عبد اللطيف المناوي
هل نحن شعوب سعيدة؟ هل السعادة مرتبطة بمرحلة سنية معينة؟ هل ترتبط بالحالة الاجتماعية والاقتصادية للشعوب والأفراد؟
في الواقع، إن الإجابة عن مثل هذه التساؤلات تظل نسبية، لكن يمكنني التعليق بشكل شخصي تحليلي على نتائج مؤشر السعادة العالمي لهذا العام (2024).
التقرير يشير إلى أمر في غاية الغرابة، سيما بخصوص ارتباط السعادة بالعمر، إذ يؤكد أن مستويات السعادة والرضا آخذة في التراجع لدى الشباب، فيما ترتفع عند من تقدموا في السن!
المؤشرات السابقة كانت دائما تشير إلى أن الشباب من سن 15- 24 عاما يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة من كبار السن، مع اتجاه مستويات السعادة إلى الانخفاض بعد سن 24 عاما، ثم عودتها إلى التحسن في منتصف العمر.
ولكن العكس هو ما رأيناه في نتائج المؤشر الحالي، الذي يقلب الأمور رأسا على عقب.
وأظن أنه مع ما يحدث في العالم منذ حوالي ربع قرن، فإن من الطبيعي أن حالة الرضا والسعادة لدى فئة صغار السن أو الشباب تتراجع، مقارنة بالكبار.
ما يشهده العالم من حروب وصراعات وتطور تكنولوجي هائل حدد مآلات واتجاهات الأجيال الأحدث سنا نحو مسار يعتمد على ضعف الخيال، وضعف الابتكار، وقلة الحيلة أمام ما تقدمه التقنيات الجديدة للحياة، ما جعل فكرة تحقيق الإنجاز الشخصي الذي هو أحد مسببات السعادة تتراجع، وبالتالي تتراجع معها السعادة.
واعتبر المؤشر أن جيل «البومرز» أو جيل الطفرة السكانية (مواليد 1946 إلى 1964)، هو الأكثر سعادة، مقارنة بجيل الألفية (مواليد 1981 إلى 1996)، أو حتى جيل (z) الأحدث سنا.
مسألة ارتباط السعادة بالسن لم تفرق بين دول متقدمة ناهضة اقتصاديا واجتماعيا، وبين دول أخرى نامية أو حتى متأخرة على كافة المستويات. نعم هناك سعادة أوروبية، وحزن شرق أوسطي، فقد شهدت دول وسط وشرق أوروبا ارتفاعا حادا في مستويات السعادة بين كل المراحل العمرية، كما هو الحال بالنسبة إلى دول الاتحاد السوفياتي السابقة وشرق آسيا، فيما يخيم الحزن والكآبة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع تراجع مستويات السعادة، لكن تظل فكرة تراجعها أكثر عند الشباب مسيطرة على كل المجتمعات.
ورغم ارتفاع مستويات الرفاهية بين الشباب في معظم أنحاء العالم، شهدت أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وجنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، انخفاضا في مستوى الرضا عن الحياة لدى الفئات نفسها.
هل الجائحة هي السبب؟ هل الحروب هي السبب؟ هل قلة مساحات الحرية هي السبب؟
الحقيقة أن الأسباب متعددة، ولكن ربما لا يمكن بلوغ السعادة دون بناء مجتمعات قوية، وهذا يشير إلى أن المجتمعات حاليا ليست كمثيلاتها في السابق، حيث يسيطر القلق على كل مناحي الحياة، ويبدو أيضا أن الأجيال الأكبر سنا قد وصلت إلى درجة معينة من الرضا بما عاشوه في حياتهم، جعلت نظرتهم للحياة أكثر حكمة، ومن يصل إلى الحكمة يعش سعيدا.