شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ترامب شو

 

مقالات ذات صلة

د. خالد فتحي
منذ مجيء ترامب للبيت الأبيض، وأنا أتابع بشغف لقاءاته مع قادة الدول التي يدعوها لزيارة واشنطن، فهي نموذج جديد وفريد من التواصل السياسي يحمل علامة ترامب، وكنت كلما أشاهد لقاء من هذه اللقاءات بكل ما يتخلله من فرجة مضمونة، ومن صدمات، وانفعالات، إلا وأحس كما لو أني في السينما أو بصدد رؤية تلفزيون الواقع. مرت أولا حلقة الملك عبد الله، ثم تبعه ماكرون ثانيا، فستارمز بريطانيا ثالثا، وكانت كلها حلقات على مستوى عال من التشويق… ثم استمر الأمر مع مجيء المغضوب عليه زيلنسكي، فبلغ معه هذا التشويق ذروته. حلقته كانت مثيرة جدا فيها كل توابل الفنطازيا ؛ مشادات كلامية، وحركات جسد، وإهانات قوية، ثم طرد مدوي، وبعد كل ذلك تهديد صريح من ترامب بأنه لن يستقبل الرئيس الأوكراني مجددا إلا إذا آمن بالسلام. كل هذه المشاهد جعلتي أستقر أخيرا على عنوان مناسب للبرنامج العابر للقارات الذي يبثه ترامب مجانا لكل العالم : ترامب شو.
وإني إذ أسجل باسمي براءة تسجيل هذه التسمية، لأكاد أجزم أن هذا البرنامج ولد ناجحا…. فهو البرنامج الذي تنقله كل قنوات التلفزيون في العالم، فيراه مئات الملايين في كل أرجاء الأرض… البرنامج الذي يسهر بعده المحللون ويختصمون ؛ فيصفون ترامب بكل النعوت؛ فظ، قاس، متعجرف، متضخم الأنا، برغماتي، سيؤسس لديكتاتورية أمريكية، خائن لقيم الغرب الجماعي، عميل لروسيا، منبطح لبوتين،… وهو أيضا مدافع صلب عن مصالح الأمريكيين، رجل سلام، صاحب صفقات… وهكذا دواليك ظلت تلك التعاليق والتوصيفات تنهال ويتفنن فيها، حتى صار ترامب وقبل مرور مائة يوم على تسلمه السلطة، وبكل استحقاق النجم التلفزيوني الأول عالميا – وأنا هنا أحلل الموضوع من مقاربة إعلامية لاسياسية-فالكل صار مدمنا على البرنامج، يترقب مجلسه، وطلته من البيت الأبيض رفقة ضيوف الحلقة بفارغ الصبر.
ولكن هل هم ضيوف حقا؟ هم فعلا كذلك وفق التقليد الدبلوماسي، لكن واقع حالهم حين يقعدون بجانب ترامب يشير إلى أنهم يظهرون كما لو كانوا متهمين عليهم أن يثبتوا براءتهم، وأن يخرجوا بأقل الخسائر من النزال الإعلامي معه. كل المشاهد تفشي ذلك ؛ارتباكهم، توترهم، بحثهم عن الكلمات المناسبة المنقذة، توجسهم من اللايقين الذي يمثله الحديث مع رئيس متقلب المزاج لايمكن توقع قراراته ولا خرجاته، والذي ينتقي له عبارات بسيطة، لكنها تلخص الوضع وتشرح المطلوب منهم بالسهل الممتنع.
لقد أصبح القدوم الى الولايات المتحدة، والمشاركة في شو ترامب، اختبارا عسيرا، ومحنة شخصية لكل رئيس أو ملك يأزف دوره. لأنهم يستجوبون أو يستنطقون من طرف ترامب ويناقشون معه القضايا التي تهمهم في علاقتهم بأمريكا مباشرة وعلانية أمام وسائل الإعلام. كل شيء عاد مفضوحا مع ترامب، بل ويتم على الهواء مباشرة. على الضيف أو الرئيس أن يتحضر جيدا للبرنامج، وأن يهيأ نفسه للمفاجآت وللأسئلة المربكة…. أن يكون يقظا سريع البديهة، قادرا على المناورة، وإن استدعى الأمر قادرا على المواجهة. أحيانا كثيرة أنسى أنني أمام رئيس، فيخيل إلي أن ترامب مذيع يبحث بدوره عن المشاهدات وعن البوز، إلا أن بوزه مختلف.. بوز الأقوياء المعتدين بقوتهم.
الملك عبد الله كان أول الضيوف، وقد كان حكيما جدا، فآثر المهادنة، تجنب بطريقته وبجهد جهيد أن ينساق وراء مطالب ترامب بتهجير سكان غزة، وزاد، فاستدرك بتدوينة أشبه ببيان حقيقة أشهر فيها لاءاته في وجه ترامب. الرئيس ماكرون، استفاد من كونه ثاني ضيف بعده، ولقد اختار أن يمهد لرحلته إلى واشنطن بإعلان ما سيقوله لترامب بملعبه في فرنسا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ستارمز بدوره لم ينج من سخرية ترامب خلال الشو، فقد قاطعه أثناء اللقاء ليسأله قائلا “هل تستطيعون مواجهة روسيا بمفردكم؟”.
مع زيلنسكي، سيحقق برنامج ترامب شو ذروة المتعة والفرجة- من وجهة نظر جمهور البرنامج طبعا – لقد أهين زيلنسكي هذا وعير بلباسه غير المناسب، وقيل له فوق ذلك وجهرا بأنه لا يستطيع شيئا دون الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه ليس في وضع من يمكنه أن يملي على واشنطن، فهو في موقف ضعف وصفر اليدين من أية أوراق للمساومة بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى