شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

حصيلة تشريعية “هزيلة” للبرلمان الحكومة تهيمن على إنتاج 42 قانونا 

اختتم مجلسا البرلمان، خلال الأسبوع الماضي، الدورة التشريعية الخريفية، التي تميزت على غرار السنوات الماضية بإنتاج تشريعي هزيل بالنسبة للفرق البرلمانية، مقابل هيمنة الحكومة على التشريع، رغم الصلاحيات الواسعة التي منحها دستور 2011 للسلطة التشريعية لكي تُمارس أدوارها الدستورية بشكل متكامل ومتوازن مع السلطة التنفيذية. ويظهر من خلال الحصيلة المعلنة من طرف رئيسي غرفتي البرلمان أن أغلب النصوص القانونية المصادق عليها، يكون مصدرها الحكومة، في حين توجد في رفوف اللجان البرلمانية الدائمة العديد من مقترحات القوانين، يصل مجموعها إلى حوالي 300 مقترح قانون، بعضها مرت عليه سنوات دون أن يدخل إلى المسطرة التشريعية للمصادقة عليه، ومنها قوانين ينتظرها المغاربة، ما جعل بعضها يدخل طي النسيان. ويبقى أهم إنجاز يحسب للبرلمان خلال الدورة المنتهية هو المصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط ممارسة الحق في الإضراب، وهو آخر نص تنظيمي مكمل للدستور يتم إخراجه بعد انتظار دام أكثر من 12 سنة، وهو أول قانون يتم إخراجه ينظم ممارسة حق الإضراب منذ 62 سنة على إقرار أول دستور للمملكة.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

 

هيمنة الحكومة على الإنتاج التشريعي بمجلسي البرلمان

 

منح الدستور الجديد للبرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوقا متعددة، ويبقى الهدف الأساسي من ذلك النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية. ونص الدستور، كذلك، على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على أن «تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة»، والحكومة ملزمة بالإجابة عن أسئلة أعضاء البرلمان خلال العشرين يوما الموالية لإحالتها إليها.

وتتعلق الأسئلة الأسبوعية أساسا بالقطاعات الحكومية المختلفة، ويتولى كل وزير أو من ينوب عنه من أعضاء الحكومة، في حال غياب الوزير المعني لسبب ما، تقديم الجواب في جلسة عامة علنية يتم نقلها عبر أمواج الإذاعة والتلفزة العمومية، وذلك بهدف إطلاع الرأي العام الوطني على ما تقوم به كل من الحكومة والبرلمان في مجالي عملهما كل على حدة. أما الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة، فالدستور المغربي الجديد ينص، في الفقرة الثالثة من المادة 100، على أن «تقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة».

وبالإضافة إلى الجلسات الأسبوعية التي تخصص لمساءلة أعضاء الحكومة، كل واحد حسب القطاع الذي يشرف عليه، منح الدستور الجديد آلية أخرى لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسة العامة لحكومته، من خلال جلسة واحدة كل شهر بمجلسي البرلمان. ويعد تقييم السياسات العمومية من أهم الاختصاصات الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد وأناطها بالبرلمان، وهذا ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011، والتي تصرح بأن «يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية». وفي السياق نفسه تنص الفقرة الثانية من الفصل 101 على أن «تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها»، أما الفقرة الأولى من الفصل 101 فتصرح بأن «يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين». وأقر الفصل 102 من الدستور على أنه «يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم».

وخص الدستور الجديد فرق المعارضة بالبرلمان بمكانة متميزة وخولها العديد من الحقوق، بل جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، وخصص لها المشرع الدستوري الفصل 10 من الدستور، الذي ينص على ما يلي «يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية».

ويضمن الدستور بصفة خاصة للمعارضة مجموعة من الحقوق، أهمها حرية الرأي والتعبير والاجتماع، وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها، والاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، والمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، سيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة والأسئلة الشفوية الموجهة إلى الحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، والمساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وتمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، ورئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، والتوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية، والمساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية، والمساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور، وممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا وجهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور.

وأبانت الحصيلة التشريعية للبرلمان عن هيمنة الحكومة على جل الإنتاج التشريعي، حيث أغلب النصوص القانونية المصادق عليها يكون مصدرها الحكومة، في حين توجد في رفوف اللجان البرلمانية الدائمة بمجلسي البرلمان العشرات من مقترحات القوانين، بعضها يعود إلى الولاية الحكومية السابقة، بقيت محتجزة دون إخضاعها للدراسة والمصادقة وفق المسطرة التشريعية المعمول بها.

وهناك إجماع، من طرف أغلب الفرق البرلمانية، على «هزالة» الحصيلة التشريعية للبرلمان بغرفتيه، وذلك مقارنة مع العدد الكبير من القوانين والقوانين التنظيمية التي تنتظر العديد من مكونات الشعب المغربي إخراجها إلى الوجود لتفعيل الدستور الجديد. ورغم أن فرق الأغلبية الحكومية تبرر ضعف الأداء التشريعي للبرلمان بهيمنة الحكومة على العمل التشريعي، فهذا لا يبرر أداء الفرق البرلمانية في أخذ المبادرة التشريعية وفق الصلاحيات التي خولها لها الدستور الجديد.

وتمر عملية التشريع التي تنتج القوانين تحت قبة البرلمان بعدة مراحل، قبل الوصول إلى تطبيق هذه القوانين بعد نشرها بالجريدة الرسمية. فطبقا للنظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، تودع بمكتب المجلس مشاريع القوانين المقدمة من لدن الحكومة أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ومقترحات القوانين ومقترحات القوانين التنظيمية المقدمة من لدن النواب أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ويأمر مكتب المجلس بتوزيعها على النواب، ويحيل رئيس المجلس مقترحات القوانين المقدمة من لدن النواب إلى الحكومة، في أجل 20 يوما قبل إحالتها على اللجان الدائمة المختصة، وإذا انصرم الأجل، يمكن للجنة الدائمة المختصة برمجة دراستها للمقترح، ويحيط رئيس المجلس الحكومة علما بتاريخ وساعة المناقشة في اللجنة، ويتعين على اللجان النظر في النصوص المعروضة عليها في أجل أقصاه 60 يوما من تاريخ الإحالة، لتكون جاهزة لعرضها على الجلسة العامة للمناقشة والتصويت.

ويتكلف رئيس المجلس بإحالة، على اللجنة الدائمة المختصة، كل مشروع قانون تم إيداعه أو مقترح قانون تم إيداعه لدى مكتب المجلس، وتبرمج مكاتب اللجان دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة عليها في ظرف أسبوع من تاريخ الإحالة عليها، وتنظر اللجان في النصوص المعروضة عليها، أولا بتقديم النص من طرف ممثل الحكومة بالنسبة لمشروع القانون، أو من طرف واضع مقترح القانون، ثم يتم الشروع في المناقشة العامة للنص، وبعد انتهاء المناقشة العامة، يحدد مكتب اللجنة موعد جلسة لتقديم التعديلات كتابة، وتجتمع اللجنة بعد 24 ساعة للنظر في التعديلات بعد مناقشته، ثم بعد ذلك يتم التصويت على كل تعديل قبل التصويت على النص التشريعي برمته.

 

البرلمان يصادق على آخر قانون تنظيمي مكمل للدستور الجديد

 

خلال الدورة البرلمانية الخريفية المنتهية، صادق مجلسا البرلمان بالأغلبية على القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وهو آخر قانون تنظيمي ينص عليه دستور 2011، ولم يخرج إلى الوجود منذ 12 سنة عرفت تعاقب ثلاث حكومات.

ويعتبر القانون من ضمن آخر القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي طال أمد انتظار إخراجها لما يزيد عن 62 سنة. ويظل الهدف الأساسي من هذا المشروع تنظيم ممارسة هذا الحق الدستوري بما يضمن تأطير وتحسين العلاقات المهنية ويضمن ممارسة حق الإضراب، ويكفل التوازن بين مصالح الأفراد والجماعات والتوفيق بين الحقوق والواجبات التي تعتبر أهم مقومات دولة الحق والقانون.

وينص الدستور، في فصله التاسع والعشرين، على أن «حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته»، ولذلك فإن تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بموجب قانون تنظيمي يكسبه أهمية كبيرة نظرا لكون القوانين التنظيمية تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور.

وأكد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى والتشغيل، في كلمة ألقاها لتقديم المشروع في صيغته النهائية، أن الحكومة تفاعلت إيجابيا مع مقترحات الفرق البرلمانية والمنظمات النقابية، حيث تم إدخال تعديلات جوهرية على المشروع لإخراجه في صيغة توافقية تضمن حقوق ممارسة الإضراب في إطار احترام حقوق المضربين وأرباب العمل والمجتمع.

وأوضح السكوري أن هذا القانون يتضمن مقتضيات تنص على تسهيل شروط ممارسة حق الإضراب، وإلغاء العقوبات الزجرية التي كانت تتضمنها النسخة الأولى من المشروع، مع منح مهلة كافية للتفاوض قبل اللجوء إلى الإضراب لتحقيق الملفات المطلبية.

وشدد الوزير على أن القانون متوازن ويضمن حقوق العمال وأرباب الشغل وكذلك المجتمع، موضحا أن الحكومة وضعت إجراءات ضمن القانون لضمان ممارسة حق الإضراب، وحذف الإجراءات الانتقامية، متحدثا عن ضمان ثلاثة ثوابت في هذا القانون، أولها ضمان حق الإضراب وحماية حقوق المضربين، وفي الوقت نفسه حماية حقوق المشغلين وكذلك حقوق العمال غير المضربين مع ضمان حرية العمل.

وأضاف السكوري أن التنصيص على حقوق المشغلين وغير المضربين جاء لكي يشعروا بأنهم جزء من القانون، والهدف كذلك تشجيع التفاوض ومنح ضمانات قوية ليصبح الإضراب آخر الخيارات. وأفاد الوزير بأن الترسانة القانونية الحالية لا تشجع على المفاوضات، وهو ما يفسر كثرة اللجوء إلى الإضرابات بالعديد من القطاعات، مؤكدا أن النقابات دائما تفسر لجوءها إلى ممارسة الإضراب بغياب الرغبة لدى المشغلين في التفاوض حول الملفات المطلبية.

وأما الثابت الثالث، الذي يضمنه هذا القانون، يضيف السكوري، فهو ضمان حقوق المجتمع، من خلال توفير الحد الأدنى من الخدمة، مضيفا أنه «لا تجب معاقبة المجتمع بسبب ذنب لم يرتكبه»، ولذلك فإن القانون ينص على ضرورة توفير الحد الأدنى من الخدمة بالمرافق الحيوية في العديد من القطاعات، دون المس بحقوق العمال والمستخدمين في ممارسة حقهم في الإضراب. وبخصوص العقوبات، أكد السكوري على أنه سيتم حذف هذه الكلمة نهائيا من القانون وتعويضها بالجزاءات لضمان التوازن بين كل الأطراف.

وتتجلى أبرز التعديات المصادق عليها من طرف البرلمان في إدراج العاملات والعمال المنزليين ضمن الفئات المعنية بالإضراب، وتعريف الإضراب بأنه «كل توقف إرادي جماعي عن ممارسة المهنة أو أداء العمل من لدن المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء والعاملات والعمال المنزليين، لمدة محددة، من أجل الدفاع عن حق من الحقوق أو مصلحة من المصالح المرتبطة بتحسين ظروفهم المهنية».

وصادق البرلمان على تعديلات أخرى مهمة، من قبيل سحب منع الإضراب لأسباب سياسية، والإضراب التضامني والإضراب بالتناوب، فضلا عن تقليص المدد الزمنية للتفاوض ومدد الإخطار بالإضراب وتعزيز حقوق المضربين، حيث أصبح ممنوعا على المشغل أن يطرد مضربا أو أن يقوم بإجراء تمييزي ضده، كما تم تمكين المهنيين والعمال غير الأجراء والأشخاص الذين يزاولون مهنا خاصة من الحق في الإضراب، وتوسيع الجهات الداعية لممارسة حق الإضراب، إذ لم تعد تقتصر على النقابات الأكثر تمثيلية، بل تم توسيعها لتشمل كل النقابات ذات التمثيلية، وتيسير شروط «الجمع العام» بحيث أصبح أكثر سهولة، وكذا حذف جميع العقوبات الجنائية المتضمنة في النص الأصلي أو الإحالة عليها، وكذلك حذف العقوبة الحبسية وإجراء تعديل جوهري يتمثل في حذف مسطرة التسخير.

وشدد الوزير على أن العقوبات المفروضة على المشغل لا ينبغي أن تكون مماثلة لتلك التي تفرض على النقابات، في حال الإخلال بهذا القانون، وذلك للحد من لجوء المشغل إلى أداء العقوبات المالية مقابل عدم أدائه حقوق العمال. وأشار المسؤول الحكومي إلى أن من بين التعديلات التي عرفها النص، والتي تهدف إلى تعزيز حقوق المضربين، تم منع المشغل من اتخاذ إجراءات تعسفية ضدهم، على غرار الطرد أو النقل التعسفي، طالما أن الإضراب تم وفق القانون.

البرلمانيون “الأشباح” يهزمون النظام الداخلي

 

عاد الجدل حول ظاهرة غياب النواب البرلمانيين عن الجلسات العموميـة واجتماعات اللجان الدائمة، بعد تلاوة أسماء النواب المتغيبين في إحدى الجلسات، ما أثار احتجاجات في صفوف بعض النواب الذين طالبوا رئيس مجلس النواب بالاعتذار عن تضمين أسمائهم ضمن لائحة المتغيبين.

وبعد تصاعد حدة الاحتجاجات، تراجع مكتب مجلس النواب عن قرار تفعيل إجراءات زجر غياب البرلمانيين عن اجتماعات اللجان الدائمة والجلسات العامة المخصصة لمراقبة العمل الحكومي عن طريق الأسئلة الشفهية والجلسات التشريعية التي تخصص للمصادقة على النصوص القانونية، ما دفع برئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، إلى التهديد بتقديم استقالته من منصبه، وجاء ذلك في اجتماع فريق التجمع الوطني للأحرار، وجاء تهديد الطالبي بالاستقالة لمواجهة النواب “السلايتية” الذين انتفضوا ضده في اجتماع الفريق، احتجاجا على تلاوة أسماء المتغيبين في الجلسات العامة، وانتقلت موجة الاحتجاج إلى قاعة الجلسات، حيث طالب برلمانيون بتقديم اعتذار لهم بعد فضحهم في جلسة التصويت على مشروع قانون المالية، بتلاوة أسماء المتغيبين في جلستين متتابعتين.

وكان مجلس النواب قد شرع في تطبيق الإجراءات الزجرية المنصوص عليها في النظام الداخلي في حق النواب المتغيبين عن الجلسات واجتماعات اللجان، حيث تقرر تلاوة أسمائهم في الجلسات العمومية التي تنقل مباشرة للرأي العام، والاقتطاع من تعويضات المتغيبين، طبقا لمقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب الذي ينص على الاقتطاع من مبلغ التعويضات الشهرية الممنوحة للنائبة أو النائب حسب عدد الأيام التي تغيب فيها بدون عذر مقبول، ويعلن رئيس المجلس عن هذا الإجراء في جلسة عامة وينشر في النشرة الداخلية للمجلس والجريدة الرسمية، وتفعيلا لهذه الاجراءات سيتخذ مكتب المجلس قرارات بالاقتطاع من التعويضات الشهرية للنواب المتغيبين، والتي تصل إلى حوالي 36 ألف درهم، وسيتم اعتماد قاعدة خصم 1300 درهم عن كل يوم غياب، على أساس أن لا يتجاوز الاقتطاع 4 جلسات عامة وجلستين في اللجان الدائمة.

وينص النظام الداخلي لمجلس النواب على أن أعضاء المجلس ملزمون بحضور جميع الجلسات العامة، كما ينص على أن أعضاء اللجان النيابية الدائمة ملزمون بحضور اجتماعات اللجان التي ينتمون إليها، ويعفى من الحضور في الجلسات العامة أو اجتماعات اللجان الدائمة، تقديم عذر مقبول قبل انعقاد الجلسة أو الاجتماع، عن طريق توجيه رسالة إما إلى رئيس المجلس، بالنسبة للجلسات العامة، أو إلى رئيس اللجنة، بالنسبة للجان الدائمة. وحدد النظام الداخلي الأعذار المقبولة للتغيب عن حضور الجلسات العامة أو اجتماعات اللجان إما بالمرض، مع إثبات ذلك بشهادة طبية، أو التواجد في مهمة خارج التراب الوطني، أو الالتزام بمهام محلية إذا كان النائب منتخبا محليا، وفي حالة عدم وجود عذر من المتغيب عن الجلسة العامة، فقد قرر مكتب المجلس، طبقا للنظام الداخلي، الاقتطاع من التعويضات الممنوحة لأعضاء مجلس النواب.

وينص النظام الداخلي للمجلس على ضرورة حضور النواب والنائبات جميع الجلسات العامة، وعلى من أراد الاعتذار أن يوجه رسالة إلى رئيس المجلس مع بيان العذر، قبل انعقاد الجلسة العامة، وفي حالة عدم وجود عذر من المتغيب عن الجلسة العامة، فقد قرر مكتب المجلس، طبقا للنظام الداخلي، الاقتطاع من التعويضات الممنوحة لأعضاء مجلس النواب، والمحددة في ألف درهم عن كل يوم، كما ينص النظام الداخلي، على أنه إذا تغيب عضو عن الجلسة بدون عذر مقبول، يوجه إليه الرئيس في المرة الأولى إلى العضو المتغيب تنبيها كتابيا، وإذا تغيب في المرة الثانية بدون عذر عن جلسة عامة في نفس الدورة، يوجه إليه الرئيس تنبيها كتابيا ثانيا ويأمر بتلاوة إسمه في افتتاح الجلسة العامة الموالية، وفي حالة تغيبه بدون عذر للمرة الثالثة أو أكثر في نفس الدورة، يقتطع مبلغ مالي من تعويضاته الشهرية الممنوحة للعضو المعني بحسب عدد الأيام التي وقع خلالها التغيب بدون عذر مقبول، وتنشر هذه الإجراءات في الجريدة الرسمية للبرلمان والنشرة الداخلية للمجلس وموقعه الإلكتروني، وتنطبق هذه الإجراءات كذلك على غياب البرلمانيين والبرلمانيات عن اجتماعات اللجان الدائمة لمجلس النواب.

محمد ولد الرشيد*

 

“مجلس المستشارين صادق خلال هذه الدورة على مشاريع من أهم أعمدة النظام القانوني للمملكة”

 

أكد رئيس مجلس المستشارين، محمد ولد الرشيد، أن الحصيلة التشريعية للدورة الأولى من السنة التشريعية 2024-2025، تميزت، فضلا عن جانبها الكمي، بمضمونها النوعي المتفرد، موضحا في كلمة خلال الجلسة الختامية أن هذه الحصيلة تميزت بالمصادقة على نصوص تأسيسية تتبَوأ صدارة النصوص القانونية المعتمدة منذ الاستقلال، وعلى رأسها القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.

واستحضر في هذا السياق، “جدية النقاش الغني والبناء الذي عرفه مجلس المستشارين ، والمواقف التي عبرت عنها، بكل غيرة وطنية، مختلف مكونات المجلس إزاء هذا النص الهام، كل من موقعه الخاص وحسب تقديره ومقارباته لسبل تحقيق المصالح العليا للوطن”.

ومن بين أبرز النصوص المصادق عليها أيضا في هذه الدورة، يضيف رئيس المجلس، مشروع قانون المالية لسنة 2025، إلى جانب مشاريع قوانين أخرى تتعلق بالصناعة السينمائية وبالمراكز الجهوية للاستثمار والتنظيم القضائي والمحاكم المالية والأدوية والصيدلة والاتفاقيات الدولية الثنائية ومتعددة الأطراف، معتبرا أن من شأن هذه النصوص القانونية أن تعزز النسيج الاقتصادي للمملكة وتحسن جاذبيتها الاستثمارية، إلى جانب تعزيز الأمن القضائي للمواطنات والمواطنين عبر تيسير الولوج إلى إجراءات التقاضي في المراحل الاستئنافية.

وبخصوص المبادرة التشريعية لأعضاء مجلس المستشارين، أشار ولد الرشيد إلى أن النصوص المصادق عليها خلال هذه الدورة، عرفت إسهاما واسعا من قبل أعضاء المجلس، حيث تقدمت مكونات المجلس بما مجموعه 653 تعديلا على النصوص المصوت عليها القابلة للتعديل، مسجلا أن هذه الأرقام لا تشمل باقي مشاريع القوانين التي توجد قيد الدرس باللجان الدائمة، كما وافق المجلس، “في خِضم الزخم الدبلوماسي للمملكة المغربية، والعمل الدؤوب على تعزيز العلاقات الثنائية، والتزامات المغرب على الصعيد الدولي، على 25 مشروع قانون يقضي بالمصادقة على اتفاقيات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف، همت مختلف مجالات التعاون، الثنائي والدولي، الجمركي والضريبي والقضائي والنقل البحري والموانئ والاستثمار والوقاية المدنية وحماية التنوع البيولوجي البحري وغيره”.

وأفاد ولد رشيد بأنه إلى جانب النصوص المصادق عليها، تواصل اللجان الدائمة المختصة دراسة عدد من مشاريع القوانين الأخرى ذات الأهمية الكبرى، ويتعلق الأمر، على وجه الخصوص، بمشروع القانون رقم 54.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 65.00 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض وبسن أحكام خاصة، وبمشروع القانون رقم 02.23 يتعلق بالمسطرة المدنية، الذي يعتبر من أهم أعمدة النظام القانوني للمملكة، والذي تعكف لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان على دراسته منذ الدورة المنصرمة.

أما على مستوى الجلسات العمومية، فقد عقد المجلس خلال هذه الدورة 32 جلسة عامة، بمدة زمنية ناهزت 66 ساعة، مَيزتها بالأساس الجلسات العامة المشتركة مع مجلس النواب، وعقد جلستين شهريتين قدم خلالهما رئيس الحكومة أجوبته عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، حول موضوعين، يتعلق الأول بـ “منظومة الصناعة الوطنية كرافعة للاقتصاد الوطني” والثاني بـ “المؤشرات الاقتصادية والمالية وتعزيز المكانة الدولية للمغرب، كما اتسمت هذه الدورة بعقد 14 جلسة أسبوعية للأسئلة الشفهية، وثماني (8) جلسات للدراسة والتصويت على النصوص التشريعية المحالة على المجلس.

وقد خصصت جلسات الأسئلة الأسبوعية لمساءلة 26 قطاعا حكوميا، حول مواضيع ذات صلة بطبيعة تركيبة مجلس المستشارين، وفي مقدمة هذه القطاعات، القطاع الفلاحي وذلك بالنظر إلى انعكاسات ندرة المياه والكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغيرات المناخية، إلى جانب مواضيع أخرى تتعلق بتعزيز المبادلات التجارية مع الدول الإفريقية، وتبسيط مساطر الاستثمار، وتوفير الحماية الاجتماعية للأجراء، وإصلاح الطرق وتجهيزها، والإكراهات التي تعرفها المنظومة الصحية الوطنية، وتسريع وتيرة تنزيل الجهوية المتقدمة، وتدبير النقل الحضري داخل المدن، وحصيلة برنامج تقليص الفوارق المجالية الاجتماعية.

وفي ذات السياق، تم حصر عدد من التزامات وتعهدات الوزراء خلال جلسات الأسئلة الشفهية، تتعهد بموجبها الحكومة بالتفاعل مع عدد من القضايا والمطالب المجتمعية المعبر عنها في أسئلة أعضاء المجلس.

وبالنسبة للأسئلة الشفهية المتوصل بها خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين وخلال دورة أكتوبر 2024، فقد بلغ عددها 985 سؤالا، أجابت الحكومة عن 300 منها خلال الجلسات العامة الأسبوعية الــ14، من ضمنها 121 سؤالا آنيا و179 سؤالا عاديا، بينما بلغ عدد الأسئلة الكتابية المتوصل بها خلال نفس الفترة ما مجموعه 351 سؤالا، وقد أجابت الحكومة على 435 سؤالا يتضمن عدد منها أجوبة على أسئلة مطروحة في دورات سابقة.

وبالنسبة لوظائف اللجان الدائمة، فقد استأثرت الأشغال التشريعية بمجمل حصيلة عمل اللجان خلال هذه الدورة، حيث عقدت ما يناهز 69 اجتماعا، بغلاف زمني يقارب 245 ساعة عمل، غير أن لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان خصصت بالإضافة إلى ذلك اجتماعا تدارست خلاله، مشروع التقرير الوطني الخامس بشأن إعمال اتفاقية مناهضة التعذيب، كما عقدت لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية هي الأخرى، اجتماعا ناقشت خلاله عرض الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية حول تنفيذ قانون المالية لسنة 2024 في العلاقة بالمداخيل الجبائية خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2024.

وفي ما يخص تقييم السياسات العمومية، فقد شكل مجلس المستشارين مجموعتين موضوعاتيين، أٌنيطت بإحداهما مهمة التحضير للجلسة السنوية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية، المزمع عقدها قبل اختتام السنة التشريعية والتي تم تحديد موضوع “السياسات العمومية المرتبطة بالاستثمار والتشغيل”، كمحور لها. وبالموازاة مع ذلك، تم تكليف المجموعة الموضوعاتية الأخرى بإعداد تقرير حول “القضية الوطنية الأولى للمغرب، قضية الوحدة الترابية للمملكة”.

أما بخصوص العلاقة مع المؤسسات الدستورية، فقد توصل المجلس بتقرير المجلس الأعلى للحسابات حول أعماله برسم سنتي 2023-2024، والذي كان موضوع عرض الرئيس الأول للمجلس أمام مجلسي البرلمان، وتمت مناقشته بحضور الحكومة، في الجلسة العامة.

رشيد الطالبي العلمي*:

 

«الدورة التشريعية كانت غنية من حيث الحصيلة والعمل الرقابي اتسم بالانتظام والتفاعل»

أفاد رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، بأن الدورة الأولى من السنة التشريعية الجارية، التي أُسدل الستار عليها، كانت غنية من حيث حصيلة التشريع، سواء من حيث نوعية النصوص التي تمت المصادقة عليها أو آثارها على المجتمع. وكشف العلمي أنه تم البت في 42 نصًا، موزعة بين 4 مقترحات قوانين و38 مشروع قانون صُودق عليها.

وأشار العلمي، في كلمته خلال الجلسة الختامية للدورة التشريعية الأولى من السنة الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، إلى أن النصوص المصادق عليها لها آثار مهمة على المجتمع، مبرزًا أن الأمر يتعلق، على الخصوص، بقانون المالية لسنة 2025، الذي احتلت مناقشته والمصادقة عليه مدة زمنية هامة، كما جرت العادة.

وأوضح رئيس مجلس النواب، كذلك، أن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، الذي صادق عليه المجلس في قراءتين، رغم إثارة نقاش مجتمعي حاد حوله، يعدّ نصًا طال انتظاره من قِبل المجتمع المغربي لعقود، حيث ورد التنصيص عليه في مختلف دساتير المملكة منذ سنة 1962، مضيفا أن المسؤولية الجماعية تقتضي، بعد هذه المدة، أن تتوفر البلاد على نص تنظيمي يحكم هذا الحق الدستوري.

واعتبر العلمي أن طبيعة وعمق النقاش حول هذا النص في البرلمان، وفي إطار المنظمات النقابية والأحزاب الوطنية والفضاء العام، يعكسان حيوية المجتمع المغربي ويقظته، والحرص على حماية حقوق مختلف الأطراف، مما يجسد قوة المؤسسات والفاعلين السياسيين الموكلة إليهم مسؤولية تأطير المواطنين.

وأشار رئيس مجلس النواب إلى خلاصتين رئيسيتين بشأن حصيلة التشريع خلال هذه الدورة، الأولى تتعلق بالطابع التأسيسي لعدد من النصوص المصادق عليها، والتي تؤطر دينامية المجتمع، ومن بينها تلك التي تحمي المصالح الوطنية والذاكرة التاريخية من محاولات السطو أو التزييف، والثانية تتجلى في المصادقة على 99 في المائة من مجموع مشاريع القوانين المحالة على المجلس خلال هذه الدورة، إلى جانب التصويت على نصوص محالة من فترات سابقة.

في المقابل، شدد العلمي على ضرورة مواصلة الاجتهاد في دراسة مقترحات القوانين، والحسم في مآلاتها وتعزيز مسطرة البتّ في هذه المبادرات التشريعية، مؤكدا أن العمل الرقابي اتسم بالانتظام والتفاعل الإيجابي بين المجلس والحكومة، حيث عقد المجلس ثلاث جلسات مخصصة لأجوبة رئيس الحكومة عن أسئلة أعضاء المجلس بشأن السياسات العامة في مجالات حيوية للاقتصاد الوطني.

وأوضح رشيد الطالبي العلمي أن أعضاء المجلس تفاعلوا مع قضايا بلادنا الحيوية وانشغالات المجتمع المغربي، بما في ذلك قضايا المساواة والمناصفة بين النساء والرجال، عبر الأسئلة الشفوية والكتابية. وكشف العلمي أن مجموع الأسئلة التي خضعت لمسطرة الإحالة خلال الدورة بلغ 3622 سؤالًا، منها 1522 سؤالًا شفويًا، تمت برمجة 488 منها في الجلسات العامة التي بلغ عددها 14 جلسة. أما الأسئلة الكتابية فبلغت 2094 سؤالًا، فيما توصل المجلس بأجوبة عن 1168 منها.

وأكد رئيس مجلس النواب أن المجلس سيعمل على هيكلة اللجنة الموضوعاتية المكلفة بتقييم مخطط «المغرب الأخضر» خلال الأسبوعين المقبلين، لتباشر أشغالها، مشيرًا إلى أن المجموعتين الموضوعيتين المكلفتين بتقييم كل من الاستراتيجية الوطنية في مجال الرياضة (2008-2020) وبرامج محو الأمية، واصلتا جمع المعطيات والإحصائيات، والاستماع إلى مختلف الفاعلين المعنيين بالقطاعين، تمهيدًا لصياغة تقاريرهما.

وأوضح العلمي أن اللجان الدائمة واصلت دورها الرقابي، حيث عقدت 21 اجتماعًا درست خلالها 35 موضوعًا، بناءً على طلب مكونات المجلس، وأضاف أن الأعضاء المكلفين بمهام استطلاعية واصلوا أشغالهم وفق المساطر المعتمدة.

وفي ما يتعلق بالدبلوماسية البرلمانية، أشار العلمي إلى أن المجلس صادق، في مجال التشريع، على 27 اتفاقية متعددة الأطراف مع عدد من الدول الصديقة، خاصة الإفريقية، ومع منظمات إقليمية ودولية. واعتبر المسؤول البرلماني أن هذا التأطير الاتفاقي لمختلف أشكال التعاون بين المغرب والدول الأخرى، وخاصة في القارة الإفريقية، يأتي تجسيدًا للحرص الملكي على إعطاء العلاقات جنوب – جنوب بُعدًا اقتصاديًا وماديًا ملموسًا، قائمًا على منطق الربح المشترك والمصالح المتبادلة.

وأبرز العلمي أن الدورة التشريعية عرفت حدثًا هامًا، إذ بعد الحدث الأهم، والمتمثل في افتتاح الملك محمد السادس لهذه الدورة، استقبل البرلمان المغربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي جدد في خطاب رسمي دعم بلاده الواضح لسيادة المغرب على الصحراء المغربية.

وأوضح العلمي أن ماكرون سبق أن عبر عن هذا الموقف في الرسالة التي بعث بها إلى الملك بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، مضيفًا أن الموقف نفسه أعادت التأكيد عليه رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية، خلال زيارتها الرسمية للمغرب بدعوة من المجلس.

عتيق السعيد *أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض مراكش- محلل سياسي

لعتيق السعيد

“حصيلة الدورة التشريعية.. إنتاج تشريعي متقدم وتوسع في الأداء الدبلوماسي للبرلمان”

 

1– بماذا يتميز السياق الوطني والدولي لاختتام الدورة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة؟

ارتبطت الدورة التشريعية بالعديد من الرهانات الداخلية والتحديات الخارجية، مما أفضى إلى تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية تستدعي اضطلاع المؤسسة البرلمانية بأدوارها، ليس فقط في جوانبها التشريعية والرقابية والدبلوماسية، وإنما أيضا في ترجمة مخرجاتها إلى تعزيز الديمقراطية التمثيلية التي تمثلها لدى جميع مكونات الأمة. ويقتضي ذلك الحرص على أن تظل المؤسسة البرلمانية فاعلا أساسيا في عملية التنمية، عبر تجويد وتسريع الإنتاج التشريعي للقوانين، ومراقبة العمل الحكومي، وتقييم السياسات العمومية.

وقد جاءت الدورة التشريعية في سياق التوجيهات السامية التي تضمنتها الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية المخلدة للذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي، وهو حدث يرسخ في أذهان الأجيال الحالية والصاعدة مسار الديمقراطية والمؤسسات الوطنية، وما راكمه من إصلاحات، مع استحضار الإنجازات التي حققتها المملكة في مجال العمل البرلماني، وإبراز مكانة السلطة التشريعية في مسار الإصلاحات المؤسساتية والسياسية والتنموية. كما شكلت هذه المناسبة فرصة لاستشراف مستقبل النموذج السياسي المغربي، في أفق ترسيخ أسس الديمقراطية التمثيلية وتكريس مبدأ فصل السلطات، تعزيزا للتقاليد المؤسساتية ذات الامتداد العميق في تاريخ المغرب.

يأتي اختتام الدورة التشريعية في ظل سياقات دولية معقدة، تتسم بتداعيات التوترات الجيوسياسية والظروف المناخية، بالإضافة إلى استكمال الإنتاج التشريعي لحزمة من المشاريع القانونية المرتبطة بمختلف البرامج والمشاريع التنموية والاجتماعية، التي وضع أسسها جلالة الملك لإرساء منظور متجدد وشامل يعزز مقومات الدولة الاجتماعية. وتفرض هذه الرهانات، المصحوبة بتحديات جمة، تكثيف العمل البرلماني وتعميق أدائه التشريعي والرقابي.

 

2- ما تقيمك لحصيلة الدورة التشريعية الحالية؟

على المستوى التشريعي، يمكن القول إن الدورة ساهمت في إرساء منظومة قانونية جديدة، من خلال المصادقة على عدد من النصوص ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، التي تعكس تفاعل المؤسسة مع متطلبات المجتمع. كما عززت مبدأ فعلية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، حيث تم تقنين العديد من الخدمات والمرافق العمومية، وتأمين الذاكرة التاريخية للمملكة ضد كل أشكال التزييف أو محاولات الطمس، وهو ما يمثل خطوة متقدمة في أداء المؤسسة التشريعية.

وقد أسفرت هذه الجهود عن تحقيق تقدم ملحوظ مقارنة بالدورة التشريعية السابقة، سواء من حيث تنوع القوانين المصادق عليها أو توسع نطاقها. فقد صادق البرلمان خلال النصف الأول من الولاية التشريعية على 111 مشروع قانون، وستة مقترحات قوانين، منها 18 مشروع قانون، خلال دورة أكتوبر 2023- 2024. كما شملت الحصيلة 30 قانونا تأسيسيا، تتعلق بقطاعات حيوية، من بينها الصحة، والدعم الاجتماعي، والقضاء، والاستثمارات، والفلاحة، والمالية.

ويُعد هذا الإطار التشريعي خطوة رئيسية في تنظيم التدخلات المركزية والمجالية للدولة، وتوطين الخدمات والاستثمارات، مما عزز العمل البرلماني من خلال الإسهام في عصرنة التدخلات العمومية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وجذب الاستثمارات، وتكريس حكامة المرفق العام.

وفي سياق الحديث عن حصيلة الدورة التشريعية، لا يمكن إغفال أهمية مدونة الأخلاقيات البرلمانية، التي تضمن تخليق الحياة البرلمانية، عبر ضبط الأداء البرلماني، ومنع البرلمانيين المتابعين قضائيا من ترؤس اللجان، أو تقلد المناصب الدبلوماسية البرلمانية. كما تلعب المدونة دورا أساسيا في ضمان احترام مبادئ الديمقراطية التمثيلية، وتجويد أداء النخب البرلمانية، مما يحد من ظاهرة الغياب وكل ما من شأنه التأثير على الأداء البرلماني.

وشهدت الدورة التشريعية العديد من الرهانات التي ما زالت مطروحة أمام المؤسسة التشريعية، مما يستوجب استكمالها، سيما في ما يتعلق بالجيل الجديد من الإصلاحات الاجتماعية التي ستنخرط فيها المملكة خلال المرحلة المقبلة.

 

3- ماذا بخصوص الدبلوماسية البرلمانية في ضوء التوجيهات الملكية؟

شكلت الدبلوماسية البرلمانية محورا بارزا في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة، حيث أكد جلالته على أهمية الحضور البرلماني الفاعل في الساحة الدولية، وهو ما انعكس على الأداء الدبلوماسي للمؤسسة البرلمانية خلال هذه الدورة.

وقد واصل البرلمان جهوده في الدفاع عن القضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية للمملكة، من خلال مشاركة نوعية ومؤثرة في المؤتمرات والمنتديات الدولية متعددة الأطراف. كما عزز دوره في بناء علاقات دولية قائمة على الثقة والمصداقية، عبر المعاينات الميدانية، وآليات الإقناع، والأنشطة البرلمانية، مثل المؤتمرات والملتقيات الدولية، وتبادل الوفود مع مختلف برلمانات العالم.

مكنت هذه الجهود المؤسسة البرلمانية من احتلال موقع متقدم في دبلوماسية التأثير، ما يضمن تعزيز قنوات التواصل مع الشركاء الدوليين، وبناء علاقات قوية قادرة على التفاعل الفوري والمستقبلي مع مختلف القضايا الدولية، بما يتقاطع مع المصالح الوطنية.

وقد تميزت الحصيلة الدبلوماسية البرلمانية بتركيزها على الترافع حول القضية الوطنية الأولى، باعتبارها جوهر الوحدة الترابية للمملكة، استنادا إلى التوجيهات الملكية الرشيدة، التي تؤكد على ضرورة العمل المستمر لإبراز عدالة قضية الصحراء المغربية، والتعريف بمبادرة الحكم الذاتي، بما يحقق مكاسب دبلوماسية تصب في خدمة القضية الوطنية.

وفي هذا الإطار، يتعين على المؤسسة البرلمانية مواصلة تطوير أدواتها لتعزيز العلاقات الخارجية، وتقريب وجهات النظر، عبر الانفتاح على مختلف البرلمانات الإقليمية والدولية، وتكثيف التنسيق معها، خاصة مع برلمانات الاتحاد الأوروبي، والقارة الأمريكية، وغيرهما. ويساهم هذا الانفتاح في تعزيز التفاهم بين ممثلي الشعوب، والترويج لعدالة القضية الوطنية، وإبراز شرعيتها القانونية والتاريخية.

استشعارا لدقة المرحلة وحجم الرهانات والتحديات، بات من الضروري مضاعفة الجهود من أجل تحقيق دبلوماسية برلمانية مبادرة ويقظة ومتعددة الأبعاد، تتكامل مع الدبلوماسية الملكية، التي تشكل الأساس والمرجع الرئيسي لمواقف المغرب الدولية. كما يجب أن تستمر المؤسسة البرلمانية في أداء دورها الفاعل داخل المنظومة الدبلوماسية الوطنية، بما يحقق المصالح العليا للمملكة على الساحة الدولية.

وعكست الدورة التشريعية الرابعة دينامية واضحة على المستويات التشريعية والرقابية والدبلوماسية، مع تسجيل تقدم ملحوظ في الإنتاج القانوني، وتعزيز الأداء الدبلوماسي البرلماني. ورغم ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان استمرارية هذا الزخم، وتسريع وتيرة الإصلاحات، بما يعزز مكانة المؤسسة البرلمانية كفاعل رئيسي في المسار الديمقراطي والتنموي للمملكة.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى