دفاعا عن القانون
أعلنت هيئات نقابة المحامين عن سلسلة خطوات احتجاجية ضد القرار الذي اتخذته رئاسة النيابة العامة ووزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتماد «الجواز الصحي» للولوج إلى محاكم المملكة، لتعزيز المكتسبات التي حققها المغرب في إطار الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا.
طبعا لا أحد من حقه أن يصادر حق السادة المحامين في رفض القرار أو التعبير عن عدم الاتفاق مع الإجراء الذي اتخذته السلطات العمومية، لكن لا ينبغي أن يصل الأمر إلى حد تحول أصحاب البذلة السوداء إلى حركة احتجاجية، لأنه من الخطأ أن نعتبر المحامي عندما يرتدي بذلته السوداء فإنه يتحول إلى فاعل سياسي أو حقوقي، هو في الأصل رجل قانون ومن واجبه أن يحترم النظام القانوني للدولة الذي أقرته المؤسسات التشريعية.
في كل بلدان العالم مهمة المحاماة ترتبط بالنظام القانوني، فالمحامي يعيش في المحاكم وفي المجتمع، ويقع عليه واجب نحو المحكمة، وواجب آخر تجاه النظام القانوني في الدولة. والفهم السليم للمحاماة يضعها في مكانها كجزء لا يتجزأ من سلطة العدل، بإدراك الترابط العضوي بينها وبين القضاء مع الاحتفاظ بالاستقلالية المطلوبة، وهذه الاستقلالية التي يتمتع بها المحامي ليست امتيازاً أو حصانة تتيح تبرير الخروج على القانون، حتى في إطار خدمته لمصالح موكله.
لسنا في موقع الدفاع عن القرار الذي اتخذته السلطات القضائية الثلاث باعتماد جواز التلقيح داخل مرفق العدالة، فتلك السلطات قادرة على الدفاع عن قراراتها بنفسها ولها الآليات القانونية لذلك، نحن هنا بصدد إثارة قضية احترام القانون من طرف رجال القانون، وحتى لو تمكنت نقابات المحامين من فرض قرارها وإسقاط قرار المجلس الأعلى للسلطة القضائية ومؤسسة النيابة العامة ووزارة العدل، فإن ذلك يقدم صورة سيئة عن قيمة القانون وعن مصداقية المؤسسات الدستورية وهيبة العدالة، فالالتزام بالقانون أو بقرار اتخذته سلطات دستورية مهما كان قاسيا خير من خرقهما بالقوة والتحدي.
وإذا ما وقع الخرق من رجال القانون وحماته، فلا تنبغي محاسبة المواطن العادي، بعد ذلك، على عدم احترامه للقرارات التي تتخذها السلطات لحماية الصحة العامة، لأن ما يقوم به المحامون سيرسخ في ذهن ووعي المواطن قناعة مفادها أن الالتزام بالقانون هو نوع من أنواع الضعف وقلة الحيلة، وأن القوي المنظم هو الذي لا يلتزم بأي قانون، وآنذاك فالتعابير الإنشائية من قبيل «الجميع سواسية أمام القانون» أو «لا أحد فوق القانون» ستتحول إلى مجرد شعارات فارغة من أي معنى حقيقي.