شوف تشوف

الرأيالرئيسية

جنون الصحافة الغربية

يمكن القول إن الصحافة الغربية عموما، والبريطانية خصوصا، فقدت صوابها في ما يتعلق بتغطية مونديال 2022 المقام بقطر، والأمر ليس في إطار الحملات الخاصة بالعمال والمثلية، والتي كانت قائمة قبل انطلاق بطولة كأس العالم فحسب، بل باتت لها مداخل أخرى خارجة عن أي منطق. والحديث هنا ليس عن صحف «التابلويد» المنتشرة بأوروبا وبريطانيا، والتي توصم بأنها صحافة صفراء، بل يشمل صحفا عريقة ومرموقة، من المفترض أنها تحمل الرزانة والرصانة والمهنية، إلا أنها انحدرت في ما يخص مونديال قطر إلى المرتبة الصفراء.

جديد «حفلات الجنون» التقرير الذي نشرته صحيفة «تلغراف» الإنجليزية، والتي تعد من الصحف البريطانية ذات المصداقية (أو على الأقل كانت تعد كذلك). في 25 نونبر، يربط بناء الملاعب التي تقام عليها المباريات في قطر بحركة طالبان الأفغانية. واعتمدت «تلغراف» عنوانا «فضائحيا» مخالفا كليا لمضمون التقرير. العنوان كان «هكذا ساعدت طالبان في بناء ملاعب مونديال قطر»، ما يشير إلى أن الحركة رسميا كان لها دور مباشر في عملية البناء. وبغض النظر عن أن السند في المعلومات جاء من مسؤولين مجهّلين من «طالبان»، إلا أن التقرير يتحدث عن شراء مسؤولين بالحركة، خلال وجودهم في الدوحة أثناء مشاركتهم في مفاوضات السلام الأفغانية، معدات بناء وتأجيرها لبعض المقاولين والكسب من ورائها. وإن صحت هذه المعلومة، فإنها ليست أكثر من عملية تجارية فردية يلجأ إليها أشخاص عديدون في دول عديدة، فما بالك ببلد يشهد ورشة إعمار غير مسبوقة استعدادا لواحد من أكبر الأحداث العالمية. لكن الصحيفة لم تنظر إلى الأمر من هذه الزاوية، بل أدخلت «طالبان» برمتها في عملية البناء، في سقطة مهنية جديدة للصحافة التي كانت تعد مرموقة.

الأمر نفسه بالنسبة إلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، والتي كانت تعد مدرسة في المهنية، إلا أنها تحولت خلال الأيام السابقة لبدء المونديال، وبعد انطلاقته، إلى أداة بروباغندا، دفعت مشاهدين عديدين إلى تقديم شكاوى حول طريقة التغطية، وهو ما اعترفت به «بي بي سي»، إذ أشارت إلى وجود نحو 1500 شكوى حول التغطية، حتى أن أحد النواب في البرلمان البريطاني، وهو ستيف براين، اعتبر أن المحطة حولت استوديو التحليل الرياضي إلى منصة سياسية.

وكالة «أسوشييتد برس» الأمريكية، والتي تعد من وكالات الأنباء العريقة والأساسية عالميا، كانت من المشاركين أيضا في هذا الجنون الإعلامي، فالوكالة ذكرت أن منظمي البطولة يدفعون لنحو 1600 مشجع تابعين للمنتخبات المشاركة، من أجل زيارة قطر والغناء خلال حفل الافتتاح، مشيرة إلى أن مشجعين عديدين ظهروا قبل بداية البطولة كانوا من الهند، وهو ما دفع الرئيس التنفيذي لبطولة كأس العالم 2022، ناصر الخاطر، إلى نفي هذه المزاعم. تجاهلت الوكالة حالة تعيشها كثير من دول الشرق الأوسط، وحتى الدول التي ليس لها منتخبات عريقة، في أن شعبها ينقسم في تشجيعه لمنتخبات عالمية.

هذه عينة من عناوين عريضة كثيرة، تضاف إليها رسائل تلفزيونية من مراسلي محطات غربية حضروا إلى الدوحة ليُفاجأ أحدهم بأن فيها «مساجد كثيرة»، وهو أمر يستطيع أي أحد قوله أيضا بالنسبة إلى دول أوروبا بأن فيها كنائس كثيرة، والعبارتان ليستا نقيصة، لا للدوحة ولا للدول الأوروبية.

 
حسام كنفاني 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى