بعض من حقوق الجار
أحمد الراقي
الحديث الثالث بعد المائة الثالثة (303)
عن ابنِ عمرَ وعائشةَ رضي اللَّه عنهما قَالا: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجارِ حتَّى ظَنَنتُ أَنَّهُ سيُوَرِّثُهُ» متفقٌ عليه.
الجار هو كل من جاورك سواء كان جواره لك في مسكن أو دكان أو عمل أو غيرها، وإن أولى الجيران بالرعاية والإحسان من كان أقربهم بابًا إليك، وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله لهذا فقال: «باب: حق الجوار في قرب الأبواب»، ثم أورد حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: (إلى أقربِهما لكِ بابًا).
قال ابن حجر: «والحكمة في ذلك أن الجار الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هديةٍ وغيرها، فيتشوف لها، بخلاف الأبعد، وكذلك فإن الأقرب أسرع إجابة لما قد يقع لجاره من المهمات، ولا سيما في أوقات الغفلة».
عند تأملنا ما عليه أكثر المسلمين مع جيرانهم، نجد الاستهانة بحقوق الجار عند بعضهم. حيث أصبحنا نسمع ما يندى له الجبين مما يحدث بين بعض الجيران من تقاطع ومن تهاجر ومن تحاسد ومن بغضاء، وأمور ينبغي أن لا توجد في مجتمعات المسلمين، بل وصل التقصير والاستهانة بحق الجار إلى درجة أن الجار ـ في بعض الأحياء ـ لا يعرف جاره الذي ليس بينه وبينه إلا جدار.
والإحسان إلى الجار برهان قوي على الإيمان بالله ودليل عملي على صدقه، قال رسول الله: «اتق الله تكن أبعد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما».
والمسلم يحرص على المعاملة الطيبة لجيرانه ليكون ذلك سبيلا إلى الجنة ويبعد عن السوء لئلا يحجب عن رحمة الله، فقد روى أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: يا رسول الله إن فلانة صوامة قوامة غير أنها تؤذي جيرانها، قال «هي في النار»، وفي الحديث «وخير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره».
بعض من حقوق الجار: – رد السلام وإجابة الدعوة: وهذه وإن كانت من الحقوق العامة للمسلمين بعضهم على بعض، إلا أنها تتأكد في حق الجيران لما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الألفة والمودة.
– كف الأذى عنه: ففي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا، قال: قال رسول الله: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه». أي: لا يأمن شره وخطره، وفي رواية لمسلم قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه».
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أذى جاره. فقال: «اطرح متاعك في الطريق». ففعل؛ وجعل الناس يمرون به ويسألونه. فإذا علموا بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار. فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو أن الناس يلعنونه. فقال صلى الله عليه وسلم: «فقد لعنك الله قبل الناس».
– تحمل أذى الجار: وإنها من شيم الكرام ذوي المروءات والهمم العالية، إذ يستطيع كثير من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين، لكن أن يتحمل أذاهم صابرًا محتسبًا فهذه درجة عالية: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) المؤمنون:96. ويقول الله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) الشورى:43. وقد ورد عن الحسن البصري قوله: ليس حُسْنُ الجوار كفّ الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى.
– تفقده وقضاء حوائجه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم». وإن الصالحين كانوا يتفقدون جيرانهم ويسعون في قضاء حوائجهم، فقد كانت الهدية تأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من عشرة دور حتى ترجع إلى الأول.
– ستره وصيانة عرضه: بحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض أمور جاره فينبغي أن يوطن نفسه على ستر جاره مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة، أما إن هتك ستره فقد عرَّض نفسه لجزاء من جنس عمله: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت:46).
الجار قبل الدار: شيد رجل من المسلمين دارًا حسناء، جمَّلها وحسنها، ثم تعكرت حياته فباعها بأرخص الأثمان وأبخس الأسعار، عافَ حُسنها وكرِه سكناها وتمنى كل خلاص منها! أبغض الدار لفعائل جاره وأذاه؛ إذ ضاق وسعها وتكدر حلوها وتنغص صفاؤها، زهد الجار الصالح في الدار والمال؛ لأنه لم يهدأ له بال، ولم يقرَّ له قرار، فباع داره فلامه الناس فأجابهم:
يلوموننِي أن بعتُ بالرخص منزلِي
ومـا علموا جارًا هناك ينغِّـصُ
فقلت لَهم: كفـوا الْملامَ فإنهـا
بجيـرانها تغلو الديار وترخـصُ.