شوف تشوف

الرأي

حج «القورعة» وحج البرلمان

لا يسع المرء هذه الأيام، وهو في عز شهر الصيام، سوى أن يبارك مسبقا للبرلمانيين وعائلاتهم وأصدقائهم، حجا مبرورا وسعيا مشكورا، حتى لو كان حجا «بيليكي» لمن استطاع إليه سبيلا. فهنيئا لأولئك البشر الذين لا يريدون أن يشبهوا باقي عباد الله حتى في المناسك والفرائض، ولا يرضون لأنفسهم أن يضعوا أسماءهم وأسماء زوجاتهم في قرعة الحج، وينتظرون نصيبهم كأيها الناس، فالحج بالنسبة لمقامهم يسعاهم ولا يسعون إليه.
هناك فئة بيننا تعتقد أن وجودها في البرلمان والوزارة وباقي أنواع السلطة، يكفيها كي لا تشبه ولا تتشبه بباقي عباد الله، وأحيانا الله أن سمعنا وقرأنا بيان رئيس فريق العدالة والتنمية بالبرلمان عبد الله بوانو، يفتي في الاستفادة ويبسط مزايا الحج على حساب البرلمان للأهل والعشيرة والزوجات، وقال بالحرف: «إن الاستفادة مقصورة على التأشيرة فقط دون غيرها»، بمعنى أن الحج في نظر الحزب الحاكم لم يعد أشهرا معلومات بل تأشيرات معلومات.
رحم الله زمنا غابرا كان المغاربة يحزمون متاعهم ويتوادعون مع أهلهم ويؤدون ديونهم ويسافرون إلى الحج، في رحلة قوافل على الدواب تدوم سنة ذهابا وسنة إيابا عبر الجزائر وصحراء ليبيا ومصر والحبشة، في زمن لم تكن فيه تأشيرات المجاملة ولا امتيازات البرلمان ولا طائرات ولا فنادق مصنفة وفاخرة مطلة على الحرم المكي، وكان لقب الحاج لقب تعظيم مستحق لصاحبه، وعشنا وشفنا في زمن حكم حزب العدالة والتنمية أن الركن الخامس من أركان الإسلام، أصيب بدوره بالغش والريع، وأصبحنا أمام حجاج «دوريجين»، وآخرين «مدرحين».
وقد أبان السي عبد الله بوانو عن فراسة مؤمن جديدة وغير مسبوقة، حين اعترف في بيانه الرسمي بأنهم في فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب استفادوا فعلا من 40 تأشيرة، وأضاف عليها أنه أمر معمول به لدى عدد من المؤسسات الرسمية بالمغرب، لكن غير العادي أن الحزب الذي يقبل بتأشيرات مجاملة ويمنحها للأهل والزوجات والربيبات، هو نفسه الحزب الذي يرفع شعار المعقول والطهرانية ومحاربة الريع، وهو نفسه الحزب الذي يشبه زعيمه مناضليه وقادته بالعشرة المبشرين بالجنة، ويعتبر نفسه هدية الله إلى هذا الوطن.
كنا ننتظر من النائب المحترم عبد الله بوانو أن يغير ريع تأشيرات الحج بالمجاملة، هو الذي يمتلك جيشا عرمرما من البرلمانيين يصل إلى 107، وحتى وإن فشل في تغيير الوضع الحالي بالقوة، على الأقل كان باستطاعته تغييره بالفعل، كأن يعلن تنازل فريق «البيجيدي» عن هذه التأشيرات لصالح دور العجزة المنتشرة في ربوع المغرب، منها ينال فريق الحزب الحاكم توبة مضاعفة، ومنها يعطي المثال على نظافة اليد وصفاء النية. أما وأن تصبح تأشيرة مناسك الحج مثلها مثل «كَريمة طاكسي»، أو رخصة مقلع تنال بالوساطة و«باك صاحبي»، فليست سوى أشياء ابتدعتموها أنتم وبرلمانيوكم، وما أنزل الله بها من سلطان.
لقد أثبتت واقعة تأشيرات المجاملة وقبول فريق الحزب الحاكم بها، أن الغش والريع والفساد وعدم تساوي الحظوظ قد قطعت أشواطا كبيرة في عهد حكومة بنكيران، ولم تعد هذه الممارسات مقتصرة على مجالات الحياة الدنيا، بل انتقلت إلى أحد أشهر وأطهر أركان الإسلام، وأصبح معهم الإحرام والسعي والطواف وزيارة قبر النبي والوقوف بعرفة مجاملة تحق على الخواص أما العوام فوجوههم «وجه القورعة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى