شوف تشوف

الرأي

حمورابي

شامة درشول
الكم الهائل من الرسائل التي توصلت به من قراء جريدة «الأخبار» تعليقا على مقالي «في علاقة معقدة»، الذي تحدثت فيه عن «التعدد»، يظهر شيئا واحدا، وهو أن القوانين المصاغة في المغرب، أغلبها، أو بعضها أو كلها، لا يهم، المهم أنها «هي في واد والناس في واد آخر».
من بين ما تلقيناه من دروس التاريخ في الصغر، أن حمورابي كان أول من صاغ قانونا وضعيا مكتوبا، ضم مائتين وخمسة وثمانين بندا ينظم حقوق وواجبات المواطنين في مملكته، لا تزال لليوم معروضة في متحف «اللوفر» بباريس شاهدة على حاكم فهم أن القانون هو طريق لجعل مملكته قوية وآمنة.
في المغرب، القانون هو مرآة حقيقية لأزمة الهوية التي نعيشها في مجتمعنا، ولأزمة التدبير أيضا، فعقلية «حتى يكون الدم ونجيو»، هي نفسها العقلية التي تحكم علاقتنا مع التشريع القانوني، وليست عقلية وضع قوانين تحافظ على السلم الاجتماعي الذي هو أساس تقدم أي مجتمع، فما معنى أن ننتظر حتى تحدث «شي مصيبة»، ويصبح المغرب العنوان الرئيسي في أخبار القنوات الإعلامية، قبل أن نبدأ في التحرك، والحديث عن قوانين نفضل أن نلتف عليها، بدل أن نحذفها أو نعدلها، أو أقله نطرحها للنقاش؟
إذا كنا نطالب بفتح باب الاجتهاد في الدين الذي نقول إنه أغلق منذ سقوط الأندلس، فأولى بنا أن نفتح باب القوانين التي قمنا بوضعها بأنفسنا، أو التي لا تزال عالقة في مجتمعنا رغم أن من وضعها هو المستعمر نفسه، وحافظنا عليها كما لا زلنا نحافظ على نفس الطرق والسكك الحديدية التي شيدها المستعمر، وتركها بعد أن أفرغ بلدنا من خيراته، نحن لا زلنا نتعامل بهذا المنطق، و«بلا حشما بلا حيا»، حين يحل الصيف نتساءل لماذا يهاجر المغاربة كالجراد إلى جنوب إسبانيا مع أن شواطئ المغرب أجمل بكثير من شواطئ الإسبان.
«حتى مش ما كيهرب من دار لعرس»، ودار العرس مليئة بقوانين علينا أن نتساءل إن كانت فعلا تتلاءم وما يتطلع إليه الشعب، فإن كان في البلدان المتقدمة حيث المساواة هي أساس التعامل بين رجل وامرأة، يغيب قانون اسمه «الخيانة الزوجية»، وحتى إن وجد فالحكم فيه لا يكون نهائيا بالحبس، بل بأداء تعويض مادي للطرف المتضرر، فكيف نقبل نحن الإبقاء على هذا القانون الذي ليس سوى واحد من القوانين التي شرعها المستعمر وليس المشرع المغربي الذي يستمد أغلب تشريعاته من السند الديني؟ أليس هذا بالأمر العجيب الغريب؟
لماذا توضع القوانين؟ ولمن توضع؟ هو السؤال الذي يجب طرحه في المغرب، والذي سنجد في آخر المطاف أن هذه القوانين نصفها مستمد باسم الشريعة، والنصف الآخر مستمد من المستعمر، ولا تطبق هذه القوانين إلا على «من لا يستطيع سبيلا»، لأن من يستطيع سبيلا يجد دائما وقتا، ومالا وطريقا ليعبر في نصف ساعة شمالا، وهناك يمكن له أن يعيش كأي إنسان متصالح مع جسمه، ونفسه وقلبه، دون أن يضطر لأن يرتدي الأقنعة، ويتوجس خيفة من نظرة الناس، ويد رجل السلطة، وأحيانا كثيرة يد زوج أو زوجة لا يتورع في توظيف قانون الخيانة الزوجية في الانتقام ليس إلا. فهل القوانين وضعت لنشر السلم الاجتماعي أم للانتقام؟ هذا هو السؤال الذي علينا طرحه للنقاش في المغرب بدل سياسة التقديس التي نتعامل بها، وبدل سياسة ستر العورة التي نركض نحوها كلما وجدنا اسم المغرب يطوف في أخبار العالم في قضايا غريبة.
سألني أحد الأصدقاء عن مقالي عن التعدد «في علاقة معقدة»، كان الرجل مستغربا فقلت له: «اسمع، الأمر بسيط جدا، أنا شخص أنا أحترم الحريات الفردية بما فيها العلاقة الرضائية بين راشدين سواء كانا من جنسين مختلفين أو نفس الجنس، وأحترم حق الآخر في اختيار دينه، لذلك لا يهمني إن كان يفطر أو يصوم علنا أو سرا، ولا أومن بشيء اسمه خيانة زوجية، وأحترم حق الشخص في اختيار نوع العلاقة الاجتماعية التي يريد أن يكون فيها سواء متزوج أو عازب، أو في علاقة مفتوحة، أو في زواج معاشرة، أو غيرها من الأشكال الاجتماعية التي يطرحها علينا الغرب، فإني من هذا الباب أحترم أيضا حق هذا الآخر في اختيار التعدد كواحد من هذه الأشكال الاجتماعية، لذلك لا أجد نفسي بين المحافظين لأنهم لم يدافعوا بما يكفي عن التعدد كشكل من الأشكال الاجتماعية، ويرفضون باقي الأنواع أيضا، ولا أجد نفسي بين العلمانيين لأنهم يناصرون كل العلاقات الاجتماعية إلا التعدد، وهو ما يعني أن الخطأ يكمن في معنا أو مع الآخر، في حين أن التنوع وتعدد الخيارات هو ما يجب أن يتأسس عليه مجتمعنا، وأن هذه الخيارات هي التي ستضمن السلم الاجتماعي فيه».
هؤلاء الذين ينادون اليوم بالحق في الإجهاض، والحق في العلاقة الجنسية الرضائية خارج إطار الزواج، والحق في المثلية، هم، في نظري، لا يختلفون في شيء عن التيار المحافظ الذي يرفض كل هذا، ويقبل أن يمارس التعدد في الخفاء، فقط من أجل الحفاظ على تواجده في مركز الحكم، وهو ما يعيدنا إلى السؤال الأول الذي انطلقت منه في مقالي هذا «هل هذه القوانين التي تشرع اليوم في المغرب هي فعلا موجهة لنا نحن المغاربة أم هي قوانين يضعها أشخاص آخرون لهم أهداف أخرى ولهم أيضا بدائل أخرى؟».
المشكل ليس في القانون، المشكل في من يشرع هذا القانون، من يمرره، ومن يصادق عليه، المشكلة في حمورابي المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى