تزيار السماطي
تتم في مجلس النواب المصادقة على قانون المالية المعدل دونما اعتراض، “آش عند الميت مايدير قدام غسالو”.
اليوم الاقتصاد المغربي يعرف تراجعا في النمو بمعدل خمسة بالمائة وعجزا في الميزانية بمعدل سبعة ونصف بالمائة.
الخطة الحكومية التي تقدم بها وزير المالية خطة تقشفية رغم أنه يسميها خطة انطلاق الاقتصاد الوطني، ووزير المالية لديه أعذاره التي جعلته يقترح ميزانية مبنية على الحذر وعدم المغامرة بتعميق عجز الميزانية بأكثر من سبعة ونصف بالمائة مثلما فعلت دول كثيرة غامرت بالوصول إلى عجز فاق العشرة بالمائة.
وكما يقول المغاربة فوزير المالية “كايدير ويبقي”، فهو لا يريد وضع بيضه كله في سلة واحدة، لأنه يضع في احتماله إمكانية عودة موجة جديدة للجائحة في الخريف أقوى من الأولى. وكما يقول المثل “اللي عضو لحنش يخاف من الشريط”، ولذلك فالمغرب حذر جدا بهذا الخصوص وقد أعطى الدليل حتى اليوم على أن حذره، المبالغ فيه أحيانًا يعطي ثماره. فقد كان أول من أغلق حدوده وسيكون آخر من سيفتحها، والنتيجة أنه ما زال يحافظ على مكانته بين دول المناطق الخضراء، والمغرب اليوم هو من يرفض استقبال السياح الأجانب رغم الطلب المتزايد على الوجهة المغربية من طرف وكالات الأسفار الدولية ورغم حاجته الملحة للعملة الصعبة.
ولذلك فرغم أن الوزير يتحدث عن مشروع انطلاق وإنعاش للاقتصاد نافيا أن يكون تقشفيا إلا أن الأمر يتعلق في الواقع بمشروع تقشفي.
فالاستثمار العمومي المفروض فيه أن يكون قاطرة للاقتصاد الوطني تم تقليصه بناقص 18 مليار درهم.
ورغم أن استثمار الميزانية العامة سيرتفع لكن استثمار المؤسسات العمومية سيتقلص بمعدل 30 بالمائة.
أما استثمار الجماعات الترابية فسيتراجع بمعدل 22 بالمائة.
نفقات التسيير بالوزارات بدورها ستتراجع بمعدل 3 بالمائة. ولو أن هذا التراجع ليس مهما خصوصًا وأننا نرى كيف أن وزارة الصحة، التي لم تتقلص ميزانيتها، لا تنفق من الميزانية السنوية المخصصة لها سوى 65 بالمائة فيما تعيد للخزينة 35 بالمائة دون أن تمسها، رغم كل الخصاص الذي تعرفه المستشفيات على مستوى الأدوية والتجهيزات.
بالنسبة لقطاع التعليم فقد تقلصت ميزانيته بنسبة خمسة مليارات درهم.
وقد يقول قائل إنه من الطبيعي أن يحدث ذلك طالما هناك تراجع في موارد الدولة الجبائية بمعدل 44 مليار درهم. هذا صحيح من جهة، لكن الذي يجب أن نعرفه هو أن هذا الثقب الأسود في موارد الدولة سيتم تعويضه بالديون التي سترتفع بحوالي 40 مليار درهم، أي بمعدل 40 بالمائة عن الرقم الذي كان متوقعًا قبل الجائحة، بحيث ستصل المديونية السنوية التي سيطلبها المغرب 136 مليار درهم بزيادة 40 مليار درهم عن السنة الماضية، 10 ملايير درهم منها دين داخلي و30 مليار درهم دين خارجي.
كنتيجة لهذا الوضع قرر المغرب رفع رسوم الاستيراد بـ40 بالمائة لتشجيع الاستهلاك المحلي، خصوصا بعدما قام مجلس مدينة الدار البيضاء باستيراد 600 حافلة من تركيا بينما لدينا مصنع لصناعتها في الصخيرات وقد أنتج إلى حدود اليوم 200 حافلة موجهة إلى شوارع الدار البيضاء.
عمليًا تظهر البنوك بمظهر المنقذ من “الفلاس” من هذه الوضعية بمنحها لقروض للشركات والمقاولات، والحال أن البنوك لن تخسر شيئًا لأنها ستربح، فقد حصلت على ضمانة الدولة بواسطة صندوق الضمان المركزي، والذي تحول إلى شركة مجهولة، والذي ضخت فيه الدولة مبلغ خمسة مليارات درهم كضمانة في حالة عدم تسديد المقاولات لقروض إقلاعها. وكما يقول المغاربة “الضامن بشكارتو”. فالدولة تضمن قروض البنوك للمقاولات.
ولعل ما يثير الانتباه هو أن التقشف و”تزيار السمطة”” سيمس التوظيف العمومي الذي سيكون ضحيته المواطن، فيما لا نرى أي أثر لسياسة التقشف هذه على الوزراء والبرلمانيين والمنتخبين ومدراء المؤسسات العمومية. فقد ارتبطت مناصب الوزراء في المغرب بـ”الرفاهية” و”البريستيج” أكثر من ارتباطها بالوظيفة والمهام التي تلقى على عاتقهم، والأرقام الحقيقية التي يتقاضاها رئيس الحكومة ووزراؤه، تعتبر مرتفعة بالمقارنة مع الخدمات التي يقدمونها، خاصة في بلد يصل فيه الحد الأدنى للأجور إلى ما دون 2500 درهم، تنضاف إلى التعويضات التي يحصل عليها أعضاء الدواوين، فبالنسبة لرئيس الحكومة، فإنه يتقاضى بموجب ظهير 1975، حوالي 90 ألف درهم، بمعنى أنه يتقاضى خلال فترة ولايته التي تمتد خمس سنوات، حوالي 540 مليون سنتيم، وحدد الظهير أجره الجزافي في 32 ألف درهم، و18 ألف درهم كتعويضات عن التمثيلية، و15 ألف درهم كتعويضات عن السكن، و5 آلاف درهم كتعويضات عن التأثيث والأواني الزجاجية.
وبخصوص الوزراء، تبلغ أجورهم 70 ألف درهم شهريا، مما يعني أن الوزير يتقاضى خلال ولايته الممتدة لخمس سنوات في الحكومة 420 مليون سنتيم، بدون احتساب التعويضات والامتيازات التي يحصلون عليها، فيما يتقاضى أعضاء الدواوين مبالغ شهرية تقارب 3 ملايين سنتيم، وحدد الظهير الأجر الجزافي للوزير في 26 ألف درهم، و14 ألف درهم عن التمثيلية، و15 ألف درهم كتعويضات عن السكن، و5 آلاف درهم كتعويضات عن التأثيث والأواني الزجاجية، ويستفيد الوزراء من تقاعد قيمته 39 ألف درهم شهريا يحصلون عليها مدى الحياة، مع حصولهم على منحة سخية تسمى منحة نهاية الخدمة قيمتها 70 مليون سنتيم.
أما البرلمانيون البالغ عددهم 520 برلمانيا بمجلسي النواب والمستشارين، فيحصلون على تعويضات شهرية تقارب 4 ملايين سنتيم، بالإضافة إلى تقاعد مريح مدى الحياة، حيث يتقاضى البرلماني 1000 درهم عن كل سنة تشريعية، وهو مبلغ صافي معفى من الضريبة العامة على الدخل ولا يخضع للتصريح، مقابل أداء الاشتراك في صندوق التقاعد بمبلغ 5800 درهم شهريا، تؤدي منها الدولة 2900 درهم شهريا، وكان القانون قبل تعديله سنة 2005، يحدد المعاش النيابي الشهري للبرلمانيين في 5 آلاف درهم بالنسبة للنائب أو المستشار الذي زاول فترة تشريعية كاملة، و7 آلاف درهم بالنسبة للنائب أو المستشار الذي مارس فترتين تشريعيتين كاملتين، و9 آلاف درهم بالنسبة للنائب أو المستشار الذي زاول ثلاث فترات تشريعية كاملة أو أكثر، وبعد تعديل القانون تم تحديد مبلغ المعاشات العمرية للبرلمانيين في ألف درهم شهريا عن كل سنة تشريعية.
وفقط عندنا في المغرب يخرج البرلمانيون بتقاعد مريح دون استكمالهم لولاية كاملة، كما يخرج برلمانيون شباب بتقاعد مدى الحياة، عن سن لا تتجاوز 23 سنة.
كذلك، أصبحت التعويضات التي يحصل عليها رؤساء المجالس الجهوية والجماعية، مضاعفة في عهد الحكومة السابقة، ويتوصل رؤساء الجهات بتعويض شهري إجمالي قدره 55 ألف درهم، بالإضافة إلى تعويضات السكن والتنقل، أما نواب الرئيس فيحصلون على تعويض شهري قدره 15 ألف درهم، أما رؤساء مجالس العمالات والأقاليم، فيحصلون على تعويض إجمالي حسب عدد السكان، يتراوح ما بين 12 ألف درهم و20 ألف درهم، فيما يحصل نوابهم على تعويض قدره 7 آلاف درهم شهريا، أما رؤساء المجالس الجماعية وأغلبهم من حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، فيحصلون على تعويضات تتراوح ما بين 2800 درهم بالنسبة لرئيس جماعة قروية و30 ألف درهم بالنسبة لرؤساء مجالس المدن ذات نظام وحدة المدينة، فيما يحصل نوابهم على تعويض شهري قيمته 10 آلاف درهم.
ونجد أن أغلب المستفيدين من “لهطة” التعويضات المتعددة عن المهام الانتخابية، هم أعضاء بحزب العدالة والتنمية، الذين يترأسون المجالس الجماعية أو يتوفرون على العضوية بمكاتب مجالس الجهات، وهم في الوقت نفسه برلمانيون، يحصلون على التعويض البرلماني بمبلغ 36 ألف درهم تنضاف إليها 30 ألف درهم تعويض عن رئاسة مجالس المدن، و15 ألف درهم تعويضا عن منصب نائب رئيس جهة، ما يوفر لهم تعويضات تعادل منصب وزير في الحكومة.
فلماذا لا يساهم كل هؤلاء في هذا المجهود الجماعي وذلك بالتقليص من تعويضاتهم ورواتبهم لصالح الشعب الذي يدعون الدفاع عنه؟