شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

ترتيب الأولويات

إن التوترات القوية التي يعيش على إيقاعها النظام العالمي، والمخاطر الوبائية التي تواجهها البشرية جمعاء، والصدمات العنيفة التي تعرفها أسعار المواد الأساسية والغذائية، والتقلبات المناخية التي لم تعد تستقر على حال.. وإذا أضفنا إلى ذلك المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بالمغرب، فإن كل هذه المعطيات الخارجية والداخلية تستوجب علينا إعادة ترتيب الأولويات الوطنية، مع الأخذ بعين الاعتبار مصفوفة الإصلاحات التي أطلقها الملك محمد السادس ضمن مبادرة النموذج التنموي ومخطط الحماية الاجتماعية واستراتيجية الإقلاع الاقتصادي.

ربما تكون هذه الحكومة غير محظوظة في السياق الاستثنائي الذي جاءت فيه، فهو سياق مطبوع بثقل تركة التدبير الشعبوي والضائقة المالية للدولة وجملة من الآثار الاجتماعية المترتبة على العجز الهائل في الميزانية بسبب جائحة كوفيد، لكن توجد على عاتقها اليوم مسؤولية إخراج المغرب من عنق الزجاجة بأقل الخسائر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الممكنة، وهذا الأمر لن يكون بالتدبير التقنوي الضيق الذي ينظر إلى الكلفة المالية دون إيلاء الاهتمام المطلوب لكلفة الاستقرار الاجتماعي.

إن تصنيف الأولويات الوطنية ليس بالأمر العسير، ويكفي الرجوع إلى الخطاب الملكي لافتتاح السنة التشريعية للوقوف على أكثرها ملحاحية، أولها تأمين الأمن الغذائي والمائي الذي لم يعد خيارا خاضعا لجود السماء، بل يتطلب سياسات وقرارات عمومية مستعجلة التنفيذ، ثانيها ضمان الأمن الصحي بما يتطلبه من إقامة أسس الصناعة الدوائية وتوفير البنية التحتية لتنفيذ مخطط تعميم التغطية الصحية، وثالثا تحصين الأمن الطاقي الذي يجنبنا البقاء تحت رحمة السوق العالمية الخاضعة لعوامل غير متحكم فيها.

إلى جانب هاته الأولويات الاستراتيجية، هناك أولويات ظرفية فرضها السياق الحالي، متعلقة بالارتفاع الصاروخي للأسعار واتساع رقعة البطالة وتدهور أوضاع المقاولات المتوسطة والصغيرة التي تموت منها العشرات كل يوم، حيث لا يمكن للحكومة أن تواجه هاته المشاكل بمنطق الظروف العادية ورهانات التحكم في نسبة التضخم ومعدلات النمو والتوازنات الماكرو اقتصادية والنصوص القانونية الجامدة، لأن ذلك سيقودها حتما لمواجهة الغضب الشعبي الجارف. ففي زمن الأزمات يعلو فقط هاجس حماية السلم الاجتماعي الذي لا يقدر بثمن.

طبعا لن يكون لهذه الأولويات أثر على أرض الواقع دون بناء الشراكات والتحالفات الإقليمية والدولية المناسبة، بمعنى أن تُدير الدولة علاقاتها الخارجية بما يخدم أولوياتها الوطنية، وأن يكون الهدف هو كسب المزيد من المصالح والمنافع والمصالح والتقليص من حجم المخاطر والتهديدات إلى أقصى حد ممكن.

هناك، إذن، مسؤولية جسيمة أمام الحكومة والبرلمان والأحزاب والنقابات ورجال الأعمال، لتنزيل الأولويات الوطنية، وهي مهام ثقيلة سياسيا ومكلفة ومرهقة ماليا، لكن لم تعد خيارا يمكن تأجيله أو التغاضي عنه، هي بمثابة إعلان حرب فرضت علينا ولا نملك تجنبها، وليس هناك من حرب تستحق الخوض بقتالية وشجاعة سوى الحرب ضد ارتفاع الأسعار وندرة المياه والعجز في الطاقة وتدهور القدرة في الصحة والغذاء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى