شوف تشوف

الرأي

جنون الطماطم

حسن البصري
صادقت لجنة القطاعات الإنتاجية على مشروع قانون يتعلق بحل مكتب التسويق والتصدير وتصفيته، ويأتي القرار بعد تسجيل اختلالات مالية وإدارية قيل إنها خطيرة والعهدة على تقرير المجلس الأعلى للحسابات، حيث تبين أن هذه المؤسسة غير قابلة للاستمرار في شكلها الحالي، وأن الوقت قد حان لتصديرها بعد أن غرقت حتى أخمص قدميها في مستنقع الإفلاس.
يعرف كبار المزارعين جيدا هذه المؤسسة التي لطالما منحتهم قروضا بتسهيلات سخية، ومكنتهم من التحول من فلاحين إلى مصدرين، فاصطفوا في طابور رجال الأعمال وركبوا السيارات الفارهة وقضوا عطلهم في باريس وأمستردام ومدريد، وغيروا مدارس أبنائهم من مدارس الدواوير إلى البعثات التعليمية الفرنسية، لكن في المواسم يقدمون الأضاحي قربانا لأولياء صالحين يبتغون منهم البركة والقبول وتعبئة لا تنتهي من الرزق.
لكن أهل الكرة القدامى يعرفون الوجه الآخر لمكتب التسويق والتصدير، الوجه الكروي الذي حوله إلى مؤسسة داعمة للوداد الرياضي، في زمن لم يكن فيه ذكر للمحتضنين والمستشهرين. لقد كان المكتب سباقا لتشغيل العديد من لاعبي ومدربي الوداد، بل إنه أنشأ فريقا لكرة القدم بدأ من البطولة المهنية وانتهى في القسم الثاني قبل أن ينسحب في هدوء بعد أن «صدره» المسؤولون إلى دهاليز النسيان وتخلصوا من تكلفته.
عين عبد الرزاق مكوار مديرا عاما لمكتب التسويق والتصدير في نهاية الستينات، بتزكية من صديقه بن سالم الصميلي الذي كان مديرا لكومناف ومديرا للجمارك ووزيرا للتجارة والصيد البحري، هذا الأخير اقترح على الوداديين اسم مكوار لرئاسة الوداد فاستجابوا لمقترحه، وتحقق في عهد عبد الرزاق ما لم يتحقق للفريق في عهد سابقيه. بفضل مكتب التسويق والتصدير تمكن عبد الرزاق مكوار من إقناع فلاحين إسبان نافذين في كاطالونيا بالمساهمة في فاتورة استضافة الوداد للبارصا سنة 1974، وبعد أسبوعين حضرت البضاعة من برشلونة معززة بأسطورة الكرة العالمية كرويف.
قام مكتب التصدير والتسويق بتشغيل العديد من لاعبي الوداد منهم الأشباح والأحياء، منهم من كان يحضر في نهاية الشهر لتلقي راتبه ومنهم من كان يأتي لأخذ حصته من الطماطم والحوامض، ومنهم من كان يقضي ساعات عمله بين الميناء والمكتب، قضى القدميري والزهر والهجامي وعمر وجوماد وغيرهم من لاعبي الفريق أيامهم بين الملاعب المعشوشبة وضيعات الطماطم، بين المشجعين والفلاحين، وقبل مكوار كان عبد الوهاب العراقي يوظف اللاعبين بمكالمة من الرباط، قبل أن يصبح عبد الصمد الكنفاوي مديرا للموارد البشرية للمكتب وينهي التعيينات الهاتفية ويخضع اللاعبين لدورة تأهيلية، لذا كانت مجموعة الغيوان تعي ما تقول حين غنت «سعدات لي رضى عليه الكنفاوي».
في زمن طلاق الشقاق بين المسؤولية والمحاسبة، وفي عهد كان لحساب صابون مجرد رغوة في غسيل المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وباسم الاستقلال المالي كان الغنى والثراء يأتي بين عشية وضحاها، حينها سقطت نقطة من قاف التسويق وأصبحت المعاملات المالية تنتهي على أنغام «أسيبك للزمن».
بيعت عمارة تابعة لمكتب التسويق والتصدير في باريس بثمن عمارة سكن اقتصادي، وببلاش بيعت مكاتب أكادير وطنجة، وعقارات أخرى وضعت في المزاد على مقاس مشتر نافذ، واستفاد أطر المؤسسة من تعويضات سخية في إطار المغادرة الطوعية، أبرزهم مدير تجاري كان يعتقد أن المال زينة الحياة الدنيا فحصل على 340 مليونا فقط وصدر نفسه بنفسه لعالم الأثرياء.
ما أن تخلصت البلاد من احتلال أجنبي حتى سقطت في أيدي احتلال مغربي كامل الدسم، وأصبح المتحكمون في خيوط القطاعات البعيدة عن أعين الرقباء، يعبرون بسرعة نحو ضفة الأثرياء، وحين تظهر غيمة الإفلاس في سماء المؤسسة يبادرون إلى المغادرة قبل أن تمطر نكدا.
أغلق مكتب التسويق والتصدير أبوابه وظلت مكاتب أخرى تسوق وتصدر الأوهام للشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى