يونس جنوحي
في عز موجة البرد القارس الذي يضرب مناطق متفرقة في المغرب، هناك قرى تعيش عذابا حقيقيا هذه الأيام، أكثر من غيرها. والسبب أن بعض التعاونيات النسائية، التي يقوم اقتصاد مناطق شاسعة بأكملها على عائداتها، تعيش انتكاسة غير مسبوقة وجمودا في المداخيل.
في منطقة الأطلس المتوسط والكبير، هناك تعاونيات تُسوق المنتجات المحلية وبعض الأطعمة والأعشاب المُخزنة يدويا، في الأسواق الأسبوعية ما بين شتنبر ونونبر، وفي أحسن الحالات، تنجح في تسويقها في بعض الواجهات التجارية للمدن إن حالفها الحظ في الوصول إليها بدون وسطاء.
لكن أغلب نساء هذه التعاونيات تعشن على إيقاع الترقب، خصوصا اللواتي يصنعن المُعدات التقليدية من أغطية وأغراض وأدوات مصنعة من مصادر طبيعية، والسبب الرئيس هو المنافسة، وكثرة المضاربين.
هناك شركات تقتني إنتاج تعاونيات تقع في نطاق دائرة جغرافية يتجاوز قطرها 50 كيلومترا، وطبعا هذه الشركات تتحكم في الأسعار، وهناك حالات، حسب ما توصلنا به في «الأخبار»، يتجاوز ربح السماسرة فيها والمضاربين ما تربحه نساء هذه التعاونيات. علما أن هناك بعض المنتجات التي يحتاج إنجازها إلى قضاء أشهر متواصلة في الاعتكاف داخل المنازل التقليدية والتفرغ التام وتوفير المواد الأولية التي صار العثور عليها في هذه الأيام أشبه بالعثور على الماء في صحراء قاحلة.
لنأخذ الزرابي التقليدية على سبيل المثال، هناك شركات كثيرة تُقلد الزربية التقليدية المغربية التي تُعتبر تراثا قائما، وهو ما يؤثر سلبا على قيمتها الرمزية والمادية أيضا، ولا يمكن إقناع المستهلك العادي بترك زربية منسوخة تماما عن الزربية الأصلية مع فارق في السعر يتجاوز الضعفين في مرات كثيرة.
أما الزبناء الأثرياء، فبدل أن يركبوا سياراتهم ويُشجعوا اقتصاد البلدات والقرى التي تُصنع فيها الزرابي بمحاذاة سلسلة الأطلس، سواء الكبير أو الصغير، فإنهم يكتفون باللجوء إلى السماسرة والوسطاء وأحيانا بعض المُضاربين الذين يربحون في العملية أكثر مما تجنيه النساء، وبعضهم لا يكلفه الربح سوى إجراء مكالمة هاتفية بسيطة، أو تسجيلا صوتيا في «واتساب» لكي يصبح وسيطا في عملية بيع زربية أنفقت سيدة عجوز، أو أرملة تُطعم عشرات الأفواه، أشهرا طويلة في نسجها واقتناء ما يلزم من معدات وألوان طبيعية لنسجها.
أما المواد الطبيعية التي تُستعمل في العلاج، فهذا سوق آخر يسوده الضجيج والهرج. ولنأخذ على سبيل المثال، العسل الطبيعي الذي يُقبل عليه الناس بكثرة خصوصا في فصل الشتاء لمواجهة نزلات البرد الحاد. تخيلوا أن الفلاحين الفقراء الذين يتوفرون على بقع أرضية، أغلبها يتنازع حولها الورثة، مجاورة لوادي سوس مثلا، يضعون صناديق النحل بمحاذاة الوادي لضمان أفضل النتائج في عملية إنتاج العسل الطبيعي. وهذه الصناديق توضع عمدا في مناطق مجاورة لأشجار البرتقال ونبات الزعتر وأشجار الخروب، أو الأوكاليبتوس، ويكون الطلب مرتفعا على هذه النوعية بالضبط. لكن ما يحدث أن المُضاربين، قبل اللاجئين إلى الغش، يجعلون عملية الحصول على عسل أصلي شبه مستحيلة في ظل انتشار السماسرة والتزوير واستعمال السكر، حتى أن عسل «كوزيمار» هو الأكثر انتشارا في السوق المغربية رغم أن البلاد تتوفر على مئات آلاف الهكتارات الشاسعة من الغابات والضيعات الفلاحية.
إذا كان ما يجب أن يقلق المغاربة بشأنه، فهو الخوف من السقوط ضحية المزورين الذين يغشون في كل ما يمكن أن تقع عليه عيناك يوميا. ووسط هذا الغبار الكثيف، تقف نساء التعاونيات المحلية متفرجات على ما يقع، وهناك من فقدن الأمل نهائيا في رؤية يوم يُتاح لهن فيه بيع منتجاتهن دون أن يضغط عليهن المضاربون والسماسرة..