سهيلة التاور
قضى أربع سنوات وهو لاجئ في سفارة الإكوادور في لندن. في نطاق مذكرة اعتقال أوروبية لمدة ست سنوات، ظل عالقا بسبب بطء عمل المؤسسات التي تعطل الإجراءات.
رغم تقاعده، يستمر بلا منازع وبكل عزيمة في قيادة «ويكيليكس».
يعد جوليان أسانج الصحافي والناشط في الإنترنت والمبرمج الأسترالي في نظر أنصاره أحد الباحثين المناضلين بقوة من أجل الوصول إلى الحقيقة، لكن في نظر منتقديه شخص يبحث عن الشهرة عرض حياة كثيرين للخطر من خلال نشره كما هائلا من المعلومات الحساسة. ويوصف جوليان أسانج من قبل من عملوا معه بأنه شخص متحمس للغاية وفائق الذكاء، ويتمتع بقدرة استثنائية على فك شفرات برامج الكمبيوتر.
تفاصيل عن جوليان أسانج
ولد جوليان أسانج في عام 1971 في تاونسفيل بولاية كوينزلاند، شمالي أستراليا، وعاش طفولته في ترحال مع والديه اللذين كانا يديران مسرحا جوالا. ورزق بطفل وهو في سن الثامنة عشر، وسرعان ما خاض معارك قضائية بشأن حق الحضانة.
وفر له تطور الأنترنت فرصة لاستخدام تفوقه في مجال الرياضيات، لكن ذلك بدوره تسبب له في مصاعب. وفي سنة 1995، واجه مع صديق له اتهامات بارتكاب عشرات من أعمال القرصنة الإلكترونية. ورغم مهارة مجموعة قراصنة الأنترنت في تعقب المحققين الذين يلاحقونها، ألقي القبض على أسانج وأقر بذنبه، ودفع كفالة بعدة آلاف من الدولارات الأسترالية كي يظل خارج السجن وبشرط عدم تكرار فعلته. وأمضى بعد ذلك ثلاثة أعوام يعمل مع الأكاديمية «سويليت دريفوس»، التي كانت تجري أبحاثا تتعلق بالجانب التخريبي الناشئ من الأنترنت، وأعد معها كتاب «العالم السفلي»Underground الذي بات من الأكثر مبيعا بين المؤلفات المتعلقة بالكمبيوتر. وفي إحدى شهاداتها عنه وصفت دريفوس أسانج بأنه «باحث ماهر جدا» كان لديه «شغف بمفهوم الأخلاق ومفاهيم العدالة، وماذا يجب على الحكومات فعله وعدم فعله».
وأعقبت ذلك دورة للرياضيات والفيزياء التحق بها في جامعة ملبورن، حيث بات عضوا بارزا في قسم الرياضيات، وابتكر مسألة رياضية دقيقة صنفها المعاصرون على أنها ممتازة.
أهم القضايا المرفوعة ضده
قرر جوليان أسانج تأسيس موقع «ويكيليكس» سنة 2006، الذي يهتم بنشر الوثائق والصور، والذي تصدر عناوين الصحف في أنحاء العالم في أبريل سنة 2010، حينما نشر لقطات تظهر جنودا أمريكيين يقتلون بالرصاص 18 مدنيا من مروحية في العراق.
إلا أن سنة 2006 لم تكن سنة للتأسيس والفخر فقط بل كانت كذلك عويصة على أسانج، حيث تم اعتقاله من قبل بريطانيا بعد أن أصدرت السويد مذكرة اعتقال دولية بحقه بسبب اتهامه بالاعتداء الجنسي، اغتصاب امرأة والتحرش بأخرى وممارسة الجنس معها عنوة في غشت من العام نفسه حين كان في زيارة إلى ستوكهولم لإلقاء محاضرة. ويقول أسانج إن ممارسته الجنس مع المرأتين كان بإرادة كل منهما.
غير أنه تلقى تأييدا قويا من المحامين الذين يشتغلون لحساب «ويكيليكس» منذ 6 سنوات بشكل تطوعي والذين يبلغ عددهم 154 محاميا، ويدافعون عنه بخصوص قضايا مرفوعة ضده وشكاوى أخرى مقدمة من طرفه، ومن أهمها تلك المقدمة ضد VisaوMasterCard اللذين يقتطعان مبالغ مهمة ومبالغ فيها من متتبعيه وقرائه. إلا أن كل ملفات القضايا المرفوعة ضده وضعت في ملف «الدفاع السري»، وبالتالي من الصعب على محاميه الإطلاع عليها والدفاع عنه.
اللجوء السياسي
عاش أسانج أشهرا وهو يخوض معركة قضائية لرفض تسليمه للسويد حين كان قيد الإقامة الجبرية في بلدة ريفية صغيرة في إنجلترا. وأقرت محكمة جزئية تسليم أسانج في فبراير عام 2011، وهو ما أيدته لاحقا المحكمة العليا. لم يستسلم للحكم وقرر تقديم طلب لإعادة النظر في الطعن المقدم في القضية، لكنه رفض من طرف المحكمة العليا في 14 يونيو لسنة 2012.
وبعد مرور أيام قليلة، لجأ أسانج إلى سفارة الإكوادور بلندن، حيث مكث هناك بعد أن منحته هذه الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية حق اللجوء السياسي في 16 غشت عام 2012.
كان تخوف أسانج الوحيد يتمثل في أن تسلمه السويد إلى الولايات المتحدة وأن يُحاكم هناك بسبب نشره معلومات أمريكية سرية.
ومن ناحية أخرى، رفضت الحكومة البريطانية السماح له بخروج آمن إلى الإكوادور، إذ من الناحية القانونية هي ملزمة بتسليمه إلى السويد. غير أن وزارة الخارجية السويدية أكدت أن السبب الوحيد في رغبتها تسلم أسانج هو إمكانية التحقيق بشكل مناسب في الاتهامات الموجهة ضده.
إلا أن الادعاء السويدي أسقط التحقيق في اتهامات الاعتداء الجنسي بحق أسانج في 13 غشت 2015 بعد انقضاء الفترة المحددة للتحقيق وتوجيه الاتهام. لكن أسانج لا يزال يواجه اتهاما آخر أكثر خطورة يتعلق بالاغتصاب. وفي نفس الوقت دعا وزير خارجية الإكوادور ريكاردو باتينو الحكومة البريطانية إلى احترام القرار السيادي لبلاده.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
لطالما كان أسانج من مؤيدي البريكسيت «Brexit»، وهو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهذا القرار سيكون لصالحه، إلا أنه لا يؤمن به كثيرا. فبريطانيا هي قوة كبيرة في حد ذاتها بالمقارنة مع أوروبا بأكملها، ومن شأن أوروبا أن تسير أمورها بدونها. اليوم، أوروبا لا تستطيع اتخاذ قراراتها القاسية والعنيفة التي تحتاج إليها، ومن الأسباب الكبيرة هو التأثير القوي والتدخل المباشر للمملكة المتحدة في القرارات. فلإعادة الإصلاح، تحتاج أوروبا لصدمة قوية.
ويظن أسانج أن «البريكسيت» بإمكانه أن يكون هذه الصدمة. فأوروبا قوية ومن الممكن أن تكون أقوى لأن العالم يحتاج إلى صوت ثالث للخيار البديل بين الكتلة الأمريكية والكتلة الصينية خلال ال 20 سنة المقبلة.
وفي رأي أسانج، الاستفتاء الحالي يشبه إلى حد ما ذاك الذي أقيم بخصوص استقلال اسكتلندا قبل سنتين. فهذا القرار اتخذته بريطانيا كموضوع لتُسلي به الشعب، لأسباب سياسية داخلية. وفي ما يخص «البريكسيت»، ففئة من الطبقة الحاكمة الإنجليزية تؤيد هذا القرار، خاصة ممولي الدولة الذين ستكون لهم فرصة وضع قواعد تخدمهم.
لا مجال للندم
صحيح أن الظروف صعبة والحياة لا تتخذ منحاها الطبيعي في السفارة كونه لم ير ضوء الشمس منذ 4 سنوات، كما أن فريق عمل Onu اتهم المملكة المتحدة بالإقامة الإجبارية والظروف غير العادلة، إلا أن أسانج لم يندم قط على الأعمال التي قام بها والوثائق التي كشفها.
الدليل على ذلك أنه لا يزال يسير موقعه «ويكيليكس» عن بُعد وتمكن من إبقاء الموقع قائما لمدة 10 سنوات. اليوم، «ويكيليكس» يشغل المئات من الموظفين، وهو ممول كليا من طرف المتتبعين والقراء، فنحن ننشر الملايين من الوثائق، ورغم كل الوسائل القهرية التي يمارسها ضباط الاتصالات الذين يبلغ عددهم 29 ألفا والتابعين للبانتاغون، تظل «CIA» و»FBI» تراقبه، إلا أن «ويكيليكس» ليس لديه أي بصمة وأي دين.
أوراق باناما
أسانج غير مقتنع بشكل كلي بأوراق باناما. من جهة، يمكننا أن نقول بأن المصدر الأساسي للمعلومات قد قام بعمل جيد، تماما كالصحافيين الأساسيين في القضية. ومن جهة أخرى، عدم نشر مصدر الوثائق يجعله في شك عميق. فكل هذا هو تحت رعاية الاتحاد الدولي للمحققين الصحافيين الكائن بواشنطن، الممول من طرف مؤسسة فورد، روكفيلر وسوروس وبالتالي فهذه العملية مدعمة ولست مستقلة. وكذلك الأمر مبالغ فيه، فالقضية وما فيها 166 وثيقة، وهذا ما يعني أن «أوراق باناما» هي أصغر ثغرة في التاريخ. ف 99.99 من الوثائق المتاحة هي مراقبة بخلاف المبدأ الذي يقوم عليه «ويكيليكس». فأهم شيء هو أن تكون مصادره موثوقة.
حل الأزمة
أسانج يرى أن هناك أصواتا عديدة ترتفع في الولايات المتحدة لتثبت أنه «خائن» وتصرح بإعدامه، وذلك لأنه ليس أمريكي الجنسية. لكن حتى دولته، أستراليا، تحاول سلب جوازه منه. الحكاية وما فيها هي الاستعلامات. فهيئة الاستعلامات الإنجليزية دخلت في تحالف سمته «العيون الخمسة» وأستراليا واحدة من هذا التحالف الذي يعد إمبراطورية ويعتبرون أسانج خائن هذه الإمبراطورية. ولهذا فهو لا يظن أن الولايات المتحدة ستفكر يوما في التنازل عن الانتقام ولا المملكة المتحدة ستتنازل عن إرادتها الشديدة في تسليمه للولايات المتحدة. لذا يقول أسانج: «بما أنني هنا في لندن فسأكون دائما محميا تحت لقب اللاجئ السياسي».