شوف تشوف

الرئيسيةحوارسياسية

حنفي يعرض الدور الاستراتيجي للمغرب في تعزيز سلام مستدام للبلدان الإفريقية

«المبادرة الملكية للمحيط الأطلسي تمثل رؤية استراتيجية لتعزيز التكامل الاقتصادي والاستقرار السياسي بإفريقيا»

حاوره: النعمان اليعلاوي 

 

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه القارة الإفريقية، يتصدر موضوع تحقيق السلام والاستقرار قائمة الأولويات، خاصة في ظل الأزمات الأمنية والاقتصادية المتشابكة. ورغم الجهود الإقليمية والدولية، ما زالت العديد من الدول الإفريقية تعاني من النزاعات المسلحة، ضعف الحوكمة، والتدخلات الخارجية التي تعرقل مسار التنمية المستدامة.

في هذا السياق، تبرز المبادرة الملكية للمحيط الأطلسي كخطوة استراتيجية لتعزيز التكامل الاقتصادي والاستقرار في الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، وذلك من خلال مشاريع تنموية كبرى وتعاون أمني واقتصادي فعال.

لمناقشة هذه القضايا بعمق، استضاف نادي روتاري الرباط، ندوة أكاديمية أطرها زكرياء حنفي، الخبير في الشؤون الإفريقية، ومدير المركز المغربي للبحث والترقب الجيوسياسي، من أجل الحديث عن التحديات التي تواجه القارة السمراء في تحقيق سلام مستدام، ودور المبادرات الإقليمية، وخاصة المبادرة الملكية للمحيط الأطلسي، في تعزيز الأمن والتنمية.

وفي هذا الحوار نعيد مع الأستاذ حنفي الوقوف على أبرز القراءات المرتبطة بالعلاقات الاستراتيجية بين المغرب والبلدان الإفريقية بالساحل وجنوب الصحراء، تركيزا على الدور الأساسي الذي تلعبه المملكة في تعزيز أمن واستقرار بلدان القارة، والروابط المتينة التي تجمع المغرب بتلك البلدان، وهي التي تزداد تعزيزا بالمبادرة الملكية لولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي.

 

 

  • ما هي التحديات التي تواجه الدول الإفريقية في تحقيق سلام مستدام؟

هناك تحديات متعددة، من بينها ضعف المؤسسات، التدخلات الأجنبية، انعدام التنمية الاقتصادية، وتصاعد الإرهاب والجريمة العابرة للحدود. الحل يكمن في تعزيز الحوكمة الرشيدة، الاستثمار في التنمية البشرية، وتطوير البنى التحتية، مع الحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما أكد عليه القانون الدولي.

العديد من الدول الإفريقية تعاني من ضعف الحوكمة والفساد الإداري، مما يقلل من فاعلية المؤسسات الأمنية والقضائية في تحقيق العدالة وإنفاذ القانون، إضافة إلى عدم قدرة الحكومات على توفير الأمن والخدمات الأساسية، يؤدي إلى فقدان الثقة الشعبية، وانتشار الحركات الانفصالية والمتمردة، وأيضا غياب العدالة الاقتصادية والتوزيع غير المتكافئ للثروات، يؤدي إلى تفاقم النزاعات الداخلية بين المجموعات العرقية والسياسية.

 

  • ما الدور الذي يمكن أن تلعبه المبادرة الملكية للمحيط الأطلسي في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة؟

المبادرة الملكية للمحيط الأطلسي تعتبر خطوة مهمة لتعزيز التعاون بين الدول الإفريقية الأطلسية، حيث تهدف إلى تحفيز التنمية الاقتصادية والاستقرار عبر مشاريع استراتيجية، مثل خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب. هذه المشاريع يمكن أن توفر بديلا اقتصاديا للشباب، ما يسهم في الحد من انضمامهم إلى الجماعات المسلحة.

المبادرة الملكية للمحيط الأطلسي تمثل رؤية استراتيجية لتعزيز التكامل الاقتصادي والاستقرار السياسي في القارة الإفريقية، وخاصة في الدول المطلة على المحيط الأطلسي. هذه المبادرة يمكن أن تلعب دورا حاسما في تحقيق السلام والاستقرار من خلال عدة محاور رئيسية.

أولا، تسهم المبادرة في دعم التنمية الاقتصادية كوسيلة لمكافحة العوامل المغذية للنزاعات، مثل الفقر والبطالة. فمن خلال تشجيع الاستثمارات وبناء مشاريع بنى تحتية كبرى، مثل خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، تفتح المبادرة آفاقا جديدة للنمو الاقتصادي، مما يقلل من مخاطر التوترات السياسية والاجتماعية.

ثانيا، تسعى المبادرة إلى تعزيز التعاون الأمني بين الدول الأطلسية الإفريقية، من خلال تبادل المعلومات الأمنية، وتنسيق الجهود لمحاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود. فعدم الاستقرار في منطقة الساحل، مثلا، يشكل تهديدا مباشرا للأمن الإقليمي، والمغرب بموقعه وخبرته الأمنية يمكن أن يلعب دور الوسيط في إيجاد حلول فعالة.

ثالثا، تستند المبادرة إلى البعد الثقافي والتاريخي المشترك بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء. المغرب لطالما كان شريكا استراتيجيا للدول الإفريقية، ويعتمد في تعاونه على روابط دينية وثقافية قوية، سيما من خلال نشر الإسلام المتسامح المستوحى من المذهب المالكي والطريقة الصوفية. هذه الروابط تعزز من جهود الوساطة المغربية في حل النزاعات بطرق سلمية.

أخيرا، توفر المبادرة إطارا عمليا لتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية، عبر آليات للتعاون في مجالات حيوية مثل الأمن الغذائي، الطاقات المتجددة، والتعليم. فالتنمية المستدامة ترتبط ارتباطا وثيقا بالاستقرار السياسي، وعبر المبادرة، يمكن للمغرب أن يكون جسرا يربط بين إفريقيا وأوروبا، ويوفر حلولا عملية لمشاكل مستعصية تواجه القارة.

 

ماذا يمكن أن تقدم المبادرة الملكية الأطلسية في دعم التكامل الاقتصادي الإفريقي؟

المبادرة الملكية الأطلسية تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، من خلال دعم البنية التحتية، تطوير القطاعات الإنتاجية، وتشجيع التجارة الحرة. هذا التكامل سيسهم في خلق فرص اقتصادية جديدة، وتحقيق الاستقرار عبر تعزيز الترابط الاقتصادي بين الدول.

في ميدان الاستثمار، ستوفر المبادرة بيئة مواتية لتعزيز المشاريع الصناعية والزراعية، من خلال دعم الأمن الغذائي عبر تطوير أنظمة زراعية حديثة واستثمارات استراتيجية في الأسمدة، مستفيدة من التجربة المغربية في هذا المجال. كما أن دعم سلاسل القيمة الزراعية والصناعية، سيمكن من رفع الإنتاجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من الدول الأطلسية. البنية التحتية بدورها تشكل عاملا أساسيا في نجاح التكامل الاقتصادي، حيث تسعى المبادرة إلى تعزيز الربط بين الدول الإفريقية عبر الطرق والموانئ والممرات الاقتصادية الجديدة، إضافة إلى تطوير الاقتصاد الرقمي الذي سيتيح فرصا غير مسبوقة للنمو والتعاون في مجالات التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية.

وعلى المستوى المالي، يتوقع أن تعمل المبادرة على تعزيز التكامل المالي عبر دعم إنشاء آليات تمويل مشترك، وتسهيل عمليات الدفع بين الدول الإفريقية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين البنوك الإفريقية والمؤسسات المالية لدعم المشاريع التنموية وتشجيع رواد الأعمال. أما في ما يخص الأمن والاستقرار، فالمبادرة تأخذ بعين الاعتبار ضرورة تعزيز الأمن البحري في المحيط الأطلسي لمكافحة القرصنة والتهريب والتجارة غير المشروعة، مما سيوفر بيئة أكثر استقرارا للاستثمار والتبادل التجاري. كما أن التعاون بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الدول الإفريقية الأطلسية سيكون عاملا أساسيا لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، مما يسهم في توفير مناخ ملائم للتنمية الاقتصادية.

بشكل عام، يمكن القول إن المبادرة الملكية للمحيط الأطلسي تمثل مشروعا متكاملا يستهدف تعزيز التكامل الاقتصادي الإفريقي عبر مقاربة شاملة تجمع بين تطوير البنية التحتية، دعم التجارة والاستثمارات، وتعزيز الأمن والاستقرار. وإذا ما تم تنفيذها بفعالية، فمن المتوقع أن تساهم في جعل الدول الإفريقية الأطلسية أكثر قدرة على تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي، وتحقيق رفاهية اقتصادية تنعكس إيجابيا على شعوب القارة.

 

  • كيف يمكن للمغرب أن يكون نموذجا في دعم التنمية والاستقرار في القارة؟

يُعتبر المغرب من الدول الإفريقية الرائدة في دعم التنمية والاستقرار في القارة، بفضل سياسته الخارجية المبنية على التعاون جنوب- جنوب، واستراتيجياته المتوازنة التي تعزز الأمن والاقتصاد والبنية التحتية. من خلال تجربته الناجحة في تحقيق الاستقرار الداخلي والتنمية الاقتصادية، أصبح المغرب نموذجا يُحتذى به للدول الإفريقية الباحثة عن تحقيق السلام المستدام والنمو الشامل.

المغرب يتمتع بتجربة ناجحة في تحقيق الاستقرار والتنمية، وهو يعمل على مشاركة هذه التجربة مع جيرانه الأفارقة من خلال مشاريع تنموية كبرى، مثل خط أنابيب الغاز، تعزيز التجارة البينية، ودعم التعليم والتكوين المهني. كما أن المملكة تعتمد سياسة خارجية مبنية على التعاون والتضامن، ما يجعلها شريكا موثوقا في تحقيق التنمية المستدامة في إفريقيا.

وعموما يُثبت المغرب أنه نموذج يُحتذى به في التنمية والاستقرار في إفريقيا، من خلال سياساته الذكية، واستثماراته الاستراتيجية، ودعمه للأمن والتعليم والصحة. عبر تعزيز التعاون جنوب-جنوب، ونقل الخبرات الاقتصادية والأمنية، والمساهمة في حل النزاعات، والمشاركة في مشاريع تنموية كبرى، يواصل المغرب ترسيخ مكانته كشريك أساسي في بناء إفريقيا مزدهرة ومستقرة.

 

  • كيف يؤثر التاريخ المشترك بين المغرب وإفريقيا في دعم السلام والاستقرار؟

المغرب لديه روابط تاريخية وثقافية قوية مع دول غرب إفريقيا والساحل، تعود إلى العصور الوسطى عبر التبادل التجاري، ونشر الإسلام المالكي المتسامح. هذا الإرث التاريخي يمنح المغرب ميزة في تقديم نموذج تنموي وشراكات اقتصادية متوازنة مع جيرانه الأفارقة، وهو ما تعكسه جهوده في دعم التعليم والتكوين المهني في عدة دول إفريقية.

منذ القرن الثامن الميلادي، شكلت القوافل التجارية بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء حلقة وصل اقتصادية مهمة، حيث كانت مدينة سجلماسة نقطة انطلاق القوافل نحو تمبوكتو المالية، مما أدى إلى ازدهار اقتصادي متبادل. هذا الإرث الاقتصادي يعزز من إمكانية تحقيق تكامل اقتصادي حديث بين المغرب والدول الإفريقية، وهو عامل أساسي في تحقيق الاستقرار، إذ تساهم التنمية الاقتصادية في تقليل النزاعات الاجتماعية والسياسية.

كما أن انتشار الإسلام المتسامح المستوحى من المذهب المالكي والطريقة الصوفية كان له تأثير كبير في توحيد المجتمعات الإفريقية، ونشر قيم السلم والتعايش. المغرب، بفضل مكانته الدينية والعلمية، يساهم في دعم الاستقرار من خلال تكوين علماء الدين الأفارقة في مؤسسات مثل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة، ما يساعد على التصدي لخطابات التطرف والإرهاب في القارة.

ونظرا إلى التحديات الأمنية التي تواجه إفريقيا، مثل الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، فإن المغرب يستفيد من علاقاته التاريخية لتنسيق الجهود الأمنية مع شركائه الأفارقة، سواء عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية أو تقديم الدعم اللوجستي والتدريبي.

 

  • كيف يمكن تقييم الجهود المبذولة من قبل المنظمات الإقليمية مثل «الإيكواس» في تعزيز الأمن والاستقرار في إفريقيا؟

إن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «الإيكواس» تلعب دورا رئيسيا في محاولات تحقيق الأمن والاستقرار، من خلال تطوير إطار تنظيمي يهدف إلى دعم إصلاح أنظمة الأمن في دول غرب إفريقيا. ورغم الجهود المبذولة، ما زالت هناك تحديات كبيرة تتعلق بالتمويل والقدرة على فرض قراراتها على الدول الأعضاء، ما يستدعي تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى لتحقيق نتائج ملموسة.

 

  • كيف يمكن تحسين حوكمة القطاع الأمني في إفريقيا لمواجهة التحديات الحالية؟

هناك حاجة ماسة إلى إصلاح شامل لحوكمة القطاع الأمني في إفريقيا، وذلك عبر تعزيز الشفافية، تكوين قوات أمنية محترفة ومحايدة، والحد من التدخلات الخارجية. الاتحاد الإفريقي لديه إطار مرجعي مهم، لكنه يواجه صعوبات مالية وتقنية تعيق تنفيذ استراتيجياته الأمنية. وهنا تأتي أهمية التعاون مع شركاء دوليين لدعم هذه الجهود.

 

  • بالنظر إلى النزاعات المستمرة في بعض الدول الإفريقية كجمهورية الكونغو الديمقراطية، ما الذي يجعل عمليات بناء السلام غير فعالة حتى الآن؟

النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية هو واحد من أكثر النزاعات تعقيدا في القارة، حيث توجد نحو 122 مجموعة مسلحة مختلفة. رغم تدخل بعثات الأمم المتحدة منذ عام 1960، إلا أن العوامل الهيكلية مثل ضعف مؤسسات الدولة، التدخلات الخارجية، وصعوبة السيطرة على الموارد الطبيعية تظل عوائق رئيسية أمام تحقيق سلام مستدام. الحل يكمن في تعزيز قدرة الدولة على توفير الأمن، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة.

 

  • ما الذي يمكن فعله لمواجهة التدخلات الخارجية التي تؤثر على الاستقرار في إفريقيا؟

أحد الحلول هو تعزيز الوحدة الإفريقية، وتقوية الآليات الدبلوماسية لحل النزاعات بشكل مستقل. كما ينبغي على الدول الإفريقية تعزيز استقلالية قراراتها من خلال بناء اقتصادات قوية وتطوير صناعاتها المحلية، ما يقلل من الاعتماد على القوى الخارجية، كما يجب تبني نهج شامل يجمع بين الحلول السياسية، الاقتصادية، الأمنية، والدبلوماسية. أولا، ينبغي تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية للدول الإفريقية من خلال تقوية مؤسساتها الوطنية، وضمان سيادة القانون، وتحقيق الحكم الرشيد، لأن هشاشة الحكومات تعد منفذا أساسيا للتدخلات الأجنبية. كما أن تطوير أنظمة ديمقراطية شفافة وتعزيز مشاركة المجتمع المدني سيمكن من تقليل النزاعات الداخلية، التي غالبا ما تستغلها القوى الخارجية لتحقيق مصالحها.

على المستوى الأمني، يجب تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي بين الدول الإفريقية عبر تقوية آليات الدفاع الجماعي، مثل مبادرات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام، والاعتماد بشكل أكبر على الحلول الإفريقية، بدلا من الاعتماد على القوى الدولية التي تتدخل غالبا وفق مصالحها الخاصة. كما أن تحسين القدرات الدفاعية من خلال التدريب، وتحديث العتاد العسكري، وتعزيز الرقابة على الحدود سيحد من تسلل الجماعات المسلحة المدعومة خارجيا.

على المستوى الدبلوماسي، ينبغي تعزيز وحدة الموقف الإفريقي في المحافل الدولية من خلال تكتلات إقليمية قوية قادرة على التفاوض بشكل جماعي أمام القوى الكبرى، بدلا من التعامل مع كل دولة على حدة، مما يجعلها أكثر عرضة للضغوط الخارجية. كما أن بناء تحالفات استراتيجية مع قوى صاعدة، مثل الصين، الهند، والبرازيل، يمكن أن يخلق توازنا يمنع الهيمنة المطلقة لأي قوة على القرار الإفريقي.

 

  • ما هو السبيل في تقديرك لتحقيق السلام والتنمية في إفريقيا؟

يجب أن يكون هناك التزام جماعي من الدول الإفريقية بتبني حلول داخلية للنزاعات، تعزيز التنمية المستدامة، والاستفادة من الشراكات البناءة مثل المبادرة الملكية الأطلسية لتعزيز التكامل الاقتصادي والسلام في القارة. لا يمكن تحقيق سلام مستدام بدون تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية توفر بدائل للأفراد، بعيدا عن النزاعات والصراعات المسلحة.

لتحقيق السلام والتنمية في إفريقيا، من الضروري أن يتجسد التزام جماعي من الدول الإفريقية باتخاذ حلول داخلية للنزاعات. هذه الحلول يجب أن تكون مبتكرة وملائمة للواقع المحلي، حيث إن استدامة السلام لا يمكن أن تتحقق دون معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، مثل الفقر، والتهميش، وغياب العدالة الاجتماعية.

تعزيز التنمية المستدامة يعد حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار طويل المدى. يجب أن تتبنى الحكومات استراتيجيات تنموية تعتمد على التنوع الاقتصادي، وتعزيز القطاعات الحيوية مثل الزراعة، والتعليم، والصحة، والبنية التحتية. من خلال هذه التنمية، يمكن خلق فرص عمل، مما يسهم في تقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء ويقلل من احتمالات تصاعد النزاعات.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الشراكات البناءة عاملا مهما في تعزيز الاستقرار والتنمية. على سبيل المثال، المبادرة الملكية الأطلسية التي تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول القارة تشكل نموذجا يحتذى به. من خلال التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الإفريقية، يمكن معالجة العديد من التحديات المشتركة مثل التغيرات المناخية، والهجرة، والأزمات الصحية.

لكن لا يمكن أن يكون كل هذا فعالا دون بناء مؤسسات قوية وشفافة، قادرة على تنفيذ هذه الحلول وتحقيق العدالة لجميع المواطنين. إن تعزيز دور المجتمع المدني، الإعلام الحر، والمشاركة السياسية الشاملة يساهم في تعزيز هذه المؤسسات وضمان تنفيذ السياسات بشكل فاعل وملائم.

في النهاية، لا يمكن تحقيق السلام المستدام، إلا عندما تتوفر بيئة اقتصادية واجتماعية تدعم الناس وتوفر لهم بدائل حقيقية لنزاعاتهم.

 

+++++++

 

مؤطر

 

مبادرة الأطلسي.. مبادرة ملكية ببعد قاري استراتيجي

تمثل مبادرة الملك محمد السادس لتمكين دول الساحل الإفريقي غير المطلة على البحر من الولوج إلى المحيط الأطلسي، خطوة استراتيجية تعكس رؤية المغرب في تعزيز التعاون الإقليمي والتنمية المشتركة. وتأتي هذه المبادرة في سياق الجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب لتعزيز علاقاته مع دول القارة الإفريقية، انطلاقا من إيمانه بضرورة تحقيق التكامل الاقتصادي، وتقليص الفجوة التنموية التي تعاني منها بعض دول المنطقة. فلطالما شكلت العزلة الجغرافية تحديا كبيرا للدول غير الساحلية، مثل مالي والنيجر وتشاد، حيث يعرقل غياب المنافذ البحرية انسيابية التجارة ويزيد من تكاليف النقل، مما يؤثر سلبا على اقتصادات هذه الدول، ويحد من قدرتها على المنافسة في الأسواق الدولية.

وتسعى المبادرة الملكية إلى تجاوز هذا الواقع من خلال توفير ممرات لوجستية وتجارية حديثة، تتيح لهذه الدول إمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر أراضٍ مغربية، مما يفتح أمامها آفاقا جديدة للتنمية والاستثمار. كما أن هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز الشراكة بين المغرب ودول الساحل، في ظل التحديات المشتركة التي تواجهها المنطقة، سواء من حيث الأمن أو التنمية الاقتصادية. فالمغرب، الذي يتمتع ببنية تحتية متطورة تشمل موانئ حديثة ومناطق لوجستية متقدمة، يمكنه أن يكون جسرا أساسيا يربط هذه الدول بالعالم الخارجي، خاصة وأنه يملك خبرة واسعة في تنفيذ مشاريع كبرى مثل ميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح اليوم واحدا من أهم الموانئ في إفريقيا والعالم.

وتحمل هذه المبادرة بعدا اقتصاديا مهما، إذ من شأنها أن تساهم في تحفيز النمو الاقتصادي لدول الساحل عبر تمكينها من تصدير منتجاتها واستيراد احتياجاتها بكلفة أقل وفاعلية أكبر، مما سيؤدي إلى تحسين التنافسية الاقتصادية لهذه الدول، وجذب الاستثمارات الأجنبية. كما أن تعزيز الربط التجاري بين دول القارة الإفريقية يتماشى مع طموحات القارة في تحقيق تكامل اقتصادي أكبر، خاصة في ظل دخول منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية حيز التنفيذ، وهو ما يجعل من هذه المبادرة رافعة حقيقية لتعزيز التجارة البينية الإفريقية، وتقليل اعتماد الدول الإفريقية على الشركاء الخارجيين.

ولا تقتصر أبعاد المبادرة على الجانب الاقتصادي فقط، بل تشمل أيضا البعد الأمني والاستراتيجي، إذ إن تعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير الفرص الاستثمارية يمكن أن يساهما في الحد من النزاعات المسلحة والتوترات السياسية التي تعرفها بعض دول الساحل، بسبب التهميش الاقتصادي وغياب البدائل التنموية. كما أن تحسين الظروف الاقتصادية يمكن أن يكون عاملا رئيسيا في مكافحة الهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود، من خلال توفير بيئة أكثر استقرارا تتيح للشباب فرصا للعمل والتنمية داخل بلدانهم، بدلا من البحث عن الهجرة إلى وجهات أخرى.

ويعكس هذا التوجه السياسة الإفريقية للمغرب، التي تقوم على التعاون جنوب- جنوب وتعزيز الشراكة مع الدول الإفريقية، وفق مقاربة تنموية شاملة تستند إلى المشاريع الملموسة بدل الخطابات. فالمغرب، الذي نجح خلال السنوات الأخيرة في تعزيز حضوره داخل القارة الإفريقية من خلال استثمارات ومشاريع بنية تحتية كبرى، يؤكد من خلال هذه المبادرة التزامه الراسخ بمصالح القارة، وسعيه إلى تحقيق نموذج تنموي إفريقي متكامل يقوم على التضامن والتعاون.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى