شوف تشوف

شوف تشوف

حصاد الجامعات

عندما كتبنا حول الظروف التي جرت فيها إعادة تعيين رئيس جامعة مكناس ترك أستاذ جامعي عضو في لجنة الاختيار شؤون مدرسته الخاصة جانبا وخرج ببلاغ يدافع فيه عن الاختلالات التي عرفتها مباراة انتقاء رئيس الجامعة، في الوقت الذي اكتفت فيه الوزارة ببلاغ مقتضب لا يكاد يُبين.
وبعيدا عن صراع أُطر وأساتذة الحركة الشعبية حول الريع الجامعي، هناك ما هو أخطر، وهو الصراع الذي يخوضه الحزب الحاكم للسيطرة على مفاصل الجامعة المغربية.
والواقع أن الخطاب الذي يروجه حزب العدالة والتنمية حول محاربة الفساد الإداري ودفاعه عن تكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظيفة العمومية والوصول إلى مناصب المسؤولية والمناصب العليا انكشف بعد ثماني سنوات من التدبير خلال الولاية الحكومية السابقة والحالية، وتبين أنه مجرد دعاية ديماغوجية موجهة للاستهلاك الإعلامي والدعاية الانتخابية، ومن بين القطاعات التي كشفت زيف هذا الخطاب، قطاع التعليم العالي الذي شهد تفشيا لظاهرة المحسوبية والمحزوبية للحصول على المناصب.
ومن يتابع مسلسل التعيينات في المناصب الجامعية العليا يلاحظ كيف شهدت الجامعات والمؤسسات العليا التابعة لها، حربا ضروسا حول التعيينات في مناصب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، بحيث يسعى كل حزب إلى بسط سيطرته على جامعة معينة، فيما بذل لحسن الداودي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق، وخلفه الحالي، خالد الصمدي، مجهودات كبيرة لـ«تبليص» مقربين من حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح في مواقع المسؤولية بالكليات والمؤسسات الجامعية، باستغلال السلطة التي يتمتع بها للتعيين في هذه المناصب، وفي استغلال «تعسفي» لقانون التعيين في المناصب العليا المخول بموجب الدستور لرئيس الحكومة، بحيث تم إلغاء نتائج العديد من مباريات التعيين في مناصب رؤساء الجامعات، وإعادتها بعد وضع شروط على مقاس المحظوظين، وذلك بغرض فتح المجال أمام الحزب الحاكم لتمكينه من بسط سيطرته على المؤسسات الجامعية، نظرا لما تحظى به من أهمية في إطار استراتيجيته.
وطيلة هذه المدة نجح الداودي وبعده الصمدي في تعيين قياديين بالحزب وزوجاتهم بمختلف الجامعات المغربية في الرباط والدار البيضاء ومراكش والمحمدية وسطات وطنجة وتطوان وفاس ووجدة، وعين أعضاء وبرلمانيون من حزبهما بكلية متعددة التخصصات بمدينة الرشيدية، وهي كلية حديثة التأسيس تحولت إلى قلعة تابعة للحزب، على غرار جامعة سطات.
وتجاوز حزب العدالة والتنمية مرحلة إطلاق اليد والتغلغل داخل الإدارات العمومية وشرع في تطبيق خطته الجديدة للانتشار في المؤسسات الجامعية لكون هذه المؤسسات لديها القدرة على جذب الأتباع في محيطها التعليمي والمجتمعي، وتمنح إمكانيات انتقاء المميزين تعليمياً في تخصصاتهم، خصوصا بعد مرحلة ندرة الأطر الجامعية في جسم الحزب الحاكم وتحول الحزب بعد الوصول إلى السلطة إلى ملاذ لاستقطاب الكثير من الأطر التي تبحث عن الاستفادة من المناصب والامتيازات.
وهذا ما يجعلنا نفهم بعض الشيء خلفيات الحرب الخفية التي اندلعت بين رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ووزيره في التربية الوطنية سعيد أمزازي بسبب إعفاء الوزير الحركي للقيادية في حزب العدالة والتنمية، جميلة العماري من منصب مديرة الموارد البشرية بوزارة التعليم العالي، التي عينها الوزير السابق لحسن الداودي، وبعد رفضها مغادرة مكتبها بالوزارة، وقع أمزازي على قرار تعيين مدير بالنيابة، وطلب منه الالتحاق بمكتب مديرية الموارد البشرية، فيما طلب من العماري العودة إلى منصبها الأصلي بكلية الحقوق التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، وهي المدينة التي شغلت بها منصب عضو بالمجلس الجماعي ومجلس العمالة.
وما يفسر تشبث «البيجيدي» بهذا المنصب، هو أهمية مديرية الموارد البشرية، التي تعتبر أقوى مديرية بالوزارة، لأنها تتحكم في مصير 14 ألف أستاذ جامعي يشتغلون بـ125 مؤسسة جامعية، مما يجعلها وسيلة في يد الحزب للاستقطاب والإغراء داخل جيش الجامعيين.
وقد ظهرت استراتيجية سيطرة الحزب الحاكم على الجامعات ومؤسسات التعليم العالي بشكل أوضح في الصراع حول التعيينات على رأس الجامعات والكليات، وخاصة بجامعة الرباط، نظرا لموقع ومكانة هذه الجامعة، التي بقيت بدون رئيس منذ تعيين أمزازي وزيرا في حكومة العثماني، الذي رفض التأشير على نتائج المباراة الانتقائية لاختيار الرئيس، والتي توصل بها منذ أوائل شهر يوليوز الماضي، بعد استيفاء جميع المساطر القانونية اللازمة لذلك، ما تطلب تدخلا من أعلى المستويات في البلاد، لإنهاء أزمة «البلوكاج»، ليتم تعيين محمد الغاشي رئيسا بدل مرشح «البيجيدي» الذي كان يحظى بدعم قوي من طرف الصمدي.
ولكي تعرفوا أهمية وخطورة هذه الحرب يكفي أن تعرفوا أنه وإلى الْيَوْم ما زالت هناك مؤسسات جامعية تتعثر في تعيين عمدائها ورؤسائها ومدرائها بسبب رغبة الحزب الحاكم في بسط سيطرته عليها، حيث يواصل العثماني دفع مؤسسات التعليم العالي إلى حالة من الشلل داخل أكثر من 16 مؤسسة تنتظر تعيينات عمدائها ورؤسائها ومدرائها، وذلك بسبب رغبة الحزب الحاكم في وضع زبنائه لتدبير الجامعات، كما يود أن يحصل في كلية الحقوق بالمحمدية والجديدة ومراكش بعد نجاحه في تعيين مقربين له بكليات فاس وسطات التي واصل الهيمنة عليها بعد انتهاء ولاية أحد أعضاء حزبه، بالإضافة إلى كلية الحقوق بتطوان.
وبعيدا عن التحكم في نظام التعيينات يعتبر حزب العدالة والتنمية أن الجامعات والكليات، حيث التجمعات الشبابية التي يصل زبناؤها إلى مليون طالب، ساحة خصبة لنشر أفكاره وتدعيم نفوذه الاجتماعي والسياسي لبعد تلك المؤسسات عن الضبط الصارم، فتستغل تلك الوضعية من أجل تنظيم مؤتمرات وفعاليات في الجامعات المحلية لتهييج وتحريض الشباب ضد توجهات الدولة.
ويستبق حزب العدالة والتنمية المصادقة على قانون الإطار المتعلق بالمنظومة التعليمية، وخصوصا تلك المتعلقة بالتعليم العالي لقيادة نموذج إصلاحي يتماشى مع رؤيته السياسية، لذلك فهو حريص على وضع رجالاته في مناصب المسؤولية الجامعية خصوصا أن القانون الجديد سيوسع من سلطة الجامعات واستقلالها المالي والإداري، وسيفتح الباب على مصراعيه أمام الجامعات لعقد شراكات مالية ضخمة بالمليارات مع القطاع الخاص واتفاقيات دولية تسمح بضخ ميزانية مهمة ضمن موارد الحزب.
ويحاول حزب العدالة والتنمية السيطرة على كلية الحقوق التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، نظرا لأهمية هذه الكلية على المستوى السياسي والأكاديمي، وتدخل الداودي بكل قواه لفرض تعيين عبد العالي حامي الدين، القيادي بالحزب، بشعبة القانون العام والعلوم السياسية بهذه الكلية، ضدا على إرادة مجلس الشعبة، وفي تطاول على الصلاحيات البيداغوجية للأساتذة ومس بمبدأ استقلالية الشعب.
ومارس الداودي ضغوطات لتسهيل تنقيل حامي الدين من كلية الحقوق بجامعة عبد المالك السعدي بمدينة طنجة للعمل بكلية الحقوق بالرباط، خارج الضوابط القانونية المعمول بها داخل الكلية، ودون مصادقة اللجنة العلمية للشعبة، وهذا الأخير مارس بدوره ضغوطات لتنقيل زوجته من كلية الحقوق بمراكش إلى كلية الحقوق بسلا تمهيدا لتنقيلها إلى نفس الكلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى