انصب تركيز العدسة على الأثرين الخالدين؛ ضريح مولاي إدريس، مؤسس مدينة فاس، وجامعة القرويين، أقدم جامعة في العالم.
لم يكن للأطفال الذين هم من جيلي، وسائل للتواصل والترفيه، أو من أسباب المتعة والنشاط، إلا النزر القليل، وذلك على العكس ما هو عليه الحال اليوم، لكنهم لم يكونوا يشعرون أبدا بالملل كما الآن. كانوا يقنعون بالقليل، وكانوا في العموم سعداء. كان السر في ذلك يعود إلى ابتكارهم بأنفسهم مختلف ألعابهم وطرائق ترفيههم. كنا نعيش جماعة بمنزل العائلة الكبير الذي يضم فضلا عن الأشقاء، أبناء وبنات العم، ولذلك عادة ما كنا نتكاتف في ما بيننا، نحن الأطفال، لكي نخترع لعبنا اختراعا ونبتكرها ابتكارا. كانت الحاجة عندنا للعب هي أمُّ هذا الاختراع. لم تكن الألعاب التي نقبل عليها لتزجية الوقت فقط، وإنما كانت الغاية من الألعاب التي بحوزتنا أن تمدنا بأسباب الترفيه البسيطة والمتنوعة، وأن تعلمنا عدة قيم، هي في طريقها الآن نحو الاضمحلال، كالتقاسم، والمسامحة، والمثابرة، وهو ما ألهمنا مبكرا الراحة النفسية والوئام الداخلي.
ترجمة: أ.د. خالد فتحي
كنا نكتفي أحيانا كثيرة بفضاءات اللعب الرحبة التي توفرها لنا المنازل التقليدية. كانت الفناءات والسطوح تفتح لنا ذراعيها، لكأنما صممت خصيصا لاحتضان أفراحنا وقفشاتنا الطفولية. لكننا لم نكن متساوين على مستوى درجة الحرية التي نتمتع بها، إذ كان للذكور علينا درجة، فهم كانوا يتوفرون لأجل ألعابهم، زيادة عنا نحن الإناث، على تلك الساحات الكبرى بالأحياء المحاطة بالدكاكين، التي كان تجارها يتطوعون بمراقبة كل ما يجري أمام ناظرهم.
بالمناسبة، لم يكن هؤلاء التجار بغرباء عنا، أو مجرد أشخاص عابرين بالنسبة إلينا، فقد كانوا يمثلون لنا، إناثا وذكورا، أشخاصا ذوي أهمية كبرى، حتى أننا كنا نشتاقهم إذا غابوا، بل كنا أكثر من ذلك شديدي التعلق بهم، وشديدي الجزع عليهم.
من المستحيل أن ننسى مثلا السيد الصديق العلوي، السيد السراج، والسيد بناني، بساحة واد الرشاشة، الحي الذي كنت دائما ما أذهب إليه خلال طفولتي الأولى. كان الأطفال بحينا تلك الأوقات، هم من ينيط بهم الآباء جلب أغراض التسوق الصغيرة، وهو ما هيأ لنا أن ننسج علاقات ودية مع هؤلاء التجار، كان يطبعها دائما الحنان والعطف والإشفاق.
في ما يخص سلطة الآباء، لم نكن نشعر بأنهم يضربون علينا رقابة لصيقة لما ندلف إلى السطوح، إلا أننا لم نكن أيضا بمنأى تماما عن أعينهم. كانوا يمنحوننا حرية محسوبة الحدود، لحمايتنا من الانجرار نحو أي تجاوز أو افتئات.
كنا نحن من يصمم اللعب التي نلهو بها. لذلك لما ألاحظ هذا التمدد الكبير لسوق ألعاب الأطفال، أفهم لماذا كان طبيعيا آنذاك أن يجهد الصغار مخيلاتهم لأجل ابتداع ألعابهم، أو تصميم لعبهم الخاصة، بوسائل بسيطة جدا. لكم تثير لدي هذه الذكريات الحنين إلى الماضي الجميل وأيام الطفولة التي لا تعود.
مبكرا قد دبرنا كصغار نهمنا للعب، واكتشفنا حيلنا الصغيرة. ومن بين الألعاب التي كان الذكور يبرعون في تصميمها، تلك الألواح من الخشب التي تثبت تحتها عجلات صغيرة معدنية، تسمح بالانزلاق من أعلى بعض المنحدرات بساحات المدينة، أو ببعض أركان المنزل مما كان يلحق، أحيانا، أضرارا بالغة أو غير بالغة بزليج الأرضية ورخام فناءات المنازل. كذلك كنا نلجأ إلى ربط طرفي خراطيم المياه، لنحصل على طارة. أو نعمد مرارا لحبل صغير لنستمتع بهواية القفز. كنا نختار غالبا للعبنا ولشغبنا فترات ما بعد الزوال.
مباريات بين الدمى
شخصيا، كنت أنجذب كالعديد من الفتيات إلى تصميم الدمى، حيث لم يكن من الممكن شراؤها إلا من متاجر المدينة الجديدة، فضلا عن أن الآباء لم يكونوا يعيرون أي اهتمام لأجل تخصيص اعتماد مالي لشراء الألعاب والمجسمات. لذلك كنت أنكب دون كلل على تصميمها بالعدد الذي أرغب فيه، باستعمال قصبات وبعض بقايا قطع النسيج التي تفضل من ملابس والدتي. لا أستطيع بتاتا أن أصف لكم مدى كل من الحماس والشغف، اللذين كانا يتملكاني وأنا أقوم بهذا العمل الدقيق جدا. لقد كنت أشعر آنذاك بسعادة كبيرة تغمرني وتملك علي كل كياني…، سعادة لا حد لها. وعندما كنت أنتهي من ابتكار دميتي، كنت أهرع إلى عجينة من الطين وأطلق العنان لخيالي لأصمم لها أريكة لتجلس عليها أو حلويات مختلفة الأشكال أقدمها إليها. كنت دائما ما أحاول أن أزرع الروح في الدمى التي بحوزتي، بدفعها إلى الكلام بحضور أشقائي وأبناء عمومتي. كان الأمر يتمخض في النهاية عن سباق حامي الوطيس لانتقاء وتتويج أفضل دمية بين كل الدمى المتبارية. لقد رسخت هذه المشاهد في ذاكرتي، وظلت تلازمني لدرجة أني حتى لما صرت راشدة، واظبت على تعلقي بهذه «المخلوقات» الرائعة التي تؤثث أحلام كل الفتيات. هذه الدمى تسمح لي أن أحتفظ ببعض جوانب شخصيتي، التي يقولون لي إنها وقفت عند مرحلة الطفولة، وإنها تأبى أن تكبر… تلك الجوانب التي تجعل مني، إلى اليوم، طفلة أبدية، بسيطة وتلقائية. ولست أذيع سرا إذا أعلنت أنني أهديت، خلال أسفاري المتعددة، ما يعادل واجهة محل للعب الأطفال من الدمى التي امتلكتها على مر السنين، لكني لم أقف عند هذا الحد من الولع بالدمى، فالروح الطفولية التي تسكنني ألحت علي لكي أصمم دمية كبيرة، بحلى عتيقة اقتنيتها خصيصا من لدن النساج التقليدي الشهير السيد الوزاني، وكذلك بأسواق مدينة تطوان.
عندما كنا أطفالا، كانت لنا قدرة كبيرة على تدبر أمورنا، بعيدا عن أي تحكم أبوي. إذ على غير ما قد يظنه البعض، كان الوالدان وكل كبار العائلة يشجعوننا على فعل ذلك. فخلال أوقات الفراغ أو أيام العطل المدرسية، كنا نادرا ما نبادر إلى القيام بالواجبات المدرسية، ولذلك كان يتبقى لنا فائض من الزمن لنتواعد نحن الأطفال على التلاقي فوق السطوح.
وفي الحقيقة، كانت المعلمات قليلا ما يرهقننا بالتمارين في البيت، إلا أنهن كن يعاقبننا بكتابة بعض الجمل مائة مرة أو أكثر، جمل من قبيل »لا يجب أن أتكلم أو أن أضحك في القسم حين يكون علي أن أقرأ التلاوة». كانت تلك وسيلتهن لتمرير بعض الرسائل التربوية والقيم النافعة لنا، أقر أني عرفت ذلك لاحقا.
كنا نزجي أوقاتنا في الاستمتاع بلعبة الغميضة و(تيكتيكا). كانت قطعة صغيرة من الطباشير تفي بالغرض. كنا نتبادل الأدوار في ما بيننا، حيث نمر تباعا من دور المتفرج إلى دور اللاعب. كان كل واحد منا يبتدع طريقته في القفز أو الخطو حين يحين دوره. وكان ذلك يثير موجة من القهقهات ومن سخرية الآخرين. لكننا كنا نتقبل بعضنا البعض بأريحية وسعة صدر.
ألعاب أطفال فاس قديما
كنا ننتقل من لعبة إلى أخرى، دون أن نحس بمرور الوقت. وكانت الألعاب التي تستأثر باهتمامنا هي: النط على الحبل، السباق، والمصارعة بالنسبة إلى الذكور، التخفي، القفز فوق ظهور بعضنا البعض…
في يوم من الأيام، قرر عمي أن يهدينا طارة كان قد اقتناها لأجلنا من فاس الجديدة، فكان أن شرعنا في الاستعراض الكبير من فوق أعلى سطح موجود، ذاك الذي كان يلي أعلى الدرج، كانت غايتنا أن يشاهدنا كل أطفال الأحياء الأخرى. أتذكر أني كنت قد أصبحت خبيرة بهذه اللعبة، كان بإمكاني أن ألعب بعدد كبير منها في الوقت نفسه. إذ إن لب اللعبة هو أن تنجح في تدوير الطارة حول المنكبين. ولأن هذه اللعبة حازت إعجاب الذكور والإناث على السواء، فقد حاول الجميع أن يتعلمها، فإذا بها تجتاح في وقت قصير كل أحياء المدينة العتيقة، بما في ذلك الساحات الكبرى. إنها الساحات التي كانت تبدو وكأنها مصممة لتكون فضاء للتلاقي بين الشباب. كنا نمارس الرياضة دون أن نحس أننا مارسناها بالفعل!
كنا من حين لآخر نغني بفرنسية ركيكة، وحين يحاول عم أو عمة أن يصحح لنا أخطاءنا، كنا نعرض عنه ولا نلقي بالا لملاحظاته، كان ما يهمنا هو الحفاظ على الإيقاع، ولتذهب الفرنسية إلى الجحيم! كنا أشقياء يستمرئون غيهم ذاك، بل ويمعنون فيه أشد ما يكون الإمعان. وعادة، عندما كنا نحس بالجوع قد أخذ يقضم بطوننا، كنا نكلف الصغار منا بجلب وجبات خفيفة. وكانوا ينجحون، على صغرهم، في أداء هذه المهمة بانتظام، إذ غالبا ما كان الآباء يتطوعون تباعا بإرسالها. لقد كانت قيمة التقاسم متجذرة في نفوس كل سكان مدينتنا.
أحيانا، كنا نؤدي أدوار بعض المسرحيات القصيرة، وكان ذلك تمرينا مفيدا لنا يخلصنا من الخجل. كان الآباء يشجعوننا على مثل هذه الفرجة بحضور بعض الضيوف. كنا نحظى من قبلهم بحفاوة بالغة، وهو ما كان يغذي ثقتنا أكثر بأنفسنا. وهكذا كنا نتحمس شيئا فشيئا، ونقرر أن ننتقل إلى ألعاب أكثر بأسا وأكثر جرأة، الشيء الذي كان يعرضنا لحوادث سقوط خطيرة. على سبيل المثال، كنا قد تعلمنا أن ندور حول الحلقة (نوع من القبب المربعة أو المستطيلة المفتوحة على السماء يكون موقعه غالبا وسط السطح، بحيث تتمركز حواليه كل هندستها)، وكنا نتسلق الجدران للنفاذ إلى سطوح الجيران.
كان يكفي أن يضبطنا أحد الكبار نفعل ذلك، كي نتلقى العقوبة المناسبة، التي كانت تتجلى في المنع من الصعود إلى السطح. لكن الآباء كانوا غالبا ما يتساهلون أو يتسامحون معنا ويتجاوزون عن توقيع هذه العقوبة، لكنهم كانوا يلجؤون عوض ذلك إلى تأمين المكان. كانت خطتهم في ذلك تتمثل في زرع شظايا الزجاج أعلى جدران السطوح.
كانت مثل هذه التدابير لا تكبح شغبنا فقط، بل وتتسبب أيضا في أن لا يتوقف الحمام كعادته فوق تلك السطوح. تلك كانت لمحة آثرتكم بها عن مغامراتنا الصغيرة التي كانت تلقى معارضة رخوة من الآباء. لكن والحق يقال كنا عموما كأطفال نستمع لنصائحهم، بل ولنصائح كل الكبار داخل العائلة. لم يكن لنا في الحقيقة بد من الانصياع لها، لأن القاعدة التي كان يسلم بها الجميع هي أن يطيع الصغير الكبير.
أيام شعبانة وعاشوراء.. ذروة الترفيه
كانت كل الدور تنتهز هذه المناسبات لتعرض مشترياتها الجميلة من الألعاب النارية، المفرقعات، ولعب أخرى كان لها شكل الصواريخ. كان حي «الديوان» مختصا في بيع هذه السلع بالجملة. وكنا كأطفال نقوم بشراء موحد، لكي نتمكن من الاستفادة من ثمن الجملة المنخفض بطبيعة الحال، مما كان يمرننا على الاقتصاد في النفقات. كانت الاحتفالات المقامة في هذه المناسبات ضخمة، وتهم كل الأحياء بدون استثناء. كانت تبدأ دائما مع قدوم الليل، وتستمر لساعات طوال، كانت أعيننا تظل مسمرة نحو السماء، لكي لا تفوتنا رؤية أي إطلاق للمفرقعات. وعندما كانت تتابع الومضات، كان الصدى الذي تخلفه في الفراغ يولد لدينا إحساسا لا يوصف بالفرحة التي كانت لا تلبث تعدي الجميع. كان العرض ينتقل من منزل إلى آخر، لتكشف العائلات تباعا عن مجموعة ما اقتنته من مشتريات متنوعة. هكذا كان كل واحد منا يستمتع بعروض الآخر. كان هذا ممكنا جدا من الناحية الجغرافية أيضا، لأن فاس شيدت منذ البدء على مرتفع يسمح للدور بالإشراف على عدة أزقة.
كانت العائلات تعرف بعضها البعض تمام المعرفة. لم تكن الأسماء ولا الألقاب لتخفى على أحد. ولذلك كنا حين نتبادل التعليقات في ما بيننا حول مستوى أداء كل عائلة، نستطيع أن نقوم بتنقيط الكل. كانت العائلة ألف مثلا تحوز المرتبة الأولى في حصد إعجاب المتفرجين، بينما كان ينظر إلى العائلة باء على أنها كانت أقل استعدادا، أو أضعف إبهارا وأداء.
كانت حفلات شعبانة تقام عشية شهر رمضان، الذي هو شهر الصيام. كانت العائلات تهيئ أبناءها لهذه الشعيرة الدينية بأكمل ما يكون الاستعداد. حيث إن الفتيات كن لا يحضرن على وجه الخصوص وجبة الإفطار، إلا بعد تزيينهن بأبهى زينة وكسوتهن مثل العرائس. أما عاشوراء (مناسبة دينية تحولت إلى احتفال مخصص للأطفال شبيه باحتفال هالوين)، فقد كانت المناسبة التي تخلب لب الجميع صغارا وكبارا.
صباح عاشوراء، كان الخروج إلى الأزقة، ومباغتة الآخرين بسكب الماء عليهم، يسلينا أشد وأجمل ما تكون التسلية. ولكي يتم التطبيع مع هذا الطقس الغريب، كان المخيال الشعبي قد روج الاعتقاد بأن الماء الذي ينبع من واد فاس هو أيضا ماء مبارك، مثله مثل ماء زمزم بمكة.
لقد كنا كفتيات نحظى خلال هذا الشهر باهتمام خاص، حيث تتقاطر علينا المفاجآت الجميلة من كل حدب وصوب، من قبيل إتحافنا بأزياء تقليدية، أو تزيننا بحلي وجواهر في ملكية العائلة، أو من تلك التي يتم كراؤها من عند وسيطات حفلات الزواج.
كانت الطبول والدفوف (التعريجات) المقتناة من أحياء الجوطية (سوق المتلاشيات أو السلع القديمة) كالطالعة والرصيف، أياما قليلة قبل حلول موعد الحفل، توزع على أفراد العائلة، وعلينا نحن الأطفال، لأجل ترديد أهازيج خاصة بهذه الحفلة، وبالخصوص ترديد لازمة شهيرة (ألَلاَّ منانة أجي تكوني ختي، والساقية تسقينا والواد ما يدينا)، (يا لالة منانة هل لك أن تكوني أختي؟). ولأنني كنت أعي أني صغيرة جدا، فقد كنت أتهيب من أن لا أتمكن من مسايرة الإيقاع الذي تتبعه تلك النساء، اللواتي كنت أعرف أنهن لن يطقن نوتات خاطئة، فقد كن حريصات جدا على الأداء المتقن لسمفونيتهن. لذلك كنت أقتصر على أن أستشعر في سري ذبذبات ذاك الجو الرائع، وهو الأمر الذي كان يشعرني على اقتصاده بالامتلاء والرضى.
كنا نعيش فرحة دون انقطاع طيلة العشرة الأيام التي تستغرقها عاشوراء. فالإيقاعات الجميلة، التي كانت تنبعث بالتناوب من منازل الجيران طيلة الأوقات، كانت لا تتوقف إلا لتنطلق من جديد.
كانت العائلات تعمد إلى كسوة أطفالها بهذه المناسبة، دون أن تنسى أن تمدهم بالمكنسات الصغيرة المصنوعة من الدوم. لقد كان ممنوعا كنس المنزل، أو إنجاز عمليات التنظيف الكبرى في اليوم الأكبر لعاشوراء. لقد كان ذلك سببا كافيا ليصادر الآخرون أدوات النظافة تلك.
كانت «الفاكية»، وهي خليط من الفواكه الجافة المتنوعة، تسيل لعابنا، لدرجة أننا لم نكن نطيق صبرا كأطفال لانتظار توزيعها بشكل عادل. فكنا نسعى إلى اختلاس قطع الحلوى الصغيرة اختلاسا من فوق الأواني الفضية أو من فوق الأطباق المنحوتة من الخشب، التي تدعى بالعامية المغربية «الميدات»، وذلك في غفلة من عيون الآباء.
واذا كان أهم ما يميز هذا الحدث الديني بالنسبة إلى الكبار هو وجبة الكسكس بالقديد (اللحم المجفف) والخضر، فقد كان يقابل ذلك لدى الأطفال تحولهم إلى فوضويين ومشاغبين، كانت الاحتفالات تبدأ مع حلول الظلام، وتدوم لساعات طوال، ولكن الهدف الأساسي الذي كان يصبو إليه المغاربة، في نظري، من كل أجواء تلك الفرحة والبهجة، هو أن يظهروا ما يكنونه من حب لأطفالهم ولأطفال الآخرين. كانت الأمهات عادة ما يدفعن بناتهن إلى التنكر في زي العرائس الفاسيات. وعمليا، كنت غالبا ما أستمتع لوحدي بهذا دون حاجة إلى رفقة أطفال آخرين. فسطح منزلنا كان يجعلني أطل على عدد من الاحتفالات المبهرة والمتنوعة. لقد كنت في صغري أعشق ملاحظة الحياة وهي تجري فوق سطوح الآخرين.