
سيدي رئيس البعثة الرياضية:
إذا عينت على رأس وفد رياضي قدر له أن يشارك في بطولة خارجية، هناك شيئان يجب أن تحرص على وضعهما في حقيبة سفرك، قبل بيجامة النوم وربطة العنق وأقراص الستريس وفرشاة الأسنان، وهما: العلم الوطني وقرص النشيد الوطني. لا يهم إن وضعت في جيب سترتك جواز سفرك وهاتفك المحمول وعنوان السفير وأسعار العملة المحلية للبلد المقصود.
توقع وأنت على رأس البعثة الرياضية، الأسوأ كغياب الحافلة وتأخر المكلف بالاستقبال وحالة الفندق والصخب المحيط به.
لكن حين تطأ قدماك مطار هواري بومدين، تأكد من وجود العلم والقرص في حقيبة السفر، وكن حذرا إذا سلم لك مسؤول الفريق المضيف باقة ورد ومعها هاتفا محمولا مشبعا بالتعبئة، معهما ابتسامة على سبيل الإعارة.
اعتذر بلطف، لأنه إذا تسلمت الهاتف فاعلم أن جميع المكالمات ستكون موضع تنصت، وأن الخطة وكواليس الإعداد للمواجهة ستصل «طازجة» إلى من يهمهم الأمر في جارتنا الشرقية.
قبل انطلاقة مباراة شبيبة القبائل الجزائري والوداد المغربي، مساء يوم الجمعة الماضي، لاحظ مدير النادي، غياب العلم المغربي عن أعمدة ملعب الخامس يوليوز بالعاصمة الجزائرية، فقد فضل المنظمون الاكتفاء بعلم الكاف وعلم الجزائر، وكأنهم ينفذون وصية حفيد نيلسون المعتوه.
أشعر مرباح مراقب المباراة، وقال له بنبرة صارمة: «لن نلعب إلا إذا رفرف العلم المغربي أو لينزل العلم الجزائري». فنزل علم الجزائر لأول مرة في قلب العاصمة.
ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها العلم المغربي، فقد شهدت مباراة شباب بلوزداد الجزائري والوداد المغربي، في العام الماضي، حدثا يستحق أن نتوقف عنده لخطورته، لكونه يعد سبقا في ضرب قيم الرياضة والتنكيل بالـ «فير بلاي».
في تلك المباراة، رفضت سلطات الجزائر رفع العلم المغربي في ملعب خامس يوليوز بالعاصمة، واكتفت بالعلم الجزائري وعلم الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، علما أن بروتوكول مباراة رسمية قارية أو عالمية يفرض وجود علمي الفريقين المتباريين.
لم يكتف المنظمون بمصادرة الحق في علم مغربي يرفرف في الجزائر، بل زرعوا في المدرجات رؤوس الفتنة وحرضوهم على ترديد مواويل وقوافي الضغينة، وحولوا المدرجات إلى بؤرة توتر انتحرت فيها الوحدة وماتت خاوة خاوة وتبين زيف مقولة «تصلح الكرة ما تفسد السياسة».
مثل هذه الممارسات عاشتها الفرق المغربية في عهد الاستعمار، لكنها بعثت من جديد تحت مسمى «زعزعة تركيز الخصوم». في سنة 1948 شد فريق الوداد البيضاوي الرحال إلى مدينة وهران عبر القطار، من أجل مواجهة فريق اتحاد سيدي بلعباس الجزائري، برسم نصف نهائي بطولة شمال إفريقيا، وكانت تشكيلة الفريق الجزائري تضم عناصر أوربية.
لكن حكم المباراة لاحظ أن أقدام لاعبي الوداد لم تطأ أرضية ملعب مملوء عن آخره، لم تنفع صفارته في مغادرة المغاربة مستودع الملابس، قام العميد قاسم قاسمي رفقة عبد القادر جلال بإشعار مندوب المباراة بالخلل البروتوكولي، وغياب العلم المغربي. ونقلا له قرار المدرب الأب جيكو الذي يشترط رفع العلم في الملعب قبل خوض المباراة، وبعد اجتماع الحكم مع المنظمين الفرنسيين، تقرر رفع الراية المغربية أمام صيحات الجماهير الجزائرية التي كانت سعيدة منتشية برفع العلم المغربي، فاز الوداد بأربعة أهداف مقابل ثلاثة ورقص الجمهور الجزائري على وحدة ونص.
لا يعلم زارعو الفتنة في ملعب خامس يوليوز أن مفدي زكريا، كاتب كلمات النشيد الوطني الجزائري، عاش في المغرب حين طرده الرئيس الجزائري هواري بومدين من البلاد.
ولا يعلم «المنظمون» الرافضون للعلم المغربي، أن أول هدف سجل في هذا الملعب عند افتتاحه يوم 17 يونيو 1972، كان بقدم اللاعب المغربي محمد الفيلالي.
نحمد الله أن التاريخ يسجل حين تعجز أقدام اللاعبين عن التسجيل.
حسن البصري