شوف تشوف

الرأيالرئيسية

حج وحاجة

عبرت جامعة كرة القدم عن سخائها حين وفرت ستة آلاف تذكرة لفائدة المشجعين المغاربة الذين تدفقوا على الدوحة كالشلال. وعبر لاعبو المنتخب عن سخائهم حين أصر المصابون منهم على خوض المباريات وهم يحاولون ابتلاع آلامهم. ثم عبر ثلاثة لاعبين أساسيين في تشكيلة الفريق الوطني عن سخائهم وروح التضامن التي تسكنهم، حين تبرعوا بمصروف الجيب لفائدة طهاة ومكلفين بالأمتعة وأعوان في الظل.

لكن بقدر ما نسعد لهذه اللمسات الإنسانية ونفرح للالتفاف الرهيب حول المنتخب الوطني، بقدر ما يندس داخل البعثة أشخاص يصرون على التغريد خارج السرب، يحملون معاولهم لهدم «الحفلة».

تناقلت وسائل الإعلام العالمية فورة الغضب التي انتابت المشجعين المغاربة، بعد تنامي ظاهرة «المارشي نوار» في الدوحة، بعد أن أساء عضو جامعي توزيع كمية التذاكر التي اشترتها الجامعة وقررت توزيعها على المشجعين مجانا.  

أبشروا لقد انتقلنا من السوق السوداء المحلية إلى السوق السوداء العالمية، وتحول باعة التذاكر المتجولون إلى أشخاص بطلعة بهية مختلفون تماما عن رجال السوق السوداء في مباريات كرة القدم المحلية. فالأسعار اقتربت من سقف الألف دولار ونسبة هامش الربح بلغت المائة في المائة.

اتهم كثير من نشطاء ورواد مواقع التواصل في المغرب وقطر «بو وريقة» بـ «السطو» على حصة التذاكر التي أمنتها الجامعة للمشجعين المغاربة، وتوزيعها بمزاجية، خاصة مع استفادة بعض المؤثرين والصحافيين والمنتخبين منها. وردد الجمهور في شوارع الدوحة لازمة: «الفرقة هاهي والورقة فينا هي».

تسريبات صوتية وأشرطة فيديو كشفت عن مساومات بين مشجعين ورؤساء فرق، وبين مناصرين يبحثون عن تذكرة عبور للمدرجات وفرصة لتشجيع منتخب بلادهم وترديد أهازيج الفرح في المدرجات، ومنتخبين، لكن الجشع صادر أحلامهم.

كشفت التسريبات عن مفاوضات بين رئيس فريق مغربي يحمل صفة برلماني، وهو يعرض تذاكر للبيع ويصر على أن تظل «الغفلة بين البائع والمشتري» قائمة حتى ولو تعلق الأمر بمباراة منتخب يمثل وطنا.

أما رئيس فريق عبدة الذي أقسم ذات يوم على تقديم اعتراض ضد الرجاء البيضاوي، بسبب وجود مدرب موقوف في كرسي البدلاء، فوجد نفسه موضع اعتراض شعبي بعد أن استغل وجوده في الدوحة لبيع تذاكر مباراة المغرب ضد فرنسا في السوق السوداء.

بينما رئيس الرجاء السابق وهو أيضا برلماني ورئيس مقاطعة، فقد برر سوء توزيع التذاكر تبريرا سرياليا حين قال في برنامج إذاعي: «لقد سلمت عائلات اللاعبين والطاقم التقني خمسة آلاف تذكرة». قد نصدق هذه القسمة إذا كان «الموزع» يسعى من وراء ذلك تمتيع الجميع برضا الوالدين.

بعض الزملاء الصحافيين، سامحهم الله، استغلوا فرصة الانتعاشة القوية لسوق بيع التذاكر، فدهنوا رؤوسهم بالعسل وأدخلوها في غار النمل، بمنتهى المهنية، روج أحد الصحافيين المغاربة التذاكر وباعها بـ «العلالي» وهو واقف في سوق واقف.

لم يصمدوا أمام جاذبية السوق السوداء، بل إن مهاجما سابقا لفريق بيضاوي لم يهدر فرصة «المونديال» للاغتناء من «المارشي نوار»، بعد أن ضيع عمره في إهدار فرص التسجيل حين كان قلب هجوم.

عندما تختفي التذاكر من السوق البيضاء، تظهر مساء في السوق السوداء، وتحصل حالة استنفار أمام مقر إقامة المسؤولين، يجد المكلف بتوزيع التذاكر متعة والناس تتدافع نحوه، يهدد الرجل بالانسحاب في حالة استمرار الفوضى، فيتوسل إليه «المعذبون في الصف» ويلتمسون منه منح التذاكر لمن استطاع إليها سبيلا.

تتشابه سيناريوهات بيع التذاكر في البلدان العربية، ويستثنى من ذلك الدول التي تعاني من نقص حاد في التدفق الجماهيري، أما الدول العريقة في اللعبة فإن نفاذ التذاكر وتعطل التسوق الرقمي، يكفي للإطاحة بوزير الرياضة ودفع وزير الرقمنة للاستقالة.

الطمع كماء البحر، زد منه شربا تزداد عطشا.

حسن البصري 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى