حروب ناعمة
![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2025/02/65656d-4-750x470.webp)
لا شك أن الجميع يُتابع سعار الحروب الناعمة التي تستهدف الشعوب والحضارات وتهدم القيم، والتيه القيمي الذي يعيشه شباب المستقبل بالمغرب، والعيش خلف شاشات الهواتف الذكية، والضياع بصحاري المواقع الاجتماعية دون دليل ومعرفة بألغامها الخطيرة، والبحث عن إثبات الذات بطرق مُنحرفة، واتباع القدوات التافهة، وخطر التوجيه نحو النجاح الوهمي، دون عمل ولا مجهود ومثابرة سوى الكلام الساقط، والإبداع في التفاهة وجرائم السب والشتم والتنمر، وتمييع كل شيء.
إن الحروب الناعمة لا تستعجل النتائج التي تظهر على مستوى استهداف أجيال بكاملها، لكن النتائج تكون كارثية على مستوى تفكك الأسر وضرب القيم، وصناعة جيل تائه لا يعرف عن نفسه وتاريخه ووطنه وثوابته أي شيء، ويعيش من أجل الحياة المادية فقط، بحيث كل شيء يصبح بالنسبة إليه قابلا للمساومة والبيع، دون اعتبار للكرامة والمواطنة، ودون التزام بضوابط الوازع الديني والأخلاقي.
يجب علينا فهم واستيعاب أن هناك قيما نبيلة شيدت على أساسها الحضارة المغربية، وهي التي تجعل كل شعوب العالم تتغنى بالتضامن والتكافل الأسري المغربي، وحسن الضيافة، وتقدير قيمة العمل كسبيل وحيد لنجاح الفرد والمجتمع، بحيث إذا فرطنا في مصادر قوتنا وتساهَلنا مع الحروب الناعمة التي تهاجم أُسُس وركائز المجتمع، وفق خطط واضحة وباستعمال وسائل الاتصال الحديثة، فإننا سننتهي أمام أجيال تم تربيتها بالفضاءات الافتراضية، وهذا كافٍ لإعلان حالة الطوارئ، للحفاظ على القيم النبيلة والعودة إلى إصلاح التربية قبل التعليم.
إن من أخطار الحروب الناعمة، تمكُنها من هدم القيم النبيلة بسرعة خيالية، وذلك نتيجة الفعالية في تسويق وهم النجاح المادي في الحياة، وربطه مباشرة بالتفاهة بالمواقع الاجتماعية، واستقطاب الأتباع ومنح القدوة السيئة لأجيال المستقبل، وتحريكها من خلف الستار، ودغدغة العواطف للتمرد على كل ما هو ثقافة محلية والضرب فيها وإلصاقها بالرجعية والتخلف.
لن تنفعنا الشعارات المرفوعة للعودة إلى الأسرة والمدرسة لتصحيح ميزان التربية المختل قبل التعليم، والرسالة الثقيلة التي يتحملها الجميع لبناء جيل قوي يواجه التحديات العالمية التي تزداد تعقيدا، بسبب الحروب المدمرة، يجب التقيد بالعمل الآن وليس غدا بشكل مكثف لحماية الأجيال، والوقوف في وجه الحروب الناعمة التي تستعمل سلاح التفاهة للتدمير الصامت للقيم والحضارات، دون رحمة أو اعتبار لأي شيء، سوى أطماع التوسع والمصالح الكبرى، والسيطرة على الثروات وتحويل الإنسان الذي كرمه الله في هذا الكوكب إلى قطيع ينتج الثروة لصالح فئات مسيطرة، ولا يستفيد منها إلا بالشكل الذي يضمن له الاستمرار في الإنتاج وعلى قيد الحياة فقط.
لا نقول بالانعزال عن العالم، ولا التخلف عن ركب التطور التكنولوجي، ولا الانغلاق على الذات والتضييق على الحريات، ولكن هناك شيء اسمه حُسن استغلال وسائل التواصل الاجتماعي وتقنين النشر، ومواجهة الفوضى الرقمية، والحذر من التطبيع مع جرائم التشهير والابتزاز والتنمر وصناعة التفاهة باحترافية عالية، وحماية الأسس والركائز التي بُنيت عليها الدولة، والحفاظ على القيم وتوارُثها بين الأجيال، وحماية الأسرة كمكون محوري للمجتمع، وفي هذا فليجتهد كل من مسؤوليته وقدرته على العطاء بنكران للذات، عوض تقاذف المسؤوليات والاتكالية، والوقوف موقف المتفرج أمام استمرار الحروب الناعمة في عملها ليل نهار، لتدمير قلاع القيم وهويات البلدان والحضارات المستهدفة.