حين يصبح الجيش في خدمة القضايا الاجتماعية
من الكونغو إلى بيروت.. مسار رسل رحمة بزي عسكري
منذ أن نال المغرب استقلاله، اختار ملوكه الاستثمار في الجانب الإنساني، وقبل أن يرحل إلى دار البقاء زار الملك محمد الخامس الأراضي الفلسطينية، وقدم مساعدات لمخيم اليرموك للاجئين والذي كان يؤوي مئات الفلسطينيين المطرودين من بلدهم، وعلى نفس طريق الخير بنت سواعد مغربية بتخطيط من مهندسين مغاربة مطار غزة الدولي، ونزل الحسن الثاني في مدرجه مبشرا الفلسطينيين بالهدية التي كانت عبارة عن مطار.
منذ زمن طويل ظل الجيش المغربي حاضرا في كثير من البؤر التي تستوجب لمساته الإنسانية، فلم يعد العساكر يبادلون إطلاق النار ورد المتربصين بالوطن فقط، بل أضحت المبادرات الاجتماعية من صميم مهامهم. لذا تنوب قوافل الجيش عن المصالح المدنية في حل كثير من الأزمات داخل الوطن وخارجه.
لا تحتفظ أدبيات الجيش الملكي بالإنجازات الميدانية التي تحققت في ساحات المعارك، بل تحتفظ أيضا بإنجازاته ذات الطابع الإنساني، في ربوع العالم، فقد شارك الجنود المغاربة في مسح دموع اللاجئين في فلسطين، كما سجلوا حضورا في مصر والكونغو وفي إفريقيا الوسطى، وأخيرا من خلال الوجود المتميز في لبنان.
في كل رحلة قصة وأسرار، ومع كل تجريدة عسكرية تضحيات جسام يتداخل فيها العسكري مع الإنساني، ووراء كل مستشفى ميداني للجيش المغربي قرار سياسي يعطي للمغرب مكانته الحقيقية خاصة في الأزمات.
في هذا الملف سنسلط الضوء على البعثات العسكرية الإنسانية خارج الوطن، ونتوقف عند تفاصيلها الصغيرة، وما جناه المغرب من مكاسب دبلوماسية حين حول العساكر إلى رسل سلام.
عندما نجح مستشفى ميداني في ما فشل فيه السياسيون
قبل فاجعة ميناء بيروت قال محمد كرين، سفير المغرب في لبنان، في حوار مع إذاعة لبنان: «إن الغمامة الرمادية ما بين لبنان والمغرب لا تزال موجودة في مكان ما، لكنها لا تمس بتاتا بجوهر العلاقات ما بين البلدين الشقيقين، ولن تؤثر عليها، وقد عملنا مع كل أصحاب النيات الحسنة في لبنان والمغرب، على أن لا تتوسع هذه الغمامة رغم كثافتها».
وكانت الحكومة المغربية قد اتهمت حزب الله وراعيته إيران بتقديم دعم لوجستيكي وعسكري لجبهة البوليساريو الانفصالية، وشرعت عناصر وقيادات عسكرية من الميليشيات التابعة لطهران تتوافد على الجزائر لتقيم بشكل دوري في مخيمات تندوف جنوب الجزائر بهدف تدريب المقاتلين الصحراويين، ونقلت هذه المجموعة شحنات أسلحة وذخيرة وأدوية من جنوب لبنان إلى مخيمات تندوف.
قطع المغرب علاقاته مع إيران، لكن حبل الود ظل ممتدا بين الرباط وبيروت، خاصة في ظل العلاقات التاريخية بين البلدين، وحين انفجر ميناء العاصمة اللبنانية، كان المغاربة في طليعة المساندين للشعب اللبناني في محنته.
قبل أن ينسحب دخان الفاجعة من سماء بيروت، أعطى الملك محمد السادس تعليماته السامية لإقامة مستشفى عسكري ميداني، بهدف تقديم العلاجات الطبية العاجلة للمصابين. واستفاد من خدمات المستشفى، منذ 10 غشت الجاري، تاريخ انطلاق الخدمات بهذه المنشأة الصحية مئات المصابين، الذين تلقوا علاجات وفحوصات وخدمات طبية عديدة شملت مختلف التخصصات.
وخفف المستشفى الميداني من الاحتقان الذي ساد العلاقات المغربية اللبنانية، خاصة أزمة التأشيرات، التي كانت جزءا من مضاعفات القلق المغربي من حزب الله، إذ أصبحت تخضع لدراسة وقرار في الرباط، وليس على مستوى السفارة المغربية في لبنان، تفاديا لتوغل لا يخدم أمن وسلامة الوطن.
ولعب المستشفى الميداني دورا كبيرا في تذويب جليد الخلاف، وتبين أن الجيش يمكنه أن يلعب دور الدبلوماسية الموازية، على غرار دور المجتمع المدني والمثقفين في تمتين عرى العلاقات بين البلدين.
وقال أحمد محيي الدين، الصحافي اللبناني بجريدة «النهار» اللبنانية الشهيرة، وهو متزوج من مغربية تقيم في الرباط: «إن المغرب لبى نداء الإنسانية من خلال المبادرة الملكية السامية تجاه لبنان وشعبه. هذا ليس جديدا على المملكة المغربية أن تتضامن قلبا وقالبا مع بلد منكوب، دون الاكتراث لأي معيقات أو قضايا خلافية. واليوم يشهد المستشفى الميداني المغربي في مدخل بيروت الشمالي توافدا للعشرات من المرضى، الذين يحصلون على العلاج والأدوية اللازمة. هذه المبادرة نالت الإشادة من الشارع اللبناني، إذ عدها موقفا تضامنيا ببعده الإنساني والأخوي، والأهم من كل هذا أنها لا مشروطة».
كورونا يمدد مقام بعثة عسكرية في الكونغو الديمقراطية
جددت مهام التجريدة المغربية ضمن بعثة سلام أممية وجرى تمديد مقامها في الكونغو الديمقراطية، بعدما حددت سلفا في ستة أشهر، حيث اضطر أفراد قواتنا المسلحة إلى تأجيل العودة بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد.
واضطر المغاربة من القبعات الزرق التابعة للأمم المتحدة إلى البقاء مدة أطول في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بسبب القيود المفروضة لمواجهة الوباء، وإغلاق المجال الجوي، حيث كان يعمل المئات من الجنود المغاربة ضمن «مونوسكو»، وهي بعثة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقالت البعثة على موقعها الرسمي إنه كان من المقرر أن يبقى جنود حفظ السلام المغاربة في منطقة إيتوري لمدة ستة أشهر فقط، لكن طال بهم المقال لأشهر إضافية وتغيرت طبيعة مهامهم بسبب الوباء. حيث أقام الفوج الأول للانتشار السريع للقوات المسلحة الملكية ببلدة تشابي، حيث ظل يقدم مساعدات طبية كما قام بتوزيع أدوات مدرسية على أطفال البلدة، لكن دوره الإنساني ركز على التحسيس بمضاعفات الاستخفاف بكورونا، عبر دوريات لاقت ترحيبا واستحسانا كبيرين من طرف السكان المحليين.
ونوه الجنرال كوستا نفيس، قائد قوة المونيسكو، أثناء زيارة تفقدية إلى البعثة العسكرية المغربية، بازدواجية المهام بين الجانب العسكري لحفظ السلام والجانب الإنساني والطبي، مشيدا بالمستوى العالي والاحترافي الذي تقوم به قواتنا المسلحة في صد الهجمات التي تستهدف المدنيين وحفاظها على السلم والأمن العام، علما أن بعض الجنود المغاربة تعرضوا لهجمات من المتمردين ألزمتهم الخضوع لعمليات جراحية. وتقوم القوات المغربية بدوريات على طول الطريق الوطنية بين مدينتي بونيا وبيتسو. وتشهد عمليات تنسيق وتواصل مع القوات المسلحة لدولة الكونغو وممثلي السكان المحليين لضمان الأمن والسلام بالمنطقة، حيث ساهمت المصالح الصحية العسكرية المغربية في نقل وإسعاف واحد وثلاثين جنديا كونغوليا أصيبوا جراء الاشتباكات.
جنود مغاربة يقدمون أرواحهم حماية لأهالي إفريقيا الوسطى
«بوجود أفراد التجريدة المغربية في بلدته، يستطيع هذا الطفل أن يدرس وهو يستشعر الأمان التام كحال الكثير من أطفال إفريقيا الوسطى بمناطق انتشار عناصر القوات المسلحة الملكية المغربية»، هكذا صرح حاكم قرية كومبو، شرق إفريقيا الوسطى.
وأكدت بلاغات البعثة العسكرية أن جنود القبعات الزرق المغاربة العاملين ضمن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا)، قد قادوا وبنجاح، عملية تحرير 15 رهينة من أيدي مجموعة مسلحة، يشتبه في أنها تابعة للمتمردين الأوغنديين.
وأضافت أنه في عملية وصفتها الصحافة المحلية «بالقوية»، نفذت فرقة مشتركة تتكون من القبعات الزرق التابعين للقوات المسلحة الملكية والقوات المسلحة لإفريقيا الوسطى، وبنجاح، عملية لتحرير رهائن آخرين عددهم 15 شخصا تم اختطافهم واقتيادهم إلى مناطق كثيفة الأشجار من قبل مجموعة مسلحة تعرف بـ«جيش الرب للمقاومة»، وبعد تحرير الرهائن تمت إعادتهم سالمين إلى قريتهم.
وأشاد أنجي مكسيم كازاكوي، الوزير المتحدث باسم حكومة إفريقيا الوسطى، خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة بانغي بشكل مشترك مع بعثة «مينوسكا»، بجهود البعثة ودور المغاربة في الجمع بين حفظ السلام وعلاج الأهالي. وقال إن عناصر القبعات الزرق المغاربة العاملين ضمن البعثة ينتشرون في الغالب بالمناطق الأكثر خطورة، ويتمتعون بسمعة طيبة، سواء داخل البعثة أو لدى السلطات الحكومية.
وكانت البعثة قد فقدت جنديا مغربيا يدعى الزيتوني، قتل على يد ميليشيا «أنتي بالاكا» في حي توكويو ببانغاسو، جنوب شرقي جمهورية إفريقيا الوسطى. ووفق أنجي مكسيم، فإن الجندي المقتول كان يعتزم العودة بعد الانتهاء من مهامه في تجريدة القوات المسلحة المغربية بإفريقيا الوسطى، وأنه كان يحضر لحدث ولادة ابنه، لكن الموت خطفه.
وقبل مقتل الجندي الزيتوني، صرع جندي آخر برتبة أكبر، هو مبارك عزيز، الذي كان يرأس الفرقة التي تعرضت للكمين، وينحدر من منطقة جنوبية بالمملكة، وكانت جثته مفقودة قبل أن تعثر عليها قوات الأمم المتحدة وتسلمها إلى أفراد التجريدة المغربية.
الحسن الثاني يوشح أفراد التجريدة المغربية للزايير بميداليات الشرف
في سنة 1979، وجه الملك الراحل الحسن الثاني خطابا إلى الشعب المغربي، برر من خلاله أسباب نزول معركة الزايير، وكشف مسببات إرسال قوات مغربية إلى إقليم شابا في عمق الأدغال الإفريقية، في دولة أصبحت اليوم تحمل اسم الكونغو الديمقراطية، إذ بلغ عدد المظليين المغاربة 1500 جندي مغربي، وبرر الملك الراحل المشاركة المغربية بعمق العلاقات الطيبة التي كانت تجمعه بالرئيس الزاييري موبوتو سيسي سيكو، الذي وصفه بصديق المغرب، وأيضا للالتماس الذي تقدم به سيسي شخصيا.
عين الملك الحسن الثاني الكولونيل بن عبد الواحد على رأس التجريدة المغربية بالزايير ووصفه بالرجل الشجاع، في الوقت الذي كان فيه كبار قيادات الجيش منهمكين في خوض غمار حرب شرسة في الصحراء، في تلك الفترة. وأعطى الملك بصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة الملكية أوامره بنقل العتاد العسكري من ثكنات الجنوب إلى الزايير.
يحكي عزوز المطروجي الذي عاش هذه التجربة كممرض: «انتقلنا عبر طائرة بوينغ 727 فرنسية إلى مدينة لوبومباشي، عاصمة إقليم شابا الزاييري، قضينا ساعات من التحليق بين أكادير وليبروفيل ومنها إلى لوبومباشي. حيث قضينا 15 شهرا، قبل أن تتقرر العودة إلى الرباط، وفي الطريق كادت الأمور أن تأخذ منحى دراميا، حين نزلت الطائرة اضطراريا في مطار داكار بالسينغال إثر إصابة محركها بعطب. بعد الوصول إلى مدينة الرباط، كانت شاحنات نقل عسكرية تنتظر القوات المغربية العائدة بنصف خسارة من الزايير، لتنقلها إلى مدينة إفران هناك قدمت عرضا استعراضيا أمام الملك، الذي وشحنا بميداليات على صدورنا».
قدم قائد التجريدة أمام الملك خلاصة للمهمة العسكرية، حيث تمكن المغاربة من وقف التمرد، لكن الجيش المغربي فقد قائدا فذا في شخص العقيد عبد الخالق المدني، والذي كان من أبطال هذه الحرب، حيث سالت دماؤه الغالية في أدغال إقليم شابا وبكاه جنوده في ما تبقى من أيام المعركة، كما توفي الجندي المغربي الجيلالي بن عبد الله بن اعزة، والد رئيس الهيئة المستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان بالصحراء.
بعد ثلاثة عقود عاد المغاربة إلى الكونغو الديمقراطية، التي تخلصت من رئيسها السابق بتمرد عسكري، وغيرت الاسم والعلم والنشيد. وجود المغرب مرة أخرى في أدغال هذا البلد، الغارق في الحروب ضد الفقر والتفرقة، أملته الأمم المتحدة التي أرسلت كتائب القبعات الزرق إلى المنطقة الشرقية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، لتحقيق الاستقرار في بلدة صغيرة تدعى دونغو.
شيخ الطريقة الكتانية ضمن بعثة عسكرية
في 18 فبراير 2009، استقبل الملك محمد السادس بمسجد القرويين بفاس، عبد اللطيف الشريف الكتاني، وعينه شيخا للطريقة الكتانية، جريا على عادة أسلافه في تدبير الشأن الديني والقائمين عليه بمن فيهم شيوخ الزوايا، حيث انتهى اللقاء بمنح الظهير الشريف لمشيخة الطريقة الكتانية لعبد اللطيف الشريف الكتاني، وهو من مواليد 1931. وكان يشغل منصب مستشار لدى البنك الإسلامي، إلى أن تم تعيينه شيخا للطريقة الكتانية.
التقى عبد اللطيف الملك الحسن الثاني في أكثر من مناسبة، وحاز ثلاث مرات على أوسمة ملكية، وسام الرضى من الدرجة الأولى في مارس سنة 1974، ووسام الرضى من الدرجة الممتـازة في الشهر نفسه سنة 1979، ثم وسام العرش من درجة فارس في شهر مارس 1992، وكل هذه الأوسمة نالها في عيد العرش.
ظل عبد اللطيف حاضرا في القصر الملكي، كلما تعلق الأمر بالشأن الديني، بل إن الحسن الثاني دعاه على عجل إلى القصر، وطلب منه المشاركة في تعميق جذور الحوار والتسامح والتعايش بين الديانات السماوية في جمهورية الزايير، بموازاة مع العمل الذي قامت به التجريدة المغربية هناك، فاستجاب للطلب.
كما عينه على رأس المركز الإسلامي الثقافي لإيطاليا، حيث قضى بها ما يزيد عن ثماني سنوات، وحين التقاه الملك الحسن الثاني منحه تعيينا بدرجة وزير مفوض، حيث كان يحظى بتقدير كبير لدى حاضرة الفاتيكان، وبعلاقة متميزة مع البابا بصفة خاصة. ونهل عبد اللطيف معارفه العلمية، من والده العلامة الشيخ محمد الطيب الشريف الكتاني، الذي كان يتوفر على مكتبة غنية بأمهات الكتب.
تعيين قائد التجريدة العسكرية لمصر أثناء الدروس الحسنية
عندما دقت طبول الحرب في الشرق الأوسط، زار اللواء المصري سعد الدين الشاذلي المغرب في غشت 1973، حيث التقى بالملك الحسن الثاني، ملتمسا منه مشاركة الجيش المغربي في معركة استرجاع صحراء سيناء. وافق الملك على المقترح ودعاه للقيام بزيارة تفقدية إلى مختلف الثكنات والقواعد العسكرية المغربية، للوقوف على احتياجات الجيش المصري.
قال الحسن الثاني في حوار صحفي سلط فيه الضوء على لقائه مع الشاذلي: «زارني اللواء سعد الدين الشاذلي في أواخر شهر غشت، وقال لي إن القوات المسلحة المصرية تتمنى أن يرسل المغرب تجريدة عسكرية تقف معها على الجبهة، وحدد نوعية الأسلحة، وقد استجبنا لهذا الطلب وأخذنا نهيئ القوات المطلوبة، وكان تخطيطنا أن تصبح التجريدة العسكرية المغربية كاملة العدة والتدريب في شهر نونبر، فإذا بالحرب تنشب يوم سادس أكتوبر، ولم تكن جاهزة لا من ناحية العدد ولا من ناحية التدريب، فاضطررت إلى أخذ ثلاث وحدات من القوات المسلحة الملكية وأرسلتها فورا بواسطة جسر جوي مغربي، استخدمنا فيه حتى طائرات البوينغ والكارافيل المدنية التي نملكها».
كان الكولونيل ماجور حسن الحاتمي يتابع الدروس الحسنية الرمضانية في المسجد الملحق بالقصر الملكي، وصل خبر اندلاع الحرب في سيناء والجولان، فأخبر الحسن الثاني الحاضرين، وألقى كلمة حول الجهاد والاستشهاد في سبيل الله. وبعد صلاة المغرب توصل الحاتمي بدعوة من القصر، حيث تلقى من الملك تعليمات بالسفر فورا إلى الجبهة المصرية، وحدد معه موعدا لمراسيم توديع التجريدة المغربية، وخلالها تسلم القائد العسكري علم اللواء من الحسن الثاني، وهو يتحدث عن شرف الاستشهاد.
قال الحاتمي إنه ظل على اتصال يومي مع الملك الحسن الثاني ينقل إليه تفاصيل يوميات الجنود المغاربة، خاصة مشكلة اللباس العسكري، إذ عندما وصل الجنود المغاربة إلى معسكر يبعد عن القاهرة ببضعة كيلومترات، طلب منهم الضباط المصريون تغيير لباسهم العسكري الأخضر، حتى لا يتطابق مع لباس الجنود الإسرائيليين الذين كان لباسهم العسكري باللون الأخضر نفسه تقريبا، فتم الحسم في الأمر بعد استشارة مع الملك.
وعلى الرغم من الصراع الذي كان قائما بين المغرب والجزائر، فإن الحرب جمعت الجيشين في جبهة واحدة، كما جاء في كتاب «الجيش المغربي عبر التاريخ» لمؤلفه المؤرخ عبد الحق المريني.
بعد عودته من مصر، عين الملك القائد الحاتمي في مهمة دبلوماسية، كملحق عسكري للأميرة لالة عائشة، لما تقلدت مهام سفيرة المغرب بالمملكة المتحدة، كما عين سفيرا للمملكة المغربية في الكونغو كينشاسا، ومديرا عاما لمكتب السكنى العسكرية. ومن المفارقات الغريبة أن ينتقل إلى عفو الله يوم 12 غشت 2012، في ذكرى زيارة اللواء الشاذلي إلى المغرب.
«قضية الكتاني» تنهي حياة قائد تجريدة عسكرية
حسب رواية الجيلاني طهير، الباحث في تاريخ أولاد حريز، فإن الملك محمد الخامس قد أمر في شهر أبريل 1956، ولي العهد مولاي الحسن بتأسيس الجيش الملكي. «وفي شهر ماي 1956 استدعي الكتاني بن حمو من ألمانيا، وتمت ترقيته إلى جنرال دو بريكاد، وعهد إليه بتأطير النواة الأولى من الضباط لهيئة الأركان بالقوات المسلحة الملكية، قبل تخرج أول فوج من الضباط الشباب من المدرسة العسكرية تحت قيادته».
بعدما أنجز هذه المهمة بتقدير جيد، كلفه الملك محمد الخامس بمهمة في الكونغو، بعدما طلب باتريس لومومبا من الملك المغربي مساهمة القوات المسلحة الملكية في الدفاع عن الشرعية السياسية بالكونغو تحت راية الأمم المتحدة. واستجاب الملك الراحل لندائه وعين الكتاني لهذه المهمة، واصطحب معه الضابط عبد الله القادري.
أسندت للقوات المغربية مهام تتعلق بدعم الحكومة الوطنية التي يشرف عليها باتريس لومومبا، والإشراف على تكوين النواة الأولى للجيش الكونغولي، حيث وقع اختياره على ضابط الصف موبوتو سيسيكو، الذي سيصبح في ما بعد رئيس دولة الزايير. راهن الاستعمار على جوزيف موبوتو، الذي اعتقل باتريس لومومبا وأعضاء حكومته وسلمهم إلى تشومبي الذي أشرف على اغتيالهم، تحت أنظار القوات الأممية تحت إمرة الجنرال الكتاني، الذي كان له موقف سلبي تجاه الأحداث.
قالت جريدة «التحرير» يوم الجمعة 24 فبراير 1961، إن الحكومة المغربية طلبت من الكتاني إعداد تقرير في موضوع المهمة الإفريقية، وإن الجنرال ربما قدم استقالته بعد التصريحات التي أدلى بها لجريدة «لوموند» الفرنسية، وصف فيها موبوتو بالرجل الوحيد القادر على قيادة الجيش الكونغولي، وتساءلت كيف يعقل أن يتبنى الكتاني رجلا عميلا للاستعمار والإمبريالية؟. أما جريدة «العلم» فطالبت، يوم السبت 25 فبراير 1961، بالتحقيق مع الجنرال الكتاني ومحاكمته إن أثبت التحقيق ما يدينه.
توفي الجنرال الكتاني بعد فقدان الوعي، وأجمع رفاق دربه، بأنه «رجل شريف، عاش متواضعا، لم يهتم بغير مشواره العسكري، لم يبحث قط عن الثراء، ولم يترك أي ثروة»، هكذا يلخصون سيرته الذاتية.
حين عين ضابط عسكري سفيرا للمغرب في فلسطين
في ظل الاحتقان الذي ميز العلاقات المغربية الفلسطينية، تلقى عبد السلام سيناصر، ابن الجهة الشرقية، إشعارا بالانتقال إلى القصر، كان ذلك في منتصف سنة 1994، وعلى الفور علم بتعيينه رئيسا لمكتب الاتصال للمملكة المغربية بفلسطين. وافقت السلطات الفلسطينية على التعيين، بالرغم من وجود عسكري على رأس الدبلوماسية المغربية، فقد كان عبد السلام يحمل على كتفيه رتبة عقيد.
في الفترة التي قضاها عبد السلام منذ 1994 إلى غاية 2008، كممثل للمملكة، أصبح سيناصر عميدا للسلك الدبلوماسي العربي والأجنبي بفلسطين، وهو ما مكنه من الحصول على نجمة القدس من الدرجة الأولى، التي سلمها إليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لدوره في تعزيز العلاقات الفلسطينية -المغربية، ونالها بعد انتهاء مهامه وتحديدا في سنة 2010، وهو أرفع وسام في فلسطين ويمنح عادة لرؤساء الدول والحكومات، وذلك تكريما لجهوده العظيمة خلال توليه لهذا المنصب.
كان الفقيد قد عينه الملك الراحل الحسن الثاني أول رئيس لمكتب الاتصال المغربي بفلسطين، بعد اتفاقيات أوسلو، وكان حينها برتبة كولونيل ماجور، وظل صلة وصل بينه وبين ياسر عرفات.
وقال القيادي الفلسطيني محمد سالم القدوة في تأبين عبد السلام: «لقد كان الفقيد سيناصر الشخصية المقربة من قلوبنا جميعا. ترك بصمات إنسانية واجتماعية وسياسية في علاقاته مع كافة شرائح المجتمع الرسمية والشعبية، وكان خير ممثل للمملكة المغربية على أرض فلسطين، وعمل جاهدا وبتوجيهات ملكية سامية على تعزيز العلاقات في جميع المجالات بين المغرب وفلسطين، ويتمتع في الوقت نفسه باحترام منقطع النظير في الشارع الفلسطيني، وكان دائما لا ينقطع بزياراته المتكررة للرئيس القائد ياسر عرفات حتى في أدق وأصعب الظروف».
بعد انتهاء مهامه، عاد إلى المغرب، ونال ترقية من العاهل المغربي الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، في ساحة مشور القصر الملكي بتطوان، حيث رقى محمد عبد السلام سيناصر إلى رتبة جنرال دوبريغاد.
الحسن الثاني يرسل مساعدات لمنكوبي زلزال ليبيا
ضرب زلزال بلغت قوته حوالي 5.3 درجات على سلم ريختر، مدينة المرج الليبية مساء الخميس 21 فبراير 1963، اعتبر من أعنف الكوارث الطبيعية التي شهدتها ليبيا في تاريخها المعاصر.
كان مركز الزلزال «قرية سيدي دخيل» بالقرب من الجبل الأخضر، وخلف وفاة 243 شخصا وجرح المئات. كما أسفر عن أضرار مادية جسيمة في المباني والممتلكات تسببت في تدمير المدينة، والتي أصبحت الآن أطلالا بعدما هجرها سكانها، عقب الزلزال، إلى مدينة المرج الجديد الحالية.
ولأن المغرب كان يرمم جراح زلزال أكادير، فإن الملك الحسن الثاني استدعى فور علمه بخبر الفاجعة، كبار ضباط القوات الجوية التي كانت في طور النشأة، وطالب بوضع طائرات النقل الحربية رهن إشارة الحكومة في عملية المساعدة الإنسانية.
ربط الحسن الثاني الاتصال بملك ليبيا إدريس السنوسي، وقدم له باسم الشعب المغربي عبارات المواساة، ووعد بدعم عيني للضحايا من خلال جسر جوي بين سلا وطرابلس.
يروي الكولونيل الطيار عبد السلام بوزيان ما حصل تلك الليل الممطرة: «تلقيت مكالمة من القيادة العليا للجيش، والتحقت صباحا بالقاعدة الجوية «الرباط/ سلا»، أشعرت بتعييني من طرف الحسن الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، لقيادة الطائرة التي تحمل مساعدات المغرب لضحايا الزلزال، كما عين للمهمة نفسها كلا من البويري والحبشي ولمزوري وعريب، وتقرر حمل المؤونة عبر 12 طائرة عسكرية لكل واحدة منها مسار محدد، لكن تجميع المؤونة وإعداد الطائرات والتحضير التقني لرحلة جماعية تطلب ثلاثة أيام».
كان عبد السلام رئيسا للمكتب السادس، حيث عقد إلى جانب باقي أطقم الطائرات اجتماعا تابع تفاصيله الملك الحسن الثاني، حيث تقرر السفر يوم 26 فبراير، مع التوقف في مطارين بالجزائر وتونس قصد التزود بالوقود. على أن يكون الفاصل الزمني لإقلاع السرب هو عشر دقائق، أما زمن الرحلة فحدد في ست ساعات وخمس عشرة دقيقة.
حل سرب الطائرات المغربية بالمطار العسكري لبنغازي، وعلى الفور تم إبلاغ الحسن الثاني بتفاصيل الرحلة من طرف الكولونيل بوزيان. بعد إفراغ الشحنة طلب من المسؤول عن السرب العودة إلى المغرب، في يوم 28 فبراير، كانت الطائرات تحلق في الأجواء الجزائرية في عز الاحتقان السياسي بين البلدين.
لكن المساعدة المغربية تجاوزت حدود الأدوية والمواد الغذائية، إلى جوانب تقنية على خلفية التجربة التي راكمها المغرب من مضاعفات زلزال أكادير، حيث حل وفد إيطالي بالمغرب وتعرف في مدينة أكادير على جهود إعمار منطقة ضربها الزلزال، وبناء عليه قررت الحكومة الليبية بناء مدينة جديدة على بعد خمسة كيلومترات من المدينة القديمة، واكتمل بناء المرج الجديد عام 1970. أي بعد الانقلاب على ملك ليبيا فدشنها معمر القذافي.