خبز وكوكايين وقمر
«مكاينش اللي خرج على المرأة المغربية قد المسلسلات»، فقد أصبح الرجل النموذجي لدى أغلبهن هو الرجل التركي أو الهندي أو الباكستاني أو الخليجي أو المصري، «المهم ما يكونش غا مغربي».
مع العلم أن الرجل المغربي «عليه الطلب» في بلدان أخرى إلا أن قيمته في السوق المحلية «طايحة»، والسبب هو أن المسلسلات المدبلجة رسخت صورة وردية مغلوطة عن الرجل الأجنبي في مخيلة المرأة المغربية.
وفي كل المسلسلات التي حققت شهرة عالمية يرد اسم المغرب، لكن للأسف يرد بشكل سلبي، فهو إما مركز للاعتقال خارج القانون أو ممر لتهريب المخدرات والمهاجرين، وهي صورة نمطية أصبحت «نيتفليكس» وكبريات شركات إنتاج المسلسلات تستعملها بشكل أوتوماتيكي كما لو أنها الحقيقة، مما يؤثر على سمعة المغرب عالميا.
في سلسلة «نيتفليكس» التلفزيونية بيت المال أو la casa de papel التي حققت شهرة عالمية، يأتي ذكر المغرب كواحد من الأسرار التي كانت مخبأة في دار السكة، وهو أن الحكومة الإسبانية منحت المغرب ملايين الأوروات مقابل الاحتفاظ بالمهاجرين.
وفي سلسلة نيتفليكس زمن الحرب أو Tiempos de guerra، يتم تقديم المقاومين الريفيين كهمج متوحشين، فيما يظهر الجنود الإسبان الجرحى الذين يتم ترحيلهم من جبال الريف إلى مستشفيات مليلية كأبطال حقيقيين، ولحسن الحظ أن تهمة إرهابي لم تكن قد ظهرت آنذاك وإلا لتم وصف عبد الكريم الخطابي وجنوده المقاومين بالإرهابيين.
وفي سلسلة ناركوس التي تحكي قصة حياة ومقتل بابلو إسكوبار أكبر وأشهر تاجر مخدرات في التاريخ حيث وصلت ثروته 30 مليار دولار والذي كان أول من نشر تجارة الكوكايين في أمريكا، يأتي ذكر المغرب أيضا، فقد أطلق إسكوبار اسم ماروكين على ابنه تيمنا بالمغرب.
وتقول الحكايات التي راجت حول أسطورة بابلو إسكوبار أنه كان يملك منزلا فاخرا في حي مرشان بطنجة، اتخذ منه مركزا للقاء كبار تجار المخدرات بالمغرب، مثل حميدو الديب، بن الويدان، ورشيد تمسماني في الفترة الممتدة بين عامي 1986 و1988.
كانت لأباطرة المخدرات المغاربة شراكات مع كارتل Medellín وكارتل Cali مما جعل المغرب آنذاك أرض عبور رئيسية للمخدرات على المستوى الدولي، مما دفع la DEA، فرقة مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، إلى التدخل بهدف تتبع بابلو إسكوبار وكذلك المهربين المغاربة.
كان إسكوبار يملك قاعدة لحل أي مشكل وتدعي plata o plomo أي «فضة أو رصاص». أو بمعنى آخر، حاول أن ترشيه بالمال، وإذا رفض، اقتله. بينما استخدم المهربون المغاربة رشوة القضاة والمحامين ورجال الشرطة في شمال المغرب للهروب من الولايات المتحدة والدولة المغربية.
في تلك الفترة من سنوات الثمانينات استغل الكولومبيون قرب المغرب مع أوروبا، وكذلك فساد ضباط إسبان لتصدير البضائع من كولومبيا إلى الدار البيضاء لتعبر بعدها عن طريق طنجة إلى السواحل الإسبانية ومنها نحو كل أوربا.
ولعل المغاربة يذكرون عندما رمى بحر الدار البيضاء أطنانا من أكياس الكوكايين خلال سنوات الثمانينات، وقد تحول بعض الصيادة من معدمين إلى أثرياء فيما انتهى كثيرون معتقلين بسبب حيازة أكياس الكوكايين.
واليوم يتكرر السيناريو نفسه يوم عيد الأضحى عندما قذف شاطئ سيدي رحال نواحي برشيد حوالي ثلاثة أطنان من الكوكايين ملفوفة بشكل احترافي.
والظاهر أن المهربين حاصرتهم عناصر خفر السواحل فاضطروا للتضحية بالبضاعة لتخفيف الوزن والإفلات بجلودهم في عرض البحر.
والمغرب لا يرد فقط في مسلسلات نيتفليكس بل أيضا في مذكرات المخبرين السابقين، وقد كشف عميل إسباني متقاعد، يقول إنه عاش في المغرب أكثر من ثلاثة عقود، عن تفاصيل مثيرة تتعلق بعالم عصابات تهريب الكوكايين من جنوب أمريكا إلى أوروبا مرورا بالمغرب، وكيف التقى بابلو إسكوبار شخصيا في لقاء سري احتضنته مدينة الدار البيضاء سنة 1992 عندما كان بابلو يحاول فتح فرع لشبكته في المغرب، وكيف أقنعه الشرطي الإسباني بالتخلي عن هذه الفكرة والاكتفاء بالتعامل مع شركائه الغالسيين الإسبان.
ويحكي كاماينو بأنه بمجرد أن دخل إلى القصر الفاخر في جنوب الدار البيضاء، حتى ألقى عليه أحدهم التحية قائلا «أهلا أيها الإسباني الصغير، هل تعرف من أكون؟ أنا بابلو إسكوبار».
في هذا اللقاء يكشف كاماينو عن رغبة بابلو إسكوبار في فتح فرع لتجارته بالمغرب تفاديا لما سماه ابتزاز المهربين المغاربة، فكانت وجهة نظر الشرطي الإسباني معارضة مرة أخرى، بدعوى أن من شأن هذا الأمر أن يغضب الشركاء الإسبان، خصوصا الغالسيين، فما كان من إسكوبار سوى أن يقترح على المخبر كاماينو أن يشتغل معه كمستشار خاص، وأن يرافقه إلى كولومبيا.
ويحكي كاماينو «كانت لدينا تقارير استخباراتية تشير إلى قدوم إسكوبار إلى برشلونة لحضور الألعاب الأولمبية لسنة 1992، لكن الحقيقة التي كان الجميع يستبعدها هو أن يحل بالمغرب، وتحديدا في الدار البيضاء، ولا يعرف كم لبث في المغرب، غير أنه بعد عودته إلى كولومبيا قتل في دجنبر 1993».
«بابلو إسكوبار براسو جا حتى للمغرب وتحدو ليه».