
بعدما اتجهت أطماع روسيا إلى أوكرانيا، منذ 3 سنوات، وشرعت في الحرب للاستيلاء على أراضيها، جاء الدور الأمريكي في عهد دونالد ترامب للاستفادة من معادنها. وأصبح التقارب الأمريكي الروسي لإحلال السلام في أوكرانيا وإنهاء الحرب يمثل تهديدا فعليا لهذه الأخيرة ولأوروبا، فقد وجه ترامب انتقادات لاذعة لفلاديمير زيلينسكي، بعد رفضه تسليم معادن بلاده لأمريكا واتهمه بالديكتاتور، وطالب بضرورة إجراء انتخابات عادلة، في حين أصر الرئيس الأوكراني على التمسك ببلاده وعدم بيعها مقابل الدولار الأمريكي. لكن ومع الضغط أعلن زيلينسكي أنه قد يغير رأيه.
إعداد: سهيلة التاور
وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، انتقادات لاذعة لنظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، عقب تصريحات هذا الأخير المحتجة على عقد مسؤولين أمريكيين وروس اجتماعا بشأن أوكرانيا دون حضوره.
وقال ترامب، في تدوينة على منصة “تروث سوشل” التي يملكها إنه من المثير التفكير أن كوميدياً متواضع النجاح، فلاديمير زيلينسكي، تمكن من إقناع الولايات المتحدة من إنفاق 350 مليار دولار في حرب لا يمكن كسبها، ولم يكن يجب أن تبدأ أصلاً، ولكنها حرب لن يستطيع زيلينسكي تسويتها من دون الولايات المتحدة و”ترامب”.
وكان زيلينسكي أعلن الثلاثاء الماضي تأجيل زيارته إلى السعودية، التي كانت مقررة يوم الأربعاء، قائلا إنه “لا يمكن إجراء محادثات لإنهاء الحرب بدون أوكرانيا”.
وصرح زيلينسكي للصحافيين، خلال زيارة إلى تركيا حيث أجرى محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قائلا: “لا نريد أن يقرر أحد أي شيء خلف ظهورنا. لا يمكن اتخاذ أي قرار بشأن كيفية إنهاء الحرب بدون أوكرانيا”.
ورفض الرئيس الأوكراني، يوم الأربعاء الماضي، مطالب الولايات المتحدة بالحصول على ثروة معدنية بقيمة 500 مليار دولار من أوكرانيا مقابل المساعدات المقدمة من واشنطن لبلاده في وقت الحرب، وفقا لوكالة “رويترز”.
وأكد ترامب “لقد أنفقت الولايات المتحدة 200 مليار دولار أكثر من أوروبا، في حين أن أموال أوروبا مضمونة، فيما لن تحصل الولايات المتحدة على شيء مقابل ذلك”.
وفي سياق انتقاده للرئيس الأوكراني، قال ترامب إن “زيلينسكي اعترف بأن نصف الأموال التي أرسلناها له “مفقودة”. يرفض إجراء انتخابات، وهو تأييده منخفض جداً في استطلاعات الرأي الأوكرانية، وكل ما كان جيداً فيه هو أنه تلاعب ببايدن”. وأضاف: “إنه دكتاتور بدون انتخابات، وعلى زيلينسكي أن يتحرك بسرعة أو لن يكون لديه بلد ليحكمه”.
وأوضح: “هو يرفض إجراء انتخابات، وحصل على نسبة تأييد منخفضة للغاية في استطلاعات الرأي الأوكرانية، وقد تراجعت شعبيته لنسبة 4 في المائة”، مشيرا إلى ضرورة إجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا، وهو مطلب طالبت به موسكو أكثر من مرة أيضا. وتصر روسيا على أن ولاية زيلينسكي انتهت في ماي، وبالتالي يجب على كييف إجراء انتخابات، علما أن آخر انتخابات رئاسية أجريت كانت عام 2019.
وقال مسؤول أمريكي لوكالة “رويترز”، يوم الثلاثاء الماضي، إن المحادثات التي أجرتها واشنطن وموسكو في السعودية انتهت، فيما ذكر إعلام روسي أن الاجتماعات استمرت لأكثر من 4 ساعات.
وأشار ترامب أيضاً إلى أن إدارته كانت “تتفاوض بنجاح لإنهاء الحرب مع روسيا، وهو أمر يعترف به الجميع أنه لا يمكن القيام به إلا من قبل (ترامب) وإدارته”.
وأكد أن “بايدن لم يحاول، وأوروبا فشلت في جلب السلام، وربما يريد زيلينسكي أن يستمر في (قطار الفوائد)”.
وختم ترامب بالقول: “أنا أحب أوكرانيا، لكن زيلينسكي قام بعمل سيئ جداً، وبلاده محطمة، وملايين الأشخاص قتلوا دون داع، ولا تزال الحرب مستمرة”.
زيلينسكي يرد بقوة
ردا على زعم ترامب بتراجع شعبيته إلى 4 في المائة، قال زيلينسكي إنه سمع سابقا مثل تلك المعلومات المضللة، الآتية من روسيا. فيما رفض الرئيس الأوكراني، يوم الأربعاء الماضي، مطالب الولايات المتحدة بالحصول على ثروة معدنية بقيمة 500 مليار دولار من أوكرانيا مقابل المساعدات المقدمة من واشنطن لبلاده في وقت الحرب.
وقال زيلينسكي إن الولايات المتحدة لم تقدم حتى الآن ما يقترب من هذا المبلغ ولم تقدم أيضا أي ضمانات أمنية محددة في الاتفاق.
وذكر الرئيس الأوكراني، الذي يتعرض لضغوط كبيرة من البيت الأبيض في عهد الرئيس دونالد ترامب، إن واشنطن زودت بلاده بأسلحة بقيمة 67 مليار دولار ودعم مباشر للميزانية بقيمة 31.5 مليار دولار طوال الحرب المستمرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات في مواجهة روسيا.
وأضاف زيلينسكي: “لا يمكنك أن تطلق على هذا 500 مليار دولار وتطلب منا إعادة 500 مليار من المعادن أو أي شيء آخر. هذه ليست محادثة جادة”.
وقال ترامب إنه يريد الحصول على معادن نادرة بقيمة 500 مليار دولار من كييف لضمان تلقيها مساعدة واشنطن، واقترح فريقه الأسبوع الماضي اتفاقا رفضت كييف التوقيع عليه بصورته الحالية.
وقال زيلينسكي إن الاتفاق المقترح لا يتضمن بنودا أمنية أوكرانيا في أمس الحاجة إليها لحمايتها من العدوان الروسي. وقال إن مسودة الاتفاق اقترحت أن تستحوذ الولايات المتحدة على 50 بالمئة من ملكية معادن مهمة في أوكرانيا.
وأضاف: “أدافع عن أوكرانيا، ولا يمكنني أن أبيع بلادنا. قلت حسنا، قدموا لنا نوعا ما من الإيجابية. اكتبوا بعض الضمانات وسنكتب مذكرة.. بنسب مئوية”.
وتابع: “قيل لي: 50 بالمئة فقط. فقلت: حسنا، أرفض. فلندع المحامين يؤدون مزيدا من العمل.. لم يقوموا بعد بكل ما هو ضروري. أنا صاحب القرار فحسب، ولا أعمل على تفاصيل هذه الوثيقة. دعهم يعملون عليها”.
وتكتسب مسألة حجم المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لأوكرانيا أهمية دبلوماسية كبيرة في وقت تحاول فيه كييف الاحتفاظ بدعم دولة هي حليفتها الأكثر أهمية.
وشكك ترامب في تصريحات أدلى بها يوم الثلاثاء في مصارف الأموال المقدمة لأوكرانيا.
وقال زيلينسكي ردا على ذلك إن المساعدات الإجمالية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تصل إلى 200 مليار دولار أما ما أنفقته البلاد على المجهود الحربي والأسلحة فيصل في الإجمال إلى 320 مليار دولار.
وقال إن الأوكرانيين هم من تحملوا بقية التكلفة التي تبلغ نحو 120 مليار دولار.
“صفقة استثمارية أمنية”
قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، مايك والتز، إنه يتوجب على الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، العودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق يسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى المعادن الحيوية بأوكرانيا.
هذه التصريحات التي أدلى بها والتز، في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض أول أمس الخميس، ألقت بظلالها على الاجتماع الذي عقد في كييف بين الرئيس زيلينسكي، وكيث كيلوج، كبير المبعوثين الأمريكيين إلى أوكرانيا.
وأشار والتز إلى أن البيت الأبيض “يشعر بإحباط شديد” تجاه زيلينسكي، بعدما وجه الأخير إهانات “غير مقبولة” للرئيس ترامب في وقت سابق من هذا الأسبوع.
مستشار الأمن القومي الأمريكي اقترح، في وقت سابق،أن حصول الولايات المتحدة على المعادن النادرة من أوكرانيا يمكن أن يكون بمثابة مقابل للمساعدة الأمريكية، أو حتى تعويضاً عن الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة سابقاً.
وقال والتز: “لقد قدمنا للأوكرانيين فرصة مذهلة وتاريخية”، مشيراً إلى أن هذه الفرصة ستكون “مستدامة” و”الأفضل” كضمانة أمنية يمكن لأوكرانيا أن تأمل فيها.
جاءت تصريحات والتز، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، بعد وقت قصير من اختتام اجتماع زيلينسكي مع كيث كيلوج في كييف.
وأعلن زيلينسكي، عقب الاجتماع، أنه مستعد لإبرام “اتفاقية استثمارية وأمنية” مع الولايات المتحدة بهدف إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وأشاد زيلينسكي بالاجتماع واصفاً إياه بـ”المثمر”، لكنه أشار إلى أنه جاء في وقت حساس سياسياً.
وفي منشور على منصة “إكس”، قال الرئيس الأوكراني إنه والمبعوث الأمريكي الخاص أجريا “محادثة مفصلة حول الوضع في ساحة المعركة، وكيفية إعادة أسرى الحرب لدينا، والضمانات الأمنية الفعالة”.
وأضاف زيلينسكي: “أوكرانيا مستعدة لاتفاقية استثمارية وأمنية قوية وفعالة مع رئيس الولايات المتحدة”.
وكان زيلينسكي قد أعلن، أول أمس الخميس، أنه تحدث مع زعماء كندا وفنلندا والنرويج وجنوب إفريقيا. وكتب في منشور له على موقع إكس: “لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا”.
وتمتلك أوكرانيا احتياطيات ضخمة من المعادن والعناصر المهمة مثل الليثيوم والتيتانيوم، بالإضافة إلى رواسب كبيرة من الفحم والغاز والنفط واليورانيوم، وهو ما يمثل إمدادات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
بوتين يطمئن أوكرانيا
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الأربعاء الماضي، إن أوكرانيا لن تُستبعد من مفاوضات تستهدف إنهاء الحرب، لكن نجاح ذلك يتوقف على زيادة مستوى الثقة بين موسكو وواشنطن. جاء ذلك في تصريحات أدلى بها بوتين بعد يوم من عقد روسيا والولايات المتحدة أول محادثات بشأن سبل إنهاء الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات.
وأضاف بوتين أن ترتيب قمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيستغرق وقتاً، مشيراً إلى أن الاجتماع لن تكون له جدوى دون مضمون حقيقي. وقال الزعيمان إنهما يرغبان في عقد مثل تلك القمة. وأشاد الرئيس الروسي بما تمخض عنه اجتماع الثلاثاء الماضي في السعودية حيث اتفقت الدولتان على تشكيل فريقي تفاوض بشأن أوكرانيا ومناقشة سبل استئناف العلاقات الثنائية. ووصف الكرملين من قبل ما وصلت له العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بأنه “دون الصفر”.
وقال بوتين في تصريحات بثها التلفزيون: “في رأيي، اتخذنا الخطوة الأولى لاستئناف العمل على العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك”. وأشار إلى أن تلك الملفات تشمل الشرق الأوسط وأسواق الطاقة العالمية والتعاون في مجال الفضاء. وقال في أول تصريحات يدلي بها بشأن اجتماع الثلاثاء في الرياض: “دون زيادة معدل الثقة بين روسيا والولايات المتحدة، من المستحيل حل العديد من المشكلات، بما في ذلك الأزمة الأوكرانية”. وتابع قائلاً: “هدف هذا الاجتماع هو بالتحديد زيادة الثقة بين روسيا والولايات المتحدة”.
وانعقدت المحادثات في العاصمة السعودية دون دعوة أوكرانيا ولا دول أوروبية، ما زاد من قلقها من أن روسيا والولايات المتحدة قد تعقدان اتفاقاً يتجاهل المصالح الحيوية لباقي الأطراف. لكن بوتين قال إن روسيا لم ترفض قطّ إجراء محادثات مع أوروبيين أو مع كييف، بل هم من رفضوا الحديث إلى موسكو. وتابع قائلاً: “لا نفرض أي شيء على أي طرف. مستعدون، كما قلت من قبل مئات المرات، إذا أرادوا. من فضلكم فلتدعوا تلك المفاوضات تُجرى. وسنكون مستعدين للعودة إلى الطاولة من أجل المفاوضات”.
وأضاف: “لا يستبعد أحد أوكرانيا”، قائلاً إنه لهذا السبب ليس هناك ما يستدعي رد الفعل “الهستيري” على المحادثات الأمريكية الروسية”. وأدلى بوتين بالكثير من التعليقات التي تشيد بترامب منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية في نونبر الفائت، مشيدا بما وصفه بأنه “ضبط النفس” الأمريكي حيال ما قال إنه سلوك “فج” من حلفاء للولايات المتحدة.
وقال إنه سيكون “سعيداً بلقاء دونالد”. وأضاف: “لكن نحن في موقف لا يكفي فيه أن نلتقي لاحتساء الشاي والقهوة والجلوس للتحدث عن المستقبل. نحتاج للتأكد من أن فريقينا جهزا الملفات بالغة الأهمية لكل من الولايات المتحدة وروسيا بما يشمل، لكن لا يقتصر على، المسار الأوكراني من أجل التوصل إلى حلول مقبولة للطرفين”. وأشار بوتين إلى أن تلك المهمة لن تكون سهلة. وقال إن ترامب نفسه يتحدث الآن عن فترة ستة أشهر بعد أن وعد مراراً خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في أوكرانيا في 24 ساعة. وقال إن ذلك أمر “طبيعي”، لأن ترامب بدأ ببساطة يتلقى معلومات جديدة غيرت من نهجه حيال الأمر.
مواقف داعمة
أعرب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن “دعمه” للرئيس الأوكراني “المنتخب ديمقراطيا” فلوديمير زيلينسكي، بعدما وصفه ترامب بأنه “دكتاتور من دون انتخابات”.
وقال متحدث باسم داونينغ ستريت في بيان إن رئيس الوزراء العمالي اتصل بالرئيس الأوكراني و”عبر عن دعمه له بوصفه رئيسا ديمقراطيا انتخبته أوكرانيا، وأعلن أنه من المنطقي تماما تعليق إجراء الانتخابات في زمن الحرب، الأمر الذي قامت به المملكة المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية”.
ومن جهتها، نقلت فايننشال تايمز عن وزراء بريطانيين أن رئيس الوزراء ستارمر يتجنب إغضاب ترامب ويسعى ليصبح جسرا بين واشنطن وأوروبا.
ومن المقرر أن يلتقي ستارمر الرئيس الأمريكي الأسبوع المقبل في واشنطن.
ومن جهته، اعتبر رئيس وزراء بولندا دونالد توسك أن فرض ما وصفه بالاستسلام القسري على أوكرانيا يعني استسلام الغرب بأكمله.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقال إنه يجب أن يكون السلام في أوكرانيا دائما وأن ترافقه ضمانات قوية وموثوقة. فيما اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس أن أوكرانيا تدافع عن نفسها ضد “حرب العدوان الروسية منذ نحو 3 سنوات”.
كما اعتبر شولتس أن وصف ترامب لزيلنسكي بالدكتاتور “أمر خاطئ وخطير”.