوقيين، بالنظر لطبيعة الأطروحة الحقوقية، زكت المجهود المبذول من طرف الطالب ما مكنه من الحصول على درجة الدكتوراه بميزة “مشرف جدا” بحضور أسرته ومقربيه الذين أذرفوا الدموع عند سماع قرار اللجنة العلمية.

وكانت المحامية نعيمة الكلاف قد كتبت عن هذا الحدث تدوينة أشادت بها بطموح الطالب السجين الذي لم تمنعه القضبان من تحقيق أحلامه العلمية: “المهدي بوكيو شاب حالم كباقي الشباب مكافح طموح صبور رغم كل المحن التي مرت عليه، اليوم ناقش الدكتوراه في الحقوق التي كان موضوعها حقوق الإنسان المؤسسات الوطنية المجلس الوطني لحقوق الإنسان نموذجا، حاز على ميزة مشرف جدا، مزيدا من التألق واتمنى ان تستعيد حريتك قريبا، لا أنسى السند الأول والأخير هي عائلته الصغيرة وأمه الصبورة والمكافحة”.

وكان المهدي بوكيو، قد اعتقل بتهمة تتعلق بالإرهاب، بينما تقول أمه ودفاعه أن الاعتقال جاء في سياق محاولته تأسيس حزب سياسي يحمل اسم “المواطنة والتغيير”.

وسبق للمهدي أن أعتقل وهو شاب يافع، وصدر في حقه حكم بسنة نافذة وأخرى موقوفة التنفيذ، وبموجب الحكم الأخير تم الإفراج عنه سنة 2011 بعدما قضى سنة كاملة داخل إصلاحية.

وتوبع هذا الطالب بقانون الإرهاب بسبب زيارته أحد المواقع الإلكترونية التي تتحدث عن صناعة المتفجرات.

 

بنزكري.. قفة الزيارة الأسبوعية لم تخل من الكتب والمراجع

من المفارقات العجيبة أن يقضي إدريس بنزكري قرابة 17 سنة خلف القضبان، وبعد الإفراج عنه أصبح أحد مهندسي مبادرة هيئة الإنصاف والمصالحة ورئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.

قضى إدريس بنزكري في السجن قرابة 17 سنة من أصل 30 سنة المحددة في قرار الاعتقال، غادر السجن سنة 1991، ليساهم في تحقيق العدالة الانتقالية في المغرب، ويتحول من عميد السجناء إلى متفحص لحالات أزيد من 20 ألف معتقل سياسي سابق، حين عين رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.

ظل إدريس بنزكري يبتلع مرضه لسنوات عديدة. يقول رفاق درب إدريس إن علاقته بالمرض بدأت في المعتقل السري درب مولاي الشريف، حين كان معتقلا ضمن فصيل “إلى الأمام”، وظل يتنقل بين المصحات والسجون إلى أن استبد به الألم وأصر المرض على أن يطيح بأحد أهرامات العمل الحقوقي. قضى بنزكري نصف حياته خلف القضبان متنقلا بين سجون المملكة قبل الاستقرار بالسجن المركزي للقنيطرة مما اضطرت معه أسرته إلى الرحيل نحو عاصمة الغرب كي تكون أقرب إلى المعتقل الذي يقيم فيه كبير الأسرة. لكن المرض لم يمنعه من التحصيل حيث نال شهادة الإجازة وشرع في التحضير لماستر حقوقي، وما أن ناله حتى زادت شهيته للعلم والتحصيل فتسجل في دكتوراه جعلت القفة الأسبوعية التي تصله من العائلة لا تغيب عنها الكتب والمراجع.

في كتابها “وفاء للذكرى والذاكرة: إلى روح الراحل إدريس بنزكري” تتحدث شقيقته فتيحة بنزكري عن علاقته بالكتاب وإصراره على مواجهة مرض السرطان بالقراءة، وتذكيرها بأهمية الكتب كمكون أساسي للقفة”. من الكتب من كان يصادر من إدارة السجن ومنها من كان يفرح عنه بعد طول تمحيص، ومنها مراجع استعان بها في إعداد أطروحته التي بدأها في السجن وأكملها خارج أسواره.

شاءت الأقدار أن يغادر إدريس بنزكري السجن في بداية التسعينات، وهو يجتر مرضا لازمه طويلا، ليتحول اهتمامه بين العلاج والمعرفة، وحين هبت رياح الانفتاح الحقوقي مع اعتلاء الملك محمد السادس العرش. كانت البلاد تعيش زمن التناوب التوافقي، كما أن الوزير الأول في نهاية عقد التسعينات لم يكن شخصا آخر سوى عبد الرحمن اليوسفي،  في هذه الظروف أسس “الرفاق” منتدى الحقيقة والإنصاف عام 1999، ولم يجدوا، مرة أخرى، أحسن من بنزكري ليكون رئيسا له.

مع مرور الأيام تولى الرجل الأمانة العامة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 2003 ورئاسة هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004، رئاسة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في يوليوز 2005، وبعد أقل من سنتين يلتحق بالرفيق الأعلى.

 

حرزني.. درس علم الاجتماع القروي خلف القضبان

ينحدر أحمد حرزني من أصول أمازيغية، وتحديدا من منطقة بوحرزان التابعة ترابيا لدائرة تنالت بإقليم أزيلال، ففي سنة 1948 رأى أحمد النور بين جبال هذه المنطقة الوعرة، من والدين كانا يعيشان على الرعي والفلاحة البسيطة، وهما أحمد بن محمد حرزني والأم شطو بنت لحسن أوموح. عاش الأب صراعا مع أحد إقطاعيي المنطقة الذي كان يشغله في المجال الرعوي ليقرر الرحيل بحثا عن لقمة عيش فجاب العديد من المناطق قبل أن يستقر به المقام في مدينة كرسيف، وفيها ولد أحمد وكتب له أن يعيش في مدينة مكنته من الالتحاق بالمدرسة، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من احتراف مهنة رعي الماعز في جبال وسفوح الأطلس المتوسط إسوة بكثير من أقاربه الذين لم يجدوا فرصا في التعليم.

لعب حرزني، إلى جانب فكاك والمحجوبي وتيريدا وغيرهم من الطلبة المتشبعين بالفكر الشيوعي، دورا كبيرا في إشعال فتيل الإضراب الطلابي في مارس 1965، وشكل النواة الصلبة لتأسيس حركة 23 مارس، بل كان من مدبري الإضراب الشامل الذي عطل جميع المؤسسات التعليمية في الدار البيضاء، حيث كان يطبع المنشورات ويوزعها بحماس الشباب، في صراع كبير مع المخزن الذي كان يقوده عساكر أوفقير، لكنه سرعان ما انشق عن التنظيم وأسس تيارا “ماويا” أطلق عليه حركة “لنخدم الشعب” مع تبني الخيار المسلح في تنفيذ مطالبه، وهو ما جعل رفاقه يلقبونه بـ”مول الكابوس”، مما وضعه في الأسر حيث قضى ثمان سنوات في السجن قبل أن يغادره بعفو ملكي ويضع قطيعة بينه وبين حرزني الثوري المشاكس.

بدأ أحمد حرزني مشواره الوظيفي مدرسا في السلك الإعدادي، في بداية السبعينات، وعاش متنقلا بين المدن، قبل أن يتمرد على القسم ويدرس علم الاجتماع القروي ويتشبع بفكر باسكون.

استغل حرزني سنوات الاعتقال في الدرس والتحصيل وكان يواصل تعليمه العالي ويسعى إلى مغادرة المؤسسة العقابية بشهادات تمكنه من تحقيق اندماج جديد، وهو ما تأتى له بفضل إصرار كبير، حيث كان يحضر الدكتوراه من خلف القضبان، مما أهله لشغل مناصب أكبر بعد العفو عليه من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، ويصبح أستاذا باحثا في المعهد الوطني للبحث الزراعي بسطات ثم مديرا لنفس المؤسسة، كما ألقى محاضرات في علم الاجتماع القروي بجامعة الأخوين بإيفران في منتصف التسعينات، وفي وحدات التكوين والبحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط- أكدال.

 

العروسي.. إصرار على طلب العلم ولو في الزنزانة

في نهاية سنة 2019، عرفت كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بطنجة حركة غير عادية، بسبب احتضان الجامعة المذكورة لمباراة انتقاء مرشحين لمواصلة تعليمهم العالي بسلك الدكتوراه، كان من بينهم المعتقل الإسلامي، رشيد العروسي الغريبي، المحكوم بـ20 سنة سجنا، وذلك بعدما وافقت المندوبية العامة للسجون على ترحيله من سجن عكاشة في الدار البيضاء إلى كلية الحقوق بطنجة، لاجتياز المباراة التي أهلته لتحضير شهادة الدكتوراه.

وكان المعتقل رشيد قد أبدى إصرارا كبيرا على متابعة دراسته العليا رغم ظروف السجن، حيث حصل على شهادة الماستر في شعبة “تدبير الشأن العام المحلي”، بجامعة عبد المالك السعدي، بعد مناقشة بحثه الحامل لعنوان: “الهوية والجهوية بالمغرب”، سنة 2017، وحصل على ميزة حسن جدا، من لدن لجنة المناقشة، بعدما استندت إدارة السجن في منحه الموافقة على شهادة حسن السلوك.

وعلى إثر ذلك، تم تتويج المعتقل الإسلامي، في فعاليات الجامعة الربيعية، من طرف المدير العام لإدارة السجون، صالح التامك، اعترافا بحسن سلوكه ومواصلة مشواره الدراسي، بعد حصوله على الإجازة في القانون العام سنة 2013.

وشهدت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة إجراء المقابلات الشفوية مع المرشحين لتحضير شهادة الدكتوراه في العلوم القانونية، برسم الموسم الجامعي 2019 /2020، وهم الطلبة الحاصلون على دبلوم الماستر في شعبتي القانون الخاص والعام بميزة مستحسن أو أكثر.

وكانت زوجة المعتقل رشيد العروسي قد أكدت، في وقت سابق، أن زوجها يتمتع بظروف إيواء جيدة داخل السجن، ووفرت له مكتبا وحاسوبا يستعمله في الإعداد لبحث الماستر، كما يتم نقله إلى سجن طنجة لاجتياز الامتحانات، ومقابلة الأستاذ المشرف على بحثه العلمي في شعبة الحقوق. بل إن رشيد العروسي، خلال فترة اعتقاله، قد تم تمتيعه بالسراح المؤقت لمدة ثلاثة أيام استجابة لطلب رخصة تقدم به المعني بالأمر، من أجل حضور حفل مناسبة عائلية، حيث غادر أسوار سجن “رأس الما” نواحي مدينة فاس، والتحق بأفراد أسرته بمدينة طنجة، لحضور حفل زفاف ابنته، قبل أن يتم ترحيله إلى سجن طنجة 2.

في سنة 2021، سيفرج عن رشيد لعروسي، بعفو ملكي بعد قضاء 17 سنة سجنا من أصل 20 سنة التي حكم بها عليه في سنة 2003 على خلفية الأعمال الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء.

‫وفي نفس القضية وبنفس الجناج ركب السجين عبد الكريم الشاذلي، أحد الوجوه البارزة للتيار السلفي بالمغرب، صهوة العلم خلف القضبان واختار مسلك الدكتوراه قبل وأثناء وبعد ولوجه السجن خاصة في الفترة التي قضاها في التحقيق في تهم تتعلق بـ”التحريض والتنظير للإرهاب”، قبل أن يفرج عنه بعفو ملكي. حصل الشاذلي على الدكتوراه في مطلع 2000، وكان موضوع رسالته حول فكر شيخ الإسلام ابن تيمية.

 

 

إطار أمني يواصل حصد الشهادات حرا ومعتقلا

في سنة 2021 ضمن السجين (م.ن) دخول مرحلة البحث عن شهادة الدكتوراه، بعدما اجتاز الامتحان الشفوي للتسجيل في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية عين السبع في موضوع: “القانون الجنائي للتعمير، مختبر الأبحاث في الدراسات القانونية والسياسية واقتصاد التنمية نموذجا”.

الطالب، الذي كان يعمل قبل اعتقاله في أحد الأسلاك الأمنية، حصل على الإجازة من كلية الحقوق سلا، والماستر في القانون الخاص من كلية الحقوق السويسي بالرباط، واليوم يسعى إلى استكمال مساره الدراسي من خلف القضبان، من خلال التسجيل في سلك الدكتوراه بكلية الحقوق عين السبع.

وحسب عبد النبي اضريف، نائب عميد كلية الحقوق سلا ورئيس مختبر الأبحاث في الدراسات القانونية والسياسية واقتصاد التنمية، فإن الطالب (م.ن) هو نموذج ملموس لنجاح سياسة الإصلاح في المؤسسات السجنية.

وأكد اضريف أنه حان الوقت لانفتاح السجون على الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من خلال التفكير في العقوبات البديلة لمن يستوفون شروط الاستفادة منها، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لنجاح رسالة الإصلاح والتهذيب وإعادة الاعتبار للسجناء الذين أثبتوا حسن سيرهم وسلوكهم وندموا على ما اقترفوا من جرائم.

في مشهد مماثل، أصر (عمر. ن)، وهو نزيل سابق في سجن “الزاكي” بمدينة سلا، على حيازة شهادة الدكتوراه في العلوم القانونية. وحسب الكاتب حسن أشرف، فإن هذه النماذج تلغي القول المأثور الذي يجعل من السجين مجرما بعد مغادرته السجن، “منذ سجن عمر على خلفية قضية جنائية، اتخذ قرارا بالاجتهاد والاستفادة من فرصة الدراسة داخل السجن فنجح في الامتحانات الجامعية التي خضع لها رفقة طلاب آخرين خارج جدران السجن، وأكمل مشواره الدراسي حتى حصل على شهادة دكتوراه”.

 

بنعمر.. عاش فترة اعتقاله بين الحب والدراسة

لم يكد جمال بنعمر يحتل مكانه خلف بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كمستشار له، وهو منصب أممي رفيع، حتى اهتمت الصحافة الدولية بمساره، فيما وصفه بعضها بالبريطاني الجنسية، وغاب عنه أنه مغربي من أبناء الناظور، وعاش في المغرب إلى حدود الثمانينات، بل وكان من الأصدقاء المقربين للاتحادي عبد المومن الديوري، وكان من جملة من تم اعتقالهم عقب أحداث السبعينات.

كان جمال بنعمر كثير التردد على السجن، يغادره فيعود إليه من جديد، قبل أن يتدبر في منتصف الثمانينات طريقة للهروب، ليفر إلى خارج المغرب، ومنها واصل رحلته إلى لندن قبل أن يشد الرحال رفقة زوجته البريطانية الحقوقية “جويس إدلين” إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

أصدرت “جويس” كتابا سنة 1996، بعنوان “عزيزي جمال”، روت فيه تجربتها مع جمال بنعمر وقصة الحب الجارف والنظرة الأولى التي كانت من وراء القضبان، والنضال الحقوقي الذي جمعهما معا تحت إطار منظمة “أمنستي”، وتخطيطهما للقاء في لندن لبدء حياة جديدة معا، كما خصصت جزءا منه للحديث عن جمال الطموح للدراسة والبحث العلمي حتى وهو سجين، قالت إنه استغل فترة إقامته في المعتقل ليدرس الحقوق وينال أعلى الشهادات”.

بفضل زوجته “جويس”، تبوأ جمال بنعمر أعلى المناصب الحقوقية في الولايات المتحدة الأمريكية وسرعان ما أصبح محاضرا في جامعة جورجيا، ثم مقربا من الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر” كمستشار حقوقي، ورئيسا أيضا لتمثيليات حقوقية في الولايات المتحدة الأمريكية لها علاقة مباشرة بحقوق الإنسان. وهكذا تراكمت التجارب لدى جمال بنعمر، الذي كان يحمل أيضا الجنسية البريطانية بحكم زواجه من “جويس” إلى أن وصل إلى قمة بناية الأمم المتحدة، حيث يوجد اليوم مكتبه كمستشار للأمين العام السابق.

شروط حصول السجناء على الدكتوراه وماستر في العلوم السجنية

حددت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج شروط تسجيل السجناء في سلك الدكتوراه، من خلال مجموعة من الشروط، أبرزها ورقة التسجيل القبلي عبر البوابة الإلكترونية الخاصة بالجامعة موقعة من طرف المعني. وهي المسطرة التي تقوم بها المصالح الاجتماعية للمؤسسة السجنية، مع توفر مجموعة من الوثائق على غرار، نسخة من شهادتي الباكالوريا والإجازة والماستر ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية ومن عقد الازدياد، ومستخرجات النقط لسلك الإجازة والماستر، وشهادة الاعتقال وميثاق الأطروحة موقع من طرف الأستاذ المشرف والطالب، إضافة إلى تقرير عن مشروع الدكتوراه. بعد إعداد هذا الملف، الذي غالبا ما يتم تدبيره محليا ومركزيا، يتعزز الطلب بمصادقة من النيابة العامة وإدارة السجن.

ومنذ سنة 2016، أعلنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج عن إطلاق “ماستر متخصص في العلوم السجنية”، وقالت إن ذلك يأتي “في إطار جهودها المتواصلة لتوفير التكوين المستمر لأطرها وموظفيها، بغية إعدادهم، بطريقة علمية، لتحمل المسؤولية مستقبلا، سواء على المستوى المركزي أو من خلال إسناد مسؤولية إدارة المؤسسات السجنية لهم”.

ووفقا لبلاغ صادر عن المندوبية، فإن “الجامعة الدولية بالرباط ستقوم بتنفيذ برنامج التكوين الخاص بهذا الماستر، في إطار اتفاقية شراكة مع معهد العلوم السياسية بغرونوبل، تم توقيعها بمقر المندوبية العامة بالرباط”.

هذا التخصص الدراسي الجامعي يروم تكوين 120 إطارا من أطر المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في مختلف مجالات التدبير، على مدى ثلاث سنوات، بينما تتوزع المواد المرتقب تدريسها بين الجانب القانوني والتنظيمي للمجال السجني المتمثل في علم الإجرام وتقنيات التدبير وحقوق الإنسان والحكامة و التهييء لإعادة إدماج السجناء، حيث سيجمع هذا التكوين بين ما هو نظري وما هو تطبيقي، فضلا عن تدريب ميداني لتنزيل المعارف النظرية على أرض الواقع.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى