شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

«دعنا نتحدث عن شيء آخر»

 

 

لا توجد قناة واحدة في العالم لم تخصص تقريرا في نشرة من نشراتها عن الـ«DeepSeek»، روبوت الذكاء الاصطناعي، مع بداية هذا الشهر الذي نودعه الآن. وبما أننا في المغرب، حجزنا مقعدا مريحا جدا في منصة الشعوب الثلاثة الأوائل التي تستعمل الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، فإننا معنيون بمعرفة ماذا نحمل بأيدينا من هذه السلة التي وُضعت أمام العالم في قاعة مظلمة.

هذا التطبيق الصيني الذي صعد بطريقة صاروخية، مُزيحا العملاق الأمريكي المتحكم في ثورة الذكاء الاصطناعي التي يعرفها العالم أخيرا، لم يكلف الشركة الصينية التي طورته سوى جزء بسيط من التكلفة العالية التي ينفقها الأمريكيون في «السيليكون ڤالي»، لكي يستحوذوا على هذه الصناعة الدولية «الثقيلة».

المنافسون الأمريكيون أشادوا بالتطبيق الصيني، واعترفوا بفاعليته وقدرته على المحاكاة واقتراح الحلول والأجوبة و«التفكير» أيضا. لكن هؤلاء الخبراء أنفسهم حذروا من «الأعراض الجانبية» للتطبيق، والتي تتعلق أساسا بالخصوصية. حتى أن تقريرا أمريكيا، حذر من أن التطبيق الصيني الذي شغل الدنيا والناس صُنع أساسا ليروج لمواقف الحزب الشيوعي الصيني، عندما يسأله أحدهم، في أي بلد في العالم، عن المواضيع السياسية الحساسة.

وجهة النظر الصينية حاضرة بقوة في أجوبة هذا التطبيق. الأمر شبيه بأن تسأل شيوعيا عن مزايا الرأسمالية! أو أن تسأل يمينيا متطرفا في هولندا عن إيجابيات استقبال المهاجرين! أو الترخيص لأداء صلاة الجمعة أو التراويح في الساحات العامة بروتردام.

الخبراء الأمريكيون جربوا التطبيق الصيني، وسألوه عن حملة القمع التي شنتها الحكومة الصينية سنة 1989 على المتظاهرين، الذين خرجوا للمطالبة بالديموقراطية. تصوروا ماذا كان جواب التطبيق؟ لقد قال إنه لا يستطيع الإجابة عن هذا السؤال.

الأغرب أن الخبراء سألوا التطبيق سؤالا آخر، عن سبب عدم قدرته على الإجابة عن سؤال مماثل، تتوفر بشأنه معطيات وافية في مختلف المراجع ووسائل الإعلام الدولية، فكان جواب الـ«ديب سيك» كالآتي:

«إن هدفي أن أكون مفيدا قدر الإمكان. ويتوجب عليّ تجنب مواضيع قد تكون حساسة، أو مثيرة للجدل، أو تحمل ضررا محتملا».

التطبيق ليس فقط إنتاجا صينيا، بل هو أفكار صينية قومية، وبالتالي فإنه ليس مصدر بحث محايد عن المعلومات. حتى أنه عندما طُرح عليه سؤال حساس عن اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في بعض الأقاليم الصينية، أجاب، وكأنه مواطن مقهور: «دعنا نتحدث عن شيء آخر!».

كثيرة هي الأمثلة التي أحرج فيها الذكاء الاصطناعي، فقد سُئل أيضا عن مدى اطلاع الحكومة الصينية على معطيات مستخدمي تطبيق الـ«تيك توك» المثير للجدل، ومجددا قال الذكاء الاصطناعي الصيني: «يرجى تكرار المحاولة لاحقا».

هذه الإجابات العجيبة يتلقاها الباحثون بمختلف اللغات، التي يدعمها الذكاء الاصطناعي الصيني المنشأ، ولم يكن الأمر مقتصرا على الإنجليزية وحدها.

قمة الإبداع فعلا أن يتعلم الذكاء الاصطناعي، الذي يتم تسييره بالبرمجة، التصرف مثل الإنسان. وقد نسمع في المستقبل عن تطبيق ذكاء اصطناعي يضطر إلى الكذب على من يسأله. أو عن تطبيق مستقبلي لا يمكن أن يتواضع ويقول إنه لا يعرف الإجابة.

ثغرات أمنية بالجملة رصدها الخبراء الأمريكيون، الذين تخصصوا في دراسة هذا التطبيق الصيني ووضعه تحت المجهر، منذ الساعات الأولى التي تم فيها الإعلان عن إطلاقه. حتى أن البحرية الأمريكية أوصت أعضاءها بعدم تنزيل التطبيق الصيني «ديب سيك» أو استخدامه بأي شكل من الأشكال، بسبب ما أسماه بلاغ رسمي المخاوف الأمنية والأخلاقية المحتملة المرتبطة بأصل التطبيق واستخداماته.

دول كثيرة تخشى على مواطنيها من «الأضرار الجانبية» لاستخدام الذكاء الاصطناعي. لدينا في المغرب ملايين التلاميذ في المدارس، والذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لإتمام الأبحاث، بل ومشاريع التخرج الجامعية. لا بد أن كوارث علمية ومعرفية كثيرة تقع حولنا دون علمنا نحنُ.. لكن بعِلم «الديب سيك».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى