دار الورثة
يونس جنوحي
لدى المغرب ممتلكات في إسبانيا، لا نتحدث هنا عن الأندلس ولا قصر الحمراء، ولكن عن ممتلكات مواطن إسباني اسمه الدوق «طوفار».
هذا الأخير الذي عاش في طنجة واستقر بها إلى حين وفاته، حيث أوصى بتحويل كل ممتلكاته إلى ملكية السلطة في طنجة. وهكذا أصبحت جماعة طنجة هي الوريث الشرعي لهذا الثري الإسباني، حيث تحولت إقامة فاخرة في اسمه إلى مستشفى يحمل اسمه وهو المعروف في طنجة باسم مستشفى «دوق دو طوفار»، حيث تم تداول الاسم في الأخبار العام الماضي، بسبب الاستنفار الناتج عن فرار مصاب بفيروس كورونا من جناح المصابين.
لكن الموضوع الذي حاولت الصحافة في إسبانيا إثارته، يتعلق بعقار كان يمتلكه «دو طوفار»، لكن بموجب وصيته قبل وفاته، تحولت ملكيته إلى المجلس الجماعي لطنجة. هذا العقار، وهو عبارة عن قصر أصبح مهملا، حسب صحيفة «Gasteiz Hoy»، وكلف الإسبانيين مبلغا محترما مقابل ترميمه، رغم أنه في ملكية طنجة.
وحسب مقال الصحيفة، فإن هذا القصر يقع في منطقة الباسك وتكلفت بلدية منطقة فيكتوريا بترميمه، حيث تجاوزت تكلفة بعض الإصلاحات لواجهته حتى لا تسقط على رؤوس المارة أكثر من 100 ألف أورو.
والمثير، أن القصر كان قد عرض للكراء قبل سنوات، وعبر أثرياء ومستثمرون إسبان عن استعدادهم لتقديم عرض لمسؤولي طنجة لاكترائه، لكنهم لم يتوصلوا بأي رد بهذا الخصوص من المجالس السابقة.
لنعد الآن إلى هذا الرجل. اسمه الكامل «الدوق طوفار إيكناسيو دو فيكيروا إي ميلغار»، وهو سليل أسرة إسبانية ثرية، زهد في حياة الجاه في بلاده إسبانيا، وتعلق قلبه بمدينة طنجة والتي اختارها إقامة شبه دائمة له، أيام كانت منطقة دولية خلال الأربعينيات وبداية خمسينيات القرن الماضي.
وعندما أحس «طوفار» بدنو أجله، أوصى بتحويل ثروته الضخمة وجميع ممتلكاته إلى مؤسسة مكافحة السرطان الأمريكية، بحكم أنه لم ينجب أبناء، وفي حال امتنعت هذه المؤسسة عن الحصول عليها فإنه يحول كل شيء إلى ملكية مدينة طنجة، هدية منه إلى سكانها الذين ربطته ببعضهم علاقات إنسانية وطيدة جدا.
وفعلا توفي الدوق «طوفار» سنة 1953، وقامت مؤسسة مكافحة السرطان الأمريكية بالتنازل عن حقها في الوصية، لكن ما لم ينتبه إليه معارف الدوق “طوفار”، أن الأمريكيين عندما تنازلوا عن حقهم في تنفيذ الوصية، حولوا ملكية قصر «طوفار» في طنجة وقصره في إسبانيا وبقية ممتلكاته الأخرى، إلى الحكومة الإسبانية.
وفي سنة 1956، مع استقلال المملكة المغربية وضع ملف ممتلكات هذا الأرستقراطي الإسباني على الرف، إلى أن حلت سنة 1960، حيث تقرر أن تتنازل الحكومة الإسبانية عن هيمنتها على ممتلكات مواطن يحمل جنسيتها، بل وينتمي إلى إحدى أعرق الأسر الإسبانية، وتم تنفيذ وصيته بأن منحت كل ممتلكاته للمسؤولين في ذلك التاريخ عن تسيير مدينة طنجة.
التوقيت الذي أثارت فيه الصحيفة الإسبانية موضوع بناية الدوق «طوفار»، والتي تحتوي على مجموعة من الشقق والغرف، ليس بريئا بالتأكيد. ففي عز الخلاف الدبلوماسي بين البلدين تمت إثارة موضوع عقار منسي، شأنه شأن آلاف العقارات المنسية في مدن مغربية كثيرة، كان ملاكها الأجانب يعيشون في المغرب. فما بالك ببناية توجد فوق التراب الإسباني تركها صاحبها هدية إلى المغاربة.
والحقيقة أن القصة كلها تكشف إلى أي حد كان الإسبان يستأنسون بالمغرب والمغاربة، والدوق «طوفار» ليس سوى واحد من مئات الراحلين الذين تركوا خلفهم قصص حب غير عادية أبدا ربطتهم بالأمكنة في المغرب، إلى درجة أنهم زهدوا في حياة البرجوازية، وانصهروا بين البسطاء المغاربة.
ربما سيكون من المفيد أن يتم ترميم قصر الدوق «طوفار»، ووضع أعلام مغربية فوقه، وفتحه للسياح الإسبان وتحصيل تعرفة زيارته بالأورو، وسيكون من المفيد جدا تحويل العائدات المالية إلى مراكز إيواء القاصرين، وهكذا سوف يتم تكريم «طوفار» مرتين.