شوف تشوف

الرأيالرئيسية

بوشكين.. صديق العرب والمسلمين

بعد مرور عام على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وفي ذكرى وفاة شاعر روسيا الكبير ألكسندر بوشكين، يبدو أن هناك من يحاول إخراج الرجل من الجغرافيا، ومحو اسمه من التاريخ.

وسط ضجيج المعارك العسكرية، يقود الأوكراني ذو النزعة اليمينية، «فاديم بوزديناكوف»، حملة لإزالة ما يرى أنها آثار أو معالم ثقافية، تعود إلى روسيا القيصرية، أو الاتحاد السوفياتي، سواء كانت عناصر زخرفية، أو تماثيل بالميادين.

والمعروف أنه خلال الأشهر الماضية، أزالت السلطات الأوكرانية النُصب التذكارية لكتاب روس كبار، مثل ماكسيم غوركي، وميخائيل بولغاكوف، وعلماء مثل ميخائيل لومونوسوف.

منطلق دعوة إزالة تماثيل بوشكين، من كافة ميادين أوكرانيا، لا يخلو من طابع الانتقام والثأر السياسي، سيما في ظل حالة الحرب القائمة، وتعكس رفض الأوكرانيين اعتبار الروس أنهم شعب واحد، له نفس التاريخ ونفس الأبطال، كما يصرح دوما الرئيس بوتين.

هل بوشكين رمز إمبراطوري روسي، أم أنه شمس الشعر في تلك البلاد القارسة برودتها، والذي أضاء بأشعته لا على الروس فحسب، وإنما على عموم العالم ولا يزال؟

المعروف أنه ومنذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي عام 1991، وهناك سعي لتشكيل وعي خاص عن تاريخ أوكرانيا لدى فئات الشعب، وإعادة بناء رؤيتها لماضيها وثقافتها.

يعتقد الكثيرون أن الأدب والأدباء، هم سفراء للإنسانية، وبهذا فإنهم يسمون فوق أي محاصصات عرقية، فالشاعر والأديب قيمة تتجاوز الحدود والجغرافيا، وهذا ما يميز بوشكين بنوع خاص، ويجعله خارج نطاق المعارك ذات الحس القومي.

نشأ بوشكين، والذي سيعرف لاحقا بلقب «شمس الشعر الروسي»، وصاحب «بداية البدايات»، في أسرة من النبلاء، كانت تعيش حياة الترف، فوالده شاعر بارز، ما ساهم في إنماء موهبته الشعرية.

أما والدته، فهي «تاديشد أوسيبافنا» التي تعود إلى جذور حبشية، حيث كانت حفيدة لـ«إبراهيم جانيبال»، الضابط الإفريقي المقرب من القيصر بطرس الأول، وقد ورث بوشكين سمار البشرة، وبعض الملامح الإفريقية كالشفتين الغليظتين، والشعر الأجعد من والدته.

ويعتبر الروس بوشكين من أهم شعرائهم وأعظمهم، سيما أنه أبدع في وصف حال الشعب الروسي المتشظي بين جماعتين حاكمتين في البلاد، القيصر من ناحية، والنبلاء من ناحية أخرى، وجاء هو ليعبر عن طبقات الشعب الرافضة للبورجوازية القيصرية، ومطالبا بحرية مواطنيه، ومعتبرا أن الشعب هو المرجع الأول والأخير للسلطة.

يعن لنا في العالم العربي أن نرسم علامة استفهام كبيرة عن صلة بوشكين بالعرب والمسلمين، سيما أن زمانه عرف باسم «العصر الذهبي للشعر الروسي»، وقد كان عصرا للتقارب بين الأدب الروسي من جهة، والآداب العربية والشرقية من جهة أخرى.

عام 1820، قام القيصر الروسي بطرس الأول، بنفي بوشكين إلى القوقاز جنوبا، بسبب غضبه من الأشعار التي ستدفع لاحقا الجماهير، وبعد خمسة أعوام تحديدا، إلى الخروج على القيصر.

غير أن بوشكين، استطاع أن يجعل من «الليمون اللاذع»، «شرابا حلو المذاق».. كيف ذلك؟

الشاهد أن بوشكين وجد نفسه قريبا من مسلمي القوقاز، وانخرط في عالمهم الذي كان بعيدا عن روحانيته وآدابه، وعلومه وثقافته.

وباحتكاكه مع المسلمين هناك، كل يوم، صباح مساء، شاهد بوشكين المسلمين في صلواتهم، قيامهم وقعودهم، صومهم وإفطارهم، صلوات النهار والليل.

قرأ بوشكين القرآن باللغتين الروسية والفرنسية، وقد كتب وقتها رسالة لأخيه قال فيها: «إنني مشغول بكلمات القرآن».

ولكن بوشكين لم يكتف بالقراءة فقط، بل طلب أن يسمع ترتيل القرآن الكريم وباللغة العربية، إذ أسرته شاعريته العفوية وموسيقاه.

ترك المد الروحي للإسلام بصمة كبيرة في إنتاج بوشكين، سيما مجموعته الشعرية، «قبسات من القرآن»، هناك حيث القصائد التسع التي تؤكد شفافية روحه، وتماسه مع الفيوض الروحية عند الآخرين، من غير تفرقة أو محاصصة مذهبية.

ومن الشق الروحي للإسلام، انتقل بوشكين إلى الأدب العربي، وقد وجد في شباكه لؤلؤة «ألف ليلة وليلة»، تلك التي فتحت عقله ومشاهداته على عالم آخر ومنطقة جغرافية دافئة بعيدة عن ثلوج روسيا، وقد كانت ترجمات هذه القطعة الأدبية الفريدة قد وصلت روسيا، من خلال الترجمات التي ظهرت في نهاية القرن الثامن عشر، وبداية القرن التاسع عشر.

في قصيدته، «المحاكاة الثانية»، يستلهم بوشكين روح «سورة الأحزاب»، من القرآن الكريم، والتي تتمحور حول «العفة والحشمة والخطيئة»، متخذا من هذه الآيات مثالا يقتدى به، فيتناول شؤون الحفاظ على القلب، ونقاوة العين.

يذكر الناقد السوفياتي براجينسكي، في كتابه «ملاحظات في التركيبة الشرقية في الشعر الغنائي عند بوشكين»، أن القرآن أصبح مصدر شاعرنا الروسي، سيما حين تعوزه التعبيرات عن الأفكار البطولية والشجاعة الصلبة والنضال المنكر للذات.

كان تأثير بوشكين واضحا في حركة الديسمبريين، حين قام ضباط من الجيش الروسي في 14 دجنبر 1825، على رأس نحو 3000 جندي في حركة احتجاج ضد تولي القيصر نيقولا الأول العرش، بعد تنحي أخيه الأكبر قسطنطين.

منذ بدايات عام 2022، أزال الأوكرانيون نحو 28 نصبا تذكاريا لبوشكين، والبقية تأتي.

إميل أمين 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى