شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

دروس من «سيريلانكا»

 

 

يونس جنوحي

 

الوضع الاقتصادي في بعض الدول حول العالم يشبه حالة المرضى في أقسام الإنعاش. بعضهم موصولون بأحدث آلات قياس الضغط وتخطيط القلب، لكن لا أحد يعلم سبب مرضهم بالتحديد.

ما يقع مثلا في سيريلانكا يستحق فعلا التأمل. إذ إن البلاد تنتظر حزمة جديدة من الديون تقارب قيمتها 3 ملايير من الدولارات، لكن الملف يعرف تأخرا كبيرا بسبب سياسة إعادة هيكلة الديون.

ورغم أن الإعلام الرسمي في سيريلانكا يقول إن المفاوضات مع الدائنين تتقدم بشكل جيد، إلا أنه لم يقدم للصحافة الدولية أية توضيحات بشأن «إجراءات الإنقاذ» التي يقترحها صندوق النقد الدولي على عدد من الدول ويراقب أيضا مدى تطور تطبيقها قبل ضخ ديون جديدة.

وهذه الأيام، تُسابق الحكومة السيريلانكية الوقت لتقديم آخر التقارير لصندوق النقد الدولي. وفي الوقت الذي تتحدث فيه بعض وسائل الإعلام الدولية عن تخلف سيريلانكا وعدم احترامها الأجل القانوني لتقديم أوراقها كاملة، يتحدث رئيس الوزراء عن أن المهلة لا تزال ممتدة إلى يناير المقبل.

المعارضة السياسية في سيريلانكا تتهم الصين مباشرة بالوقوف وراء تعطيل صفقة البلاد مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ البلاد، إذ أن الصين في السنوات الأخيرة تعمل على مشاريع مع الحكومة السيريلانكية.

وتناقلت منابر دولية اتهامات أحد البرلمانيين لحكومة بلاده، وصلت حد اتهام الحكومة الصينية بدفع ما أسماه «رشاوي» لمسؤولين كبار في البلاد لكي يهتموا بمشاريع غير ضرورية، بصورة تتنافى مع التوصيات التي يقدمها الصندوق الدولي وينتظر تنفيذها لاستكمال صرف دفعات الديون للحكومة.

هناك صداقة قديمة بين الصين وسيريلانكا يختلط فيها التاريخي بالاقتصادي. إذ إن الصين خلال العقدين الماضيين مولت مشاريع ضخمة داخل سيريلانكا، تتعلق بالبنية التحتية ولا تزال البلاد مدينة للحكومة الصينية بهذا الخصوص.

وفي الوقت الذي انتشرت فيه أخبار اتهامات الصين بالوقوف وراء تعطيل مساعي صرف ديون جديدة للبلاد من طرف صندوق النقد الدولي، كان وفد من الأبناك الصينية يزور سيريلانكا لدراسة الوضع.

ديون هذه الدولة الصغيرة فاقت الآن 50 مليار دولار أمريكي، وسجل صندوق النقد الدولي عدم انضباط في تسديد تلك الديون، وهو ما يعني أن البلاد تتجه مباشرة نحو الجدار على الرغم من التطمينات.

المثير أن دراسة أمريكية صدرت عن جامعة «جونز هوبكنر» في واشنطن، بإشراف من خبراء اقتصاديين من سيريلانكا، تقول في توصياتها إن الصين يجب أن تلعب دورا رئيسيا في عملية إعادة هيكلة ديون سيريلانكا.

ورغم أن البلاد لديها ديون أخرى من اليابان والهند، إلا أن التقارير كلها تُجمع على أن الطريقة الوحيدة للخروج من الأزمة تتوقف على إعادة هيكلة ديون الصين.

هؤلاء الأكاديميون يتخوفون دائما من مشاريع الصين في البلاد، خصوصا منها المتعلقة بتمويل مشاريع إعداد الطرق والقناطر والموانئ والبنيات التحتية وينظرون إليها بريبة. إذ إن العجز عن سداد الديون يوقع الحكومة في قبضة شروط إضافية من شأنها أن ترهن اقتصاد دولة بأكملها، بمواردها كاملة، لكي تصبح تحت تصرف الصين إلى أن تستعيد ديونها منها. وهو ما يعني أن البلاد سوف تتوقف وتتجمد اقتصاديا لفترة طويلة قبل أن تستفيق من «الغيبوبة» وتجد صندوق النقد الدولي لا يزال ينتظر منها سداد ديون لا تتوقف عن التراكم.

منذ سنوات وخبراء دوليون يحذرون من سياسة القروض التي تقدمها الصين لبعض الدول النامية وينبهون إلى مخاطرها على التوجه الاقتصادي في المنطقة.

والآن، ها هو الوضع يزداد تعقيدا. إذ إن الصين الآن تواجه اتهامات من طرف خبراء ومحللين دوليين بالوقوف وراء تأخر دفعة صندوق النقد الدولي، عن طريق عرقلة إعادة هيكلة الديون التي قدمتها لسيريلانكا.

صورة جديرة فعلا بالتأمل واستخلاص العبر. فالسياسة في الأخير، لا تتحدث لغة أخرى غير لغة الاقتصاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى