شوف تشوف

الرأي

دعوة لنقاش هادئ..

إذا ما فتح الجزائريون موضوع تاريخ الزوايا وكرونولوجيا انتشار وامتداد التصوف عندهم، فسوف يقفون عند حقيقة تاريخية مفادها أن الجزائر ليست إلا مقاطعة مغربية كبيرة.
على امتداد الحدود الشرقية وصولا إلى منطقة حاسي بيضا جنوب الصحراء، فإن بعض القبائل هناك تعرفت على التصوف على طريقة بعض المشايخ المغاربة، الذين نهل من العلم عندهم علماء بارزون في كل من الجزائر وليبيا أيضا، ما بين سنتي 1880 و1900.
حتى أن بعض الأساتذة الباحثين في تاريخ التصوف، خصوصا في ليبيا، تنقلوا إلى المغرب لتأليف أطروحات عن مسار بعض المشايخ المغاربة، الذين ينتشر تلامذتهم اليوم على طول هذا الخط الجغرافي. ولعل «سيدي حسين» الذي ذكره العلامة المختار السوسي في موسوعته «المعسول»، والمدفون في منطقة أولاد برحيل، 40 كيلومترا شرق تارودانت، أحد أبرز هذه الأسماء. فالرجل الذي عاش قبل مئات السنين في منطقة صغيرة ومنسية، وصل صيت مؤلفاته التي انكب عليها في المنطقة، حيث كان يشرف على واحدة من أقدم المدارس العتيقة في المغرب، بل وفي شمال افريقيا، إلى ليبيا حيث جاء بعض الأساتذة الباحثين في فترات متفرقة خلال السبعينيات والثمانينيات، بعد أن وصلت إليهم نسخ من مخطوطاته كواحد من كبار المشايخ في علوم الحديث والتراث الديني.
وفي الجزائر أنشئت جماعات وقرى من المريدين لمشايخ مغاربة في الطرق الصوفية الأصيلة البعيدة عن «الابتداع»، كما قال عنها العلامة المختار السوسي في «حول مائدة الغداء».
كان هؤلاء المتصوفون المتأثرون بالمغرب، قوة ضاربة وأصبحوا خلال فترة التوتر بين المغرب والجزائر بخصوص قضية الصحراء المغربية، مصدر إحراج للجزائريين لأنهم رفضوا ببساطة الانصياع وراء التوجه السياسي العام، الذي كان يقوده هواري بومدين منذ سنة 1965. وهو ما عرض بعضهم للاغتيال، كما روى صحافيون وباحثون جزائريون أحدهم إبراهيمي بن بادي، حيث أكد وجود شهادات مؤثرة لمنفيين جزائريين تحدثوا عن إبادة جماعية لقرى معارضة لبومدين، بسبب تجميده للعلاقات مع المغرب، ومنعهم من التوجه سنويا نحو وجدة ونواحيها، لإحياء مناسبات مثل المولد النبوي أو حلقات الذكر.
وها هي مذكرات نادرة جدا بعنوان «بنديكت والمغاربة»، والتي يحكي فيه الباحثان «بيتر بيش» و«ويليام دانفي» يوميات هذا القس الفرنسي الذي كان للإشارة صديقا لكل من علال الفاسي والمحجوبي أحرضان والمهدي بن بركة، وكان الثلاثة يشربون الشاي عنده خلال بداية الخمسينيات، ويتداولون معه الشأن الديني في المغرب، والفرق بين ما تدعو إليه المسيحية والإسلام، وتأثير الخطاب الديني في الاختيارات السياسية.
حيث كان علال الفاسي يرفض أن يقوم رجال الدين الفرنسيون في المغرب بدور ما في التعريف بالقضية المغربية دوليا، بينما المهدي بن بركة كان دائما مُلحا في طرح السؤال: «بماذا سوف تخدمون قضيتنا دوليا؟».
هذه المذكرات جاء فيها أن القس «بنديكت» تحدث عن التأثير الروحي للمغرب في الجزائريين ودول جنوب الصحراء، الذين أخذوا الإسلام من الطرق الصوفية مثل التيجانية. وقال إن الأمر سوف يبقى على امتداد التاريخ امتدادا لجذور الدولة المغربية في كل اتجاه وصلت إليه الصوامع.
وها نحن نرى اليوم كيف أن موضوع حج «الشرقاويين» من الجزائر إلى المغرب، منذ قرون، أصبح موضوع إحراج لا يمكن لدعاة أطروحة الانفصال محوه.
فقد كان هؤلاء المريدون، يأتون يعبرون الحدود التي وضعت بعد ترتيب مغادرة فرنسا للمنطقة، لكي يقيموا ما يشبه اجتماعات «صلة الأرحام» مع المغاربة، خصوصا في نواحي فكيك وبوعرفة، حيث كان الملك الراحل محمد الخامس منذ ثلاثينيات القرن الماضي يرسل إليهم إكراميات سخية لتنظيم تلك اللقاءات الحبية، حيث كان هؤلاء المحسوبون اليوم مواطنين جزائريين يتلقون هبات لترميم مكتبات بعض المشايخ في الصحراء، بل وبناء مساجد ومدارس قرآنية. وهؤلاء هم الذين رفضوا التصويت في الانتخابات الجزائرية سنة 1963، بدعوى أنهم مغاربة.
هذه الحقائق المغيبة لا يمكن أن تُمحى، بل تحتاج فقط إلى جلسة هادئة بدون انفعال، وإلى الجلوس بدل ضرب المغاربة في باريس، بعد خروجهم للتعبير عن تمسكهم بقضية الصحراء، بالعصي كما لو أننا في زمن الفتوات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى