شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

تاريخ مؤامرات زعماء عرب ضد المغرب

أوراق ساخنة من أيام القذافي.. صدام وحافظ الأسد

حسب وثائق أرشيف المخابرات الفرنسية والأخرى المتعلقة أيضا بعمليات «CIA» في شمال إفريقيا، فإن هواري بومدين كان يُضمر نوايا سيئة تجاه زيارة الملك الراحل الحسن الثاني إلى الجزائر، وأسر لمقربيه الذين كان بعضهم مُخبرين بدون علمه لدى المخابرات الفرنسية، أنه قلق جدا من العلاقة القوية التي تربط أحمد بن بلة، رئيس البلاد، بالملك الحسن الثاني.

كانت هذه بداية حرب «منصات التتويج» التي استفز فيها الجزائريون المغرب دائما، وحاولوا من خلالها تمرير بعض الرسائل الاستفزازية للرباط. لم يفرقوا بين استعراض عسكري، أو جنازة رئيس راحل بحكم بن بلة، كل المناسبات كانت مخصصة لاستفزاز المغرب.

لقاءات حضرها رؤساء من زمن صدام حسين وحافظ الأسد، وأخرى ظهر فيها محمد عبد العزيز، زعيم البوليساريو، يتيما.

 

 

يونس جنوحي:

 

 

أزمات مع المغرب من المنصات الشرفية و«الجنائز»

الصور الأخيرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وهو يلوح بيديه من السيارة المكشوفة، التي أقلته في بداية الاستعراض العسكري الأخير بمناسبة الذكرى الستين لاستقلال الجزائر، في اتجاه ضيوف بلاده، من القادة العرب مثل الرئيس التونسي، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بالإضافة إلى إسماعيل هنية عن حركة حماس، ووجوه عسكرية جزائرية، ثم «غالي» الذي ورث ما تبقى من البوليساريو، وهم يتابعون من أعلى المنصة الشرفية استعراضا عسكريا للجيش الجزائري بالمناسبة، تبقى ذات دلالة كبيرة، لكنها ليست الأولى من نوعها.

والمثير أن أول استعراض في تاريخ الجزائر، حضره الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1962. إذ أقيم استقبال كبير على شرف الملك الحسن الثاني عندما زار الجزائر بعد استقلالها، ليكون أول زعيم عربي يخص الجزائر بزيارة رسمية. وأقيم استعراض لأعضاء جبهة التحرير الجزائرية على شرف الملك الحسن الثاني، ووصفت الزيارة وقتها بالأخوية.

مرت مياه تحت جسر العلاقات بين البلدين وأصبحت تلك الاستعراضات مناسبة لكي تمرر الجزائر من خلالها رسائل إلى المغرب، خصوصا بعد إزاحة أحمد بن بلة، مهندس أول استعراض على شرف المغرب، من السلطة ومجيء هواري بومدين.

إذ إن الأخير خصص بعض المناسبات لكي يحاول استفزاز المغرب عندما قرر استضافة لقاء عربي منتصف السبعينيات، وحضره الملك الحسن الثاني بصفته عضوا في الجامعة العربية. وكانت وقتها العلاقات المغربية الليبية باردة، لكن بومدين حرص على أن يكون القذافي بجانبه.

وتكرر السيناريو نفسه في مناسبات أخرى داخل الجزائر وخارجها، في محاولات لاستفزاز المغرب، خصوصا في ما يتعلق بجانب وحدته الترابية.

آخر تلك المناوشات الكبرى، ما وقع خلال جنازة أحمد بن بلة سنة 2012. الرجل الذي قضى أزيد من 15 سنة سجينا بقرار من بومدين بعد أن انقلب عليه، تعرض لحيف كبير طيلة حياته، ولم يشفع له أنه كان أحد أبرز قادة الثورة الجزائرية الكبار. وتحولت جنازته التي حضرها الزعماء العرب، إلى مجرد «وسيلة» جزائرية لاستفزاز المغرب.

إذ إن الوفد المغربي الذي كان يترأسه رئيس الحكومة آنذاك عبد الإله بنكيران، كان مقررا حسب ترتيب البروتوكول أن يقف في الصف الأول أثناء صلاة الجنازة، لكن الجزائريين، بحضور عبد العزيز بوتفليقة الذي كان رئيس الجمهورية وقتها، أمعنوا في محاولة استفزاز المغرب، ووضعوا رئيس الحكومة المغربية إلى جانب زعيم البوليساريو ولم يكن يفصل بينهما سوى رجلين، وهو ما جعل الوفد المغربي ينسحب فورا.

أهان الجزائريون رئيسهم أحمد بن بلة حيا وميتا، وكان هذا رأي أغلب العقلاء المحايدين. إذ لم يكن مقبولا أبدا أن تتحول جنازة رمز من رموز حركات التحرر ومقاومة الاستعمار في المغرب الكبير، إلى مجرد «فرصة» لاستفزاز الوفد الرسمي المغربي فوق التراب الجزائري.

 

استضافة البوليساريو و«عرفات».. محطات من سوء الفهم الكبير

قبل زمن غالي، الوريث الجديد للبوليساريو، كان ظهور عبد العزيز المراكشي في بعض المناسبات الدولية مصدر إحراج للدول التي كانت تستضيف تلك المناسبات. لأن الدول الكبرى كلها لم تكن تعترف بجبهة البوليساريو، لذلك كان حضورها يقتصر على المناسبات الإقليمية، والهامشية أحيانا، والتي لم يكن المغرب يحضرها، أو يقتصر حضوره فيها على وجود ممثلين عن الخارجية المغربية أو ممثل المغرب في الأمم المتحدة.

سبق للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، أن اضطر غير ما مرة إلى شرح موقفه للملك الراحل الحسن الثاني، لكن المناسبات التي ظهر فيها إلى جانب عبد العزيز المراكشي، خصوصا قبل اتفاق وقف إطلاق النار في الصحراء المغربية، واقتراح المغرب للحل الذي دعمته الأمم المتحدة منذ السبعينيات لحل مشكل الصحراء، كان يتورط فيها سياسيا مع المغرب. إذ إن ليبيا والجزائر كانتا دائما، خصوصا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تحاولان دائما انتزاع اعتراف من ياسر عرفات بدولة في الصحراء، مقابل تمكينه من مساعدات لصالح الفلسطينيين، وهو الفخ الذي وقع فيه ياسر عرفات أكثر من مرة.

حسب ما جاء في تسريبات وزارة الخارجية الأمريكية من سفارتيها في الجزائر والرباط، والتي نشرها موقع «ويكيليكس» الشهير سنة 2012، فإن ياسر عرفات تعرض لما يشبه «ابتزازا ناعما» من العقيد القذافي، وجعل مصافحة عرفات لمحمد عبد العزيز شرطا مقابل الحصول على مساعدات بالدولار.

وتكرر الأمر في مناسبات أخرى، خصوصا عندما تورط القذافي في بعض العمليات في الصحراء المغربية، حيث وُجدت ذخيرة في ملكية القوات الليبية، وخراطيش من المصدر نفسه، قصفت بها منشآت مغربية في إطار المحاولات التي قامت بها البوليساريو، خلال بداية الثمانينيات، وهو ما أكد تمويل القذافي للبوليساريو.

ياسر عرفات اضطر في قصر الصخيرات إلى تقديم تبريرات للملك الحسن الثاني، وطويت الصفحة قبل أن يظهر عرفات من جديد في صور استقبال وهو يصافح محمد عبد العزيز بحرارة، وبدا أن تلك الصور كان مخططا لها، والهدف منها لم يكن سوى حيازة اعتراف وتعاطف مع البوليساريو لدى الدول العربية، أو لدى التمثيليات الداعمة للحركات التحررية عبر العالم.

وفي إحدى المرات، حسب ما كشفته وثائق «ويكيليكس»، امتنع القذافي عن دفع مبلغ مالي بالدولار لياسر عرفات الذي غادر ليبيا خائبا، قبل أن يستخلص أن سبب جفاء القذافي مرده إلى غياب عرفات عن حضور مناسبة ليبية، دُعي إليها محمد عبد العزيز أيضا الذي كان يحصل على أموال من القذافي بسخاء.

ثم عاد القذافي بعد ذلك ليخبر ياسر عرفات أنه مستعد لمساعدته لكن ليس بالمال، وإنما بتوفير بعض المساعدات الغذائية لصالح الفلسطينيين، وكان يعلم جيدا أن ما كان ينقص عرفات فعلا هو المال وليس المساعدات الغذائية، التي كانت تمطره بها المنظمات الدولية. وكل ذلك كان في إطار مسلسل لي الذراع لإجبار عرفات مرة أخرى على الحضور والجلوس في منصة إلى جانب محمد عبد العزيز، رغم صداقة عرفات المتينة جدا مع الملك الراحل الحسن الثاني.

 

 

التخلص من بن بلة كان بداية تأليب رؤساء عرب ضد المغرب

تحدث الجزائريون دائما عن آخر يوم في القصر الرئاسي لأحمد بن بلة، وكيف أن الرجل غادر تاركا خلفه أوراقه الرسمية، ولم يتوصل ببعض مقتنياته وأغراضه الشخصية إلا بعدما غادر الرئاسة، ومعها الجزائر، لقد كان حانقا.

تقول بعض الروايات شبه الرسمية، إن خبر الانقلاب «الناعم» على أحمد بن بلة وإجباره على مغادرة القصر الرئاسي، وصل إلى الملك الحسن الثاني وهو في عز مأدبة مع بعض مقربيه سنة 1965، وكان الملك الراحل يتداول معهم ذكرياته لسنة 1955، والمفاوضات العسيرة التي كان عليه أن يشاهد والده يخوضها مع الفرقاء السياسيين لتشكيل أول حكومة مغربية.

لم يُفاجأ الملك الراحل بالخبر، فقد كان أمرا متوقعا بالنسبة إليه لاعتبارين، الأول أن أحمد بن بلة أخبره بأن شيئا ما يُحاك ضده، وأن منصبه أصبح في مهب الريح. والاعتبار الثاني أن هواري بومدين تحرك كثيرا في تلك الأيام، وقام برحلات مكوكية بدا واضحا أنه كان يبحث من خلالها عن تزكية من الأنظمة العربية لدعمه لكي يصبح هو المسؤول الأول في الجزائر، حتى ولو لم يصبح هو الرئيس بعد مغادرة أحمد بن بلة للحياة السياسية.

كان الملك الحسن الثاني يعلم من خلال تقارير مخابراتية دقيقة بتفاصيل عملية تمت سنة 1964، وكانت عبارة عن تمرد على النظام بعد مؤتمر الحزب في الجزائر في 14 أبريل 1964.

بعد هذا المؤتمر فهم بن بلة أن أيامه باتت معدودة، وأن كلمة هؤلاء السياسيين المحيطين به لن تكون مسموعة في الأشهر المقبلة، لأن ضجيج العسكر ملأ القاعة. كان الخلاف بين أحمد بن بلة، قائد البلد، وهواري بومدين، قائد الجيش، واضحا.

والحقيقة أن عسكريا كان اسمه آيت أحمد، كان منذ البداية يطالب بأن يكون رئيسا للجزائر بدل أحمد بن بلة، وادعى أنه الأحق والأجدر بالمنصب، وصعد ببعض قواته العسكرية إلى منطقة، حيث كان يرابط عسكري آخر اسمه محند أولحاج. وهؤلاء كانوا من العسكريين الذين شاركوا في قيادة الثورة الجزائرية.

كان هواري بومدين مرنا ويتأرجح بخفة بين الفريقين، إلى أن كسر ذراع أحمد بن بلة.

عبد العزيز بوتفليقة أصبح يتوفر على مسدس خاص به منذ بعض الأحداث غير السارة سنة 1962، لم يعد يثق في أحد، بحكم أنه أمين سر هواري بومدين.

والحقيقة أن قصة حصوله على السلاح تستحق فعلا أن تُروى. فقد كان في اجتماع ترأسه هواري بومدين، وكان هو مدير مكتبه وقتها، وأخرج بعض الحاضرين أسلحتهم ووضعوها فوق الطاولة، قبل بدء النقاش، فأحس عبد العزيز بوتفليقة أنه قزم وسطهم. ومباشرة بعد انتهاء الاجتماع ذهب إلى يمين بومدين، وقال له هامسا: «لازم يكون عندي سلاح». فأطلق هواري بومدين ضحكة لم يفهم الحاضرون معناها. لكن القصة اتضحت أمام أعينهم، عندما ذهب أحد مساعدي بومدين وأحضر لبوتفليقة مسدسا، وطلب منه ألا يستعمله إلا للضرورة وألا يفرط فيه نهائيا.

لذلك المسدس قصة مثيرة سوف نعود إليها لاحقا، إذ إنه لازم بوتفليقة حتى وهو وزير للخارجية، بل وسافر به إلى نيويورك لحضور أشغال الأمم المتحدة.

كان عبد العزيز بوتفليقة أيضا يتعرض لمضايقات لا حصر لها من بعض أنصار أحمد بن بلة، لأنهم كانوا يرون أن الأجدر به أن يكون مع بن بلة وليس مع بومدين. فوزارة الخارجية كان يجب أن تتبنى مواقف الرئيس وتعكس سياساته، وليس أن تكون أداة في يد وزير الدفاع.

في أولى ساعات يوم 19 يونيو 1964، والجزائر تنام تحت ظلام الليل وسط جو صيفي حار، صدر أمر اعتقال أحمد بن بلة. كان هواري بومدين قد اطمأن بعد أن راجع خطته للمرة الألف، وأصدر القرار.

وكانت هذه بداية عداوة الجزائر، بدعم من ليبيا وسوريا، ضد المغرب، حيث تحولت اللقاءات الرسمية بعد ذلك التاريخ إلى فرص لاستفزاز المغرب بمناسبة وبدونها.

 

بومدين.. «صديق» لم يكن كذلك

في أول زيارة للملك الراحل الحسن الثاني إلى الجزائر مباشرة بعد حصول البلاد على الاستقلال في الخامس من يوليوز سنة 1962، كان في الصف الأول لاستقباله الرسمي هواري بومدين الذي كان يتجهز وقتها لكي يؤسس وزارة الدفاع الجزائرية.

حاول بومدين في تلك الزيارة أن يُظهر للملك الراحل أنه صديق يمكن الاعتماد عليه لبناء حلف بين البلدين، سيما وأن الملك الحسن الثاني قدم هدايا إلى الحكومة الجزائرية الجديدة. هذه الهدايا تمثلت في أسطول من السيارات الألمانية المتينة التي تتوفر فيها معايير السلامة الخاصة بالشخصيات الهامة، لكي يستعملها أعضاء الحكومة الجزائرية بعد ترؤس أحمد بن بلة البلاد.

حسب وثائق أرشيف المخابرات الفرنسية والأخرى المتعلقة أيضا بعمليات «CIA» في شمال إفريقيا، فإن هواري بومدين كان يُضمر نوايا سيئة تجاه زيارة الملك الراحل الحسن الثاني إلى الجزائر، وأسر لمقربيه الذين كان بعضهم مُخبرين بدون علمه لدى المخابرات الفرنسية، أنه قلق جدا من العلاقة القوية التي تربط أحمد بن بلة، رئيس البلاد، بالملك الحسن الثاني.

لكن لا أحد من هؤلاء المخبرين توقع أن يقوم بومدين بالانقلاب على رفيقه في السلاح والمقاومة ويزيله من منصب رئيس الجمهورية، بعد أقل من خمس سنوات، ويرسله إلى السجن. والسبب، صداقته مع المغرب ورفضه لاقتراحات بومدين، وزير الدفاع.

الطموح الكبير لهواري بومدين جعله يُظهر حسن نوايا للمغرب، حتى أنه كان يُخبر الوزراء المغاربة الذين التقاهم في القمم واللقاءات العربية والإسلامية أن يُسلموا على «أخيه الحسن»، وكان يقول لهم أيضا بحضور شخصيات عربية إنه يعتبر نفسه صديقا كبيرا للمغرب، كان هذا ما بين سنتي 1965 و1970.

ففي سنة 1972، سوف يظهر أن بومدين حاول أن يقدم نفسه صديقا للمغرب، وحاول مسح العداوة التي كان بنفسه محركا لها أثناء حرب الرمال سنة 1963، والتي انكشف فيها مخططه بخصوص الحدود الشرقية في الصحراء.

إذ ربط الاتصال بالجنرال أوفقير الذي كان يُمسك ملفات وزارة الداخلية والأمن الوطني والمخابرات، ومحط ثقة كبيرة من الملك الراحل الحسن الثاني، ووقع الجنرال مع وزير الخارجية الجزائري وقتها، عبد العزيز بوتفليقة، اتفاقا لحل مشكل الحدود في المنطقة الشرقية المغربية، والتي بقيت معلقة منذ استقلال الجزائر.

لكن الانقلاب العسكري الذي استهدف طائرة الملك الحسن الثاني في 16 غشت 1972، بعد حوالي ثلاثة أشهر على توقيع الاتفاق، كشف إلى أي حد كان الجنرال أوفقير لا يصلح لتوقيع اتفاق سيادي من ذلك النوع. ورجح الكثيرون، بينهم خبراء أمنيون من الولايات المتحدة وفرنسا، أن يكون بومدين على علم بما كان يخطط له أوفقير، وأنهما ربما قد يكونا خططا لاتفاقيات أخرى في المستقبل.

الصداقة التي لوح بها بومدين مع المغرب، كانت لها تداعيات سيئة على العلاقات بين البلدين، سيما عندما وصل شهر دجنبر 1975، وطرد بومدين بقرار رئاسي انفرادي عشرات الآلاف من المواطنين المغاربة والمغربيات، والذين كانوا يقيمون بشكل دائم في الجزائر، بل ومتزوجين من جزائريين وجزائريات.

تلك الخطوة التصعيدية، تلتها تصريحات عنيفة من بومدين حاول من خلالها استفزاز المغرب، لكن الحقيقة أن لا الملك الراحل الحسن الثاني ولا وزراء الخارجية المغاربة ولا حتى مستشاروه مثل عبد الهادي بوطالب الذي كان صديقا لرؤساء عرب، انساقوا أبدا وراء تلك التصريحات، ولم يُسجل ضد المغرب أنه أطلق تصريحات مستفزة للجزائر طيلة تلك السنوات «السوداء».

 

صدام حسين.. نظم له الملك الحسن الثاني رحلة صيد وعندما أصبح رئيسا دعاه «للتعقل»

في منتصف الستينيات من القرن الماضي حل بالمغرب صدام حسين، بصفته الرجل الثاني في العراق، بعد الرئيس أحمد حسن البكر.

كان الهدف من الزيارة أن ينقل صدام حسين رسالة ودية من الرئيس، الذي لقبه العراقيون بعد وصول صدام إلى السلطة بـ«الرجل الأخير الذي مشى خلفه صدام».

عندما حل صدام حسين في الرباط، استقبله الأمير مولاي عبد الله، ولم تكن الزيارة تحظى بطابع رسمي خالص، بل كانت زيارة ودية، قضى خلالها صدام حسين بضعة أيام في ضيافة الملك الراحل الحسن الثاني، حيث نظم له رحلة صيد وجولة في بعض المدن المغربية التاريخية، قبل أن يستقبله الملك الحسن الثاني في نهاية الجولة في حفل عشاء ويحمله رسالة شفهية إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر.

بعد تلك الزيارة بسنوات، صار صدام حسين رئيسا للعراق، وكتبت عنه الصحف العربية مع التلميح إلى الطريقة المُريبة التي صفى بها معارضيه ليخلو له الطريق نحو القصر الجمهوري.

وصول صدام حسين إلى السلطة نتجت عنه قرارات أثرت في بعض الدول العربية، خصوصا وأنه تفاوض مع الرئيس السوري حافظ الأسد والعقيد القذافي حول طموحات مشتركة، سيما وأن القومية والاشتراكية كانت تجمع الثلاثة، وكان طبيعيا أن يختاروا التصويب نحو المغرب. رغم أن صدام حسين حاول في مرات كثيرة أن يُظهر الصداقة للملك الحسن الثاني، لكنه في مناسبات أخرى انساق وراء هواري بومدين وحافظ الأسد. ونسوا جميعا في لقاء جمع الثلاثة بالإضافة إلى العقيد القذافي، أن المغرب كان في طليعة الدول العربية التي أرسلت قواتها لتشارك في الحرب العربية ضد إسرائيل، ووصل الجنود المغاربة إلى الجولان، حيث قدم المغرب شهداء لصالح القضية الفلسطينية والوحدة العربية.

لكن هؤلاء الرؤساء نسوا كل التفاصيل والحقائق التاريخية، وأدلوا بتصريحات مستفزة ضد المغرب، لأن ما كان يجمع بينهم في ذلك الوقت هو العداء مع الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن طموح صدام حسين غير المحدود والحرب ضد إيران التي بصمت فترة الثمانينيات، وكلفته كثيرا، كلها لم تصل إلى درجة الأضرار التي تسبب فيها اجتياحه للكويت. رغم أن الملك الراحل الحسن الثاني نصحه ألا يُقدم على الخطوة لأنها سوف تكلفه كثيرا سياسيا واقتصاديا، كما أنها عملية غير مقبولة. إذ إن الأمر كان يتعلق باجتياح دولة عربية، عضو في الجامعة العربية، لدولة عربية وإسلامية أخرى.

عندما تدخلت القوات الأمريكية وفرضت عقوبات على العراق بسبب اجتياح صدام للكويت مع بداية التسعينيات، كان صدام حسين قد أحرق جل أوراقه مع أصدقاء الأمس. لكن الملك الراحل الحسن الثاني قاد قمما عربية ولقاءات بين الرؤساء والزعماء العرب، حلوا في الرباط في أكثر من مناسبة، وكان الملك الحسن الثاني دائما يحاول الحفاظ على الخيط الناظم في العلاقة التي جمعته بالرئيس العراقي صدام حسين، وظهر في الأخير بعد رحيل الملك الحسن الثاني، أن طموح صدام حسين كان قاتلا بالفعل، وكلفه حياته بعد أحداث 2003.

 

القذافي وحافظ الأسد.. مُحركا أغلب الحملات المعادية للمغرب

سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن وجه خطابا إلى المغاربة، والعرب، بعد استقباله في يوليوز 1986 لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، شمعون بيريز، في إفران.

والسبب أن الملك الراحل أراد الرد بحزم على هجوم قاده ضد المغرب كل من الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والعقيد القذافي.

التقى الاثنان وانضم إليهما صدام حسين وصاغوا بيانا ناريا ضد المغرب، وكان البيان بشهادة مؤرخين وباحثين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بين الدول العربية، انفعاليا خاليا من أي موقف سياسي واضح.

هذا البيان المعادي للمغرب، كان فرصة ينتظرها حافظ الأسد والعقيد القذافي، إذ تضايقا من الدور الإقليمي الذي لعبه المغرب. رغم أن نتيجة اللقاء في إفران كانت لصالح الفلسطينيين، إذ أجبر الملك الراحل الحسن الثاني، بيريز على وقف الاستيطان وفرض الهدنة.

التحامل الذي قاده حافظ الأسد والقذافي ضد المغرب لم يكن منطقيا، إذ إن ياسر عرفات وقتها سبق له لقاء بيريز، وسبق أيضا للرئيس المصري الأسبق أنور السادات أن التقاه في مناسبات أخرى، رغم أن البلدين جرت بينهما حربان من أكبر الحروب العربية الإسرائيلية، والتي شارك فيها المغرب لنصرة القضية العربية.

الرد الذي قدمه الملك الحسن الثاني ونشرته ألمع الصحف العربية والدولية، مفاده أن المغرب ما كان ليلتفت إلى التصريحات الانفعالية لحافظ الأسد والعقيد القذافي لو أنهما صرحا بها شفهيا في لحظة انفعال ضد المغرب. لكن ما جعل الملك الراحل يكون حازما في التعامل معهما، أنهما جلسا وصاغا البلاغ بعناية واختارا كلماته سطرا سطرا، وهو ما يفيد وقتها بوجود سوء نية ورغبة في التصعيد ضد المغرب.

بعد تلك الواقعة، قاد المغرب مجهودات كبيرة لصالح القضية الفلسطينية، في وقت كان القذافي قد أعلن فيه رفضه القاطع تسليم جبهة التحرير الفلسطينية الإمدادات، وفي الوقت نفسه الذي طرد فيه حافظ الأسد سنة 1987 ممثلين عن السلطات الفلسطينية جاؤوا إليه لحل ملفات بعض اللاجئين.

إذ احتضنت الرباط في الفترة ذاتها قمما عربية لمباشرة جمع مساعدات للفلسطينيين، بالإضافة إلى ترؤس الملك الحسن الثاني لجنة القدس التي ما زالت أنشطتها مفعلة إلى اليوم ويستفيد منها عشرات آلاف الفلسطينيين، لتفك عنهم العزلة في غزة والقدس.

واتضح أن البيان الثلاثي ضد المغرب، والذي كان ثنائيا فقط في حقيقته، كان مسيسا، والهدف منه كان قطع العلاقات المغربية الليبية التي كانت وقتها تمر بفترة تحسن، تُوجت بلقاء بين القذافي والملك الراحل الحسن الثاني وتم الاتفاق على وحدة بين البلدين، قبل أن يُفاجئ القذافي الجميع بجلوسه مع حافظ الأسد وشن هجوم ضد المغرب، بعد لقاء إفران 1986.

بعد مرور فترة على الواقعة، عادت العلاقة بين الملك الراحل الحسن الثاني والقذافي. بينما كان حافظ الأسد على رأس قائمة الضيوف الذين دعاهم الملك الحسن الثاني لحضور القمة العربية في الرباط، نهاية الثمانينيات، واستقبله بحرارة في المطار، وكان الملك الراحل مصرا على أن يجمع كل القادة العرب في مكان واحد، رغم أن بعضهم كانوا يمرون بفترة قطيعة. إذ إن المصالحة بين حافظ الأسد وصدام حسين كانت في المغرب، برعاية شخصية من الملك الحسن الثاني.

وكانت الصور التي تناقلتها الصحف الدولية مثيرة، إذ لم يسبق لمواطني تلك الدول العربية أن رأوا رؤساءهم على ظهر شاحنة ضخمة، أو يتناولون الطعام جميعا فوق الطاولة نفسها، رغم أن أغلب هؤلاء الرؤساء كانوا يسخرون إعلام بلادهم لسب رؤساء آخرين والطعن في عروبتهم وقوميتهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى