تطورات الحرب التجارية الأمريكية الصينية
واشنطن تحرض حلفاءها على مقاطعة «هواوي» والشركة تهدد بإنهاء شراكاتها
سهيلة التاور
بعد اتهام الولايات المتحدة لشركة «هواوي» الصينية، وهي الشركة الثانية المصنعة للهواتف النقالة عالميا، بالتجسس من خلال تقنية تستخدمها، تحاول واشنطن الضغط على حلفائها من دول العالم لمنع «هواوي» من ولوج سوقها التكنولوجية. إلا أن هذه الضغوط من شأنها أن تصعد من الحرب التجارية بين أمريكا والصين، والتي لا تزال قائمة دون حل ملموس. ومن جهتها، قامت «هواوي» بالرد بإعلانها عن التهديد بأنها ستنهي شراكات في بعض الدول، في حال تمت عرقلة عملها.
في أي فرصة سانحة، لا تتردد الولايات المتحدة في تحريض دول العالم الحليفة لتتخذ منهجها في التعامل مع قضية «هواوي»، باستئصالها من سوقها التكنولوجية ومواجهة الصين. لكن الصين في هذه النقطة تتوعد بطريقتها أمريكا، خصوصا وأن الحرب التجارية ما زالت قائمة بينهما. ولخطورة المواجهة اختارت أوربا أن تبقى بعيدة ولم تنحز إلى الجانب الأمريكي.
وكنوع من الضغط على الصين وإجبارها على الخضوع أمرت أمريكا كندا أن تلقي القبض على مينغ وانزو، المديرة المالية لشركة «هواوي»، بتهمة انتهاك العقوبات المفروضة على “إيران. كما أصدرت وزارة العدل الأمريكية قائمة من 23 تهمة رسمية ضد شركة «هواوي» شملت تهما بالتحايل وسرقة أسرار تكنولوجية من الشركات الأمريكية.
وفي الوقت نفسه، أكد مسؤولون أمريكيون كبار أن الشركة تشكل تهديدا للأمن القومي ويشتبه في كونها تعتمد على خاصيات تمكنها من التجسس على الأفراد.
وقد استطاعت شركة «هواوي» الصينية كسب سوق ضخمة في وقت وجيز، إذ نافست المنتوجات العالمية التي ظهرت قبلها بكثير كـ«سامسونغ» و«آيفون». إلا أنه ازدادت، أخيرا، حولها الشكوك وتوجهت إليها أصابع الاتهام بكونها تستخدم هواتفها للتجسس على مستخدميها. هذا الاتهام الذي وجه من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي والاستخبارات المركزية الأمريكية ووكالة الأمن القومي، وتزامن مع الوقت الذي كانت تنوي فيه الشراكة مع مؤسسة «AT&T» الأمريكية، والتي تعتبر واحدة من أكبر مشغلي شبكات الهواتف الجوالة في الولايات المتحدة، إلا أن الأخيرة رفضت بيع الهواتف الذكية الصينية. وهو ما يدل على أن هناك احتمالا واردا أن تكون أمريكا تحمي مصالحها الاقتصادية.
وقد حصلت مجموعة من التغييرات بتقلد ترامب الرئاسة الأمريكية، فبعد أن غير مجموعة من الأجندات السياسية ظهرت لمسة ترامب على اقتصاد الدولة، كونه رجل أعمال لن يصعب عليه أمر إيجاد سبل حماية اقتصاد بلده كما وعد في خطاباته. وبالنسبة إليه فهو مستعد ليحرق الأخضر واليابس لصالح أمريكا، خصوصا بشأن مصالح شركات مثل «آبل»، التي وعدت باستثمار 350 مليار دولار أمريكي في أمريكا، خلال السنوات الخمس المقبلة.
اتهامات سابقة
«هواوي» ليست بريئة تماما من التجسس، حيث ترجع الصراعات بين الشركة المذكورة مع المشرعين في أمريكا إلى سنة 2010. ففي ذلك الوقت تم الاشتباه في وجود علاقة وطيدة بين الحكومة الصينية وشركة «هواوي»، استطاعت من خلالها الأخيرة أن تحصل على 228 مليون دولار أمريكي من الحكومة لمشاريع في مجال البحث والتطوير، لتبدأ التحقيقات من قبل وكالة الاستخبارات (CIA). وفي سنة 2012 ازدادت القضية تعقيدا، بعدما عثر على أبواب خلفية في معدات الشبكات التي تقوم بتطويرها، وتلك الأبواب استغلتها وكالة الأمن القومي الأمريكي لتطوير برنامج تجسس على مستوى العالم، كشف وقتها عن وجود علاقة بين الشركة وجيش التحرير الصيني. فقررت شركة «غوغل» في 2015 بالتعاون معها تطوير هواتف «نكسوس 6 بي» (Nexus 6P)، نظرا لكون الشركة الصينية كانت متخصصة في البنى التحتية للشبكات، الشيء الذي أثار ضجة كبيرة على الشركة و«غوغل» في اتخاذ قرار قد يؤثر على الأمن الوطني الأمريكي، خصوصا أن تلك الهواتف ستباع بصورة رئيسية في أمريكا.
كما أنه في سنة 2016 تم العثور على برمجية خبيثة على 700 مليون هاتف أندرويد، جزء منها في أمريكا موجود داخل تطبيقات من تطوير شركة «آدآبس» (Adups)، يقوم بإرسال تقرير عن الرسائل وقائمة الأسماء وسجل المكالمات كل 72 ساعة إلى خوادم في الصين، وتلك التطبيقات موجودة في هواتف «زيد تي إي» و«هواوي» على حد سواء، الأمر الذي رفع حالة التأهب القصوى في أمريكا.
مذكرة رسمية
قام أعضاء من مجلس الشيوخ ببعث مذكرة رسمية لهيئة الاتصال الفيدرالية FCC، المسؤولة عن تشريع مثل تلك الصفقات، لمنع الموافقة على صفقة «هواوي» وAT&T»» لدواعي أمنية. ولم تقف الضغوطات عند هذا الحد، فموقع ذكر أيضا أن أعضاء من الكونغرس توجهوا لإصدار مذكرة رسمية تمنع التعامل مع شركات صينية على غرار «هواوي» و«ZTE»، وأي شركة فرعية لهما، لأنها شركات تتعاون مع الحكومة الصينية وقد تهدد الأمن الوطني في أمريكا.
وفي حال الحصول على موافقة أعضاء مجلس الشيوخ، واعتماد تلك المذكرة، فإن تلك الشركات وغيرها من الأسماء الصينية ستمنع من دخول أمريكا بشكل كامل، بما في ذلك معدات الاتصالات الخاصة بها أيضا المُستخدمة من قبل شريحة كبيرة جدا من الشركات.
كما سبق لرئيس الاستخبارات الأمريكية CIA أن أجرى أبحاثا في سنة 2011، خرج منها بنتيجة تفيد بأن الحكومة الصينية تستخدم شركات على غرار «هواوي» لتسريب بيانات المستخدمين، الأمر الذي أدى وقتها إلى وقف التعامل مع الشركات أو الجهات التي تعتمد في بنيتها التحتية على معدات من إنتاج شركات صينية.
الضغط الأمريكي
مع الإنكار الدائم لشركة «هواوي» لتهمة التجسس المنسوبة إليها، تنتشر مخاوف جمع كميات هائلة من البيانات السرية والمعلومات السياسية، قد تؤدي إلى تعطيل البنى التحتية، في حال اندلاع صراع دولي بين الشركة وبين القوى العالمية. هذا الأمر يجعل الدول الأخرى تتخذ بعض الإجراءات الصارمة تجاه «هواوي»، كبولندا التي توجد بها معلومات شبه مؤكدة عن إقصاء «هواوي» من شبكة اتصالات الجيل الخامس، بعد اعتقال موظف بالشركة مع مسؤول أمني بولندي سابق بتهمة التجسس. وأمام هذا الوضع، عرضت «هواوي» بناء مركز أمني في بولندا، شبيه بذلك الذي يعمل بالفعل في “المملكة المتحدة وألمانيا، من أجل تعزيز الثقة وإثبات أن معداتها لا تساعد على التجسس لصالح أجهزة الاستخبارات الصينية. وعلى الرغم من أن حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة المتحدة وألمانيا وبولندا، يتشاركون المخاوف الأمريكية نفسها المتعلقة بالأمن، فإن حساباتهم الأخرى تمثل تحديا كبيرا.
وعلى خلاف الولايات المتحدة، تملك شركة «هواوي» بصمة كبيرة في شبكات البيانات الأوربية الحالية، خاصة في المملكة المتحدة وألمانيا. ومن جهة ثانية، فإن إقصاء شركة «هواوي» وإن كان خطوة سترضي الشريك الأمني الرئيسي لأوربا، فإنه سيضعها في مواجهة مع شريكها التجاري الثاني في الوقت نفسه. فسيكون الاستغناء عن معدات الشبكات الرخيصة نسبيا، التي تزود بها الصين هذه البلدان، خطوة مكلفة. وفي الوقت نفسه قد يتسبب الوقت والنفقات الإضافية المطلوبة لبناء شبكات من دون المكونات الصينية في تأخير عملية طرح تقنيات جديدة ومبتكرة.
إن القرار الأمريكي بشأن شركة «هواوي» يولد الكثير من الشكوك على “المحيط الأطلسي. وحلفاء الولايات المتحدة إذا استنتجوا أنها مستعدة للتنازل عن أهدافها الأمنية للحصول على مزايا تجارية، فلن تحصل واشنطن على دعم دولي في كل الحالات. وفي الوقت ذاته الصين تعتبر قوة ليس فقط اقتصادية، بل وازنة على جميع الأصعدة، مما يجعل الذي يتحداها كأنما يحكم على نفسه بالضرر المحتوم.
اعتقال مينغ وانزو
اعتقلت السلطات الكندية مينغ وانزو، المديرة المالية لشركة «هواوي» وعضوة مجلس إدارة الشركة وابنة مؤسسها رين شنجل، للاشتباه في انتهاكها العقوبات التجارية المفروضة على إيران. كما أن وانزو تواجه احتمال ترحيلها إلى الولايات المتحدة. فيوم اعتقال وانزو هو ذاته الذي أعلنت فيه واشنطن وبكين التوصل إلى اتفاق هدنة تجارية مدتها 90 يوما، خلال اجتماعات بين الطرفين على هامش قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس بالأرجنتين.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تسليم وانزو بعد أن أقنعت كندا باعتقالها، ولفتت إلى رد فعل الصين الغاضب، حيث طالبت على الفور أمريكا وكندا بالتحرك لتحرير المديرة المالية لـ«هواوي»، ثم قالت وزارة الخارجية الصينية في وقت لاحق إنها تنتظر تفاصيل بشأن سبب اعتقال وانزو، وقالت إنه ينبغي أن تستمر المحادثات التجارية. فاعتقال وانزو قضية تكتسب أهمية بالغة جدا في الصين، سيما أنها ابنة مؤسس شركة «هواوي»، وتعتبر بطلة وطنية في طليعة جهود الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لتحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد في التقنيات الاستراتيجية. ولم يتضح بعد الدور الذي لعبه ترامب في اعتقال وانزو، أو إذا كان سيتدخل في مرحلة ما. في حين تعتبر الصين اعتقال وانزو تصعيدا كبيرا في الحرب التجارية، سيما أن ترامب أصر خلال المحادثات التجارية على أن تتوقف الصين عن تقديم الدعم الحكومي للقطاعات الاستراتيجية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والروبوتات كجزء من سياسة «صنع في الصين 2025». فـ«هواوي» هي أكثر الشركات الصينية التي توضح التهديد التجاري الصيني للولايات المتحدة، بعد أن تفوقت على شركة «آبل» في شحنات الهواتف الذكية، في حين تستهدف تجاوز شركة «سامسونغ للإلكترونيات» ضمن خطة مبيعات قياسية تبلغ 102.2 مليار دولار خلال العام الجاري، وهي مبيعات تتجاوز ما تحققه شركة «بوينغ» الأمريكية العملاقة للطائرات. كما تمضي «هواوي» بسرعة في تطوير تقنيات شبكات الجيل الخامس في الاتصالات، وتستعد للاستحواذ على بعض أكبر شركات صناعة الرقاقات الإلكترونية في أمريكا.
التقدم في قضية التسليم
أوقفت الصين كنديين تشتبه في أنهما يهددان أمنها القومي، مما يراه البعض إجراء انتقاميا، لكن الصين أنكرت ذلك. ومن جهتها أعلنت الحكومة الكندية، أنها ستسمح بالتقدم في قضية تسليم مينغ وانزو، المديرة المالية لشركة «هواوي»، التي اعتقلت في البلاد أواخر العام الماضي. وذكرت الحكومة الكندية في بيان رسمي أنه بعد شهر من إصدار القضاء الأمريكي لائحة اتهام طويلة بحق المجموعة الصينية والمسؤولة فيها، بدأ الموظفون في وزارة العدل الكندية رسميا آلية تسليم “مينغ وانزو، المتهمة من طرف أمريكا بسرقة أسرار صناعية من مجموعة «تي موبايل» الأمريكية للاتصالات وبالالتفاف على العقوبات الأمريكية بحق إيران، بعد النظر في الأدلة المتصلة بهذه القضية في شكل معمق، حيث ثمة ما يكفي من الأدلة التي يمكن تقديمها إلى قاضي التحقيق لاتخاذ قرار. وقد تم الإفراج عن مينغ بشكل مشروط في منتصف دجنبر في فانكوفر، حيث تملك منزلين، بعدما سلمت جواز سفرها. لتمثل أمام قاض في هذه المدينة لتأكيد بدء آلية تسليمها وتحديد موعد لجلسة للنظر في هذه الآلية.
تهديد صيني
قامت شركة الاتصالات الصينية العملاقة «هواوي» بالإعلان عن تهديدها بأنها ستنسحب من شراكات في بعض الدول في حال عرقلت عملها، متحدية واشنطن أن تقدم دليلا على تورط الشركة في التجسس.
ودعا ليانغ هوا، رئيس الشركة، الحكومات الغربية إلى القيام بزيارة إلى مصانع الشركة، لتبديد الشكوك بشأن تقنية يشتبه في أن تكون مستخدمة لأغراض التجسس. مشيرا إلى أن السلطات الأمريكية لم تكشف حتى الآن أدنى دليل على استخدام هذه التقنية من جانب الشركة للتجسس. وصرح هوا خلال لقاء مع الصحافة على هامش “منتدى دافوس الاقتصادي، أنه في حال كان وصول «هواوي» إلى بعض الأسواق معرقلا والزبائن بدؤوا بالتردد، فستحول شراكاتها التقنية إلى دول، حيث يكون مرحبا بها وحيث يمكنهم التعاون. ولم يحدد عن أي شراكات كان يتحدث عمليا. وعلقت جامعة أوكسفورد، أخيرا، أي تمويل من جانب عملاق الاتصالات الصيني.
الصين تتجه إلى القضاء
كرد للشركة الرائدة «هواوي» على اعتقال ابنة مؤسس الشركة، رفعت دعوى على الولايات المتحدة لمنعها شراء منتجات وخدمات المجموعة الصينية أو التعامل مع شركات هي من زبائنها. وبذلك تكون المجموعة الصينية العملاقة لإنتاج الهواتف الذكية قد نقلت المعركة إلى قاعات المحاكم، فيما كانت قد أطلقت أصلا حملة إعلامية لدحض اتهامات واشنطن ضدها. والدعوى رفعت في بلانو بولاية تكساس الواقعة في جنوب الولايات المتحدة. وبهذا الخصوص صرح غوو بينغ، أحد الرؤساء الدوريين للمجموعة، أن الكونغرس الأمريكي فشل مرة تلو الأخرى في تقديم أدنى دليل يبرر القيود التي فرضها على منتجات «هواوي». وبالتالي فالشركة مضطرة إلى اتخاذ هذا الإجراء القانوني كملاذ مناسب وأخير.
وأكد أن المجموعة الصينية ستطلب تعويضا عن الأضرار وفوائد بسبب استهدافها بمنع غير دستوري.
ومن جهته، أكد لو كانغ، المتحدث باسم الخارجية الصينية، أن بكين احتجت رسميا على القانون الذي ينص على أن مجموعة «هواوي» الرائدة في تكنولوجيا الجيل الخامس من المشاركة في نشر شبكة الجيل الخامس في الولايات المتحدة، محذرة من مخاطر ذلك على أمنها القومي. واتهم المسؤول أيضا الحكومة الأمريكية بقرصنة خوادم «هواوي» وسرقة رسائل إلكترونية ورموز خاصة بالشركة. وتقول واشنطن إن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين يمكن أن يستخدم معدات «هواوي» للتجسس على دول أخرى، أو التسبب باختلال في شبكاتها للاتصال.
وفي الأسابيع الماضية، أطلقت «هواوي» حملة إعلامية مكثفة للدفاع عن سمعتها. وخرج رين زينغفي، مؤسس «هواوي»، المتكتم عادة، إلى العلن أكثر من مرة وعقد مقابلات عديدة مع وسائل إعلام غربية. وفي إطار حملتها ضد «هواوي»، تسعى الولايات المتحدة إلى محاكمة مينغ وانزو، مديرة الشركة المالية، لاتهامها بالالتفاف على العقوبات ضد إيران. وأوقفت وانزو ابنة مؤسس المجموعة، في بداية شهر دجنبر بكندا، قبل أن يتم الإفراج عنها بشكل مشروط.