شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

بين فاس ووجدة.. قطار أم اختبار للصبر؟

نعيمة لحروري

لنتخيل للحظة أنكم استيقظتم صباحا في فاس، قررتم زيارة وجدة، وركبتم القطار بكل تفاؤل، ثم غفوتم قليلا ثم استيقظتم، وقرأتم كتابا.. ثم غفوتم مجددا.. ثم استيقظتم وتحققتم من الهاتف، ثم تساءلتم: “هل توقف الزمن؟؟ أم أننا لا نزال على مشارف تازة؟”. نعم، هذه ليست مؤامرة فيزيائية، بل مجرد رحلة عادية على متن القطار “السلحفاة”، عفوا، قطار الديزل الذي يربط بين فاس ووجدة بسرعة لا تتجاوز 60 كلم في الساعة!! وأقل من ذلك بكثير في بعض المقاطع!!

المثير للدهشة أن كهربة هذا الخط تحولت إلى أسطورة تتناقلها الأجيال. فقد سمعنا منذ 2022 عن “دراسات أولية” كشفت عن تكلفة “باهظة” تقدر بمليار ونصف درهم، فتم تعليق المشروع ريثما يجد المسؤولون “حلولا تمويلية مبتكرة”. ثم في 2023 تحول الأمر إلى “تحيين للدراسات”، بتمويل من البنك الأوروبي للاستثمار، مع وعود بـ”إدراجه في المخططات المستقبلية”، وهو مصطلح إداري رومانسي يعني: “انسَ الموضوع، فالمستقبل بعيد جدا”.

ثم جاء تصريح 2024 ليقضي على ما تبقى من الأحلام، حيث أعلن الوزير بكل بساطة أن كهربة الخط “غير واردة” لأنها “عديمة الجدوى الاقتصادية”. يبدو أن الركاب المتكدسين داخل القطارات، وهم يذوبون تحت حرارة الصيف ويبحثون عن “أكسجين منقرض”، لا يشكلون “جدوى اقتصادية”. ربما لو كانت وجدة محطة بين الدار البيضاء وأكادير، لكانت الاستثمارات تتساقط عليها كالمطر، لكن للأسف، نحن هنا في “المغرب غير النافع”، حيث يطلب من المواطنين التحلي بالصبر والاحتفال بالإنجازات في مناطق أخرى عبر شاشات التلفاز.

الحقيقة أن هذا البطء في التنفيذ ليس فقط مشكلة مواصلات، بل هو تذكير يومي بأن المنطقة الشرقية لا تزال على هامش الأولويات التنموية. في الوقت الذي تُستثمر فيه المليارات في القطار فائق السرعة، يُترك خط فاس-وجدة ليواصل سيره البطيء كأنه تدريب على فلسفة “التأمل العميق”، واختبار جبار للصبر.

لكن لا بأس، ربما الحل يكمن في ترقية القطار إلى “معلم سياحي”، حيث يمكن للركاب الاستمتاع بتجربة “السفر عبر الزمن”، أو تحويل العربات إلى “فنادق متنقلة”، فبسرعته هذه، يمكنك حجز ليلة نوم كاملة!

المؤسف أن كل هذا يحدث في وقت أصبح فيه النقل السريع محركا أساسيا للتنمية.

كهربة الخط ليست ترفا، بل ضرورة لتوفير سفر مريح، وتقليل انبعاثات الكربون، وجذب الاستثمار للمنطقة. لكن بدلا من ذلك، يُترك سكان الشرق في انتظار قطار التطوير، تماما كما ينتظرون وصول قطارهم المتأخر.. بفارق بسيط: القطار يصل ولو بعد حين، أما الكهرباء، فربما تحتاج إلى معجزة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى