شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

بذاكر من ورانا

حسن البصري

في نهاية كل سنة، تتناسل حفلات تكريم المتفوقين في مختلف مناحي الحياة، ولكل مجتهد نصيب من التتويج الذي يحرص أصحابه على أن يكون رمزيا.

كلما كبر تتويج نهاية العام كلما كبر اللغط حوله، فالكرة الذهبية، بالرغم من كلمات المجاملة التي تحفها، غالبا ما تنتهي بجدل البطل الحقيقي والبطل المزيف.

في حصاد الغلة الكروية، لا بد من التوقف عند أبطال سجلوا أهدافا في ملاعب العلم والمعرفة، وزاوجوا بين الكرة والدراسة بالرغم من إكراهات حصص تدريبية تكرس الهدر المدرسي وترفع منسوب المغادرة الطوعية للفصول الدراسية، وتجعل الهجرة الجماعية من المدارس هجرة برعاية ومباركة العائلة.

قبل أن يودعنا عام 2024 أو نودعه، لا بد أن نعترف بقدرته على جمعنا خارج الملاعب، كأن يضرب لنا موعدا فنلتقي، نحن معشر الرياضيين، في مدرجات الجامعات والمعاهد العليا لنقف على حصاد آخر من عقول لاعبين ولاعبات وقفوا أمامنا ليناقشوا أطروحاتهم بتركيز كبير وشغف لا نراه في ملاعب الكرة.

حين ناقش أشرف البرقي، لاعب اتحاد تواركة، أطروحته وحصل على شهادة الدكتوراه بتقدير «مكافح جدا»، استغرب زملاؤه ومدربوه وأنصار الفريق، ورشقوه بنظرات تخفي السؤال الساخر لمدرسة المشاغبين «انت بذاكر من ورانا ولا إيه؟».

في جامعة ابن طفيل بمسقط الرأس والقلب، والناس ينعمون بعطلتهم الصيفية، دخل برقي مربع المنظرين وناقش أطروحته التي اختار لها موضوع «تأثير الشركات الرياضية على المستقبل التنافسي والتنظيمي لناد في المستوى العالي بالمغرب»، فأعطى درسا للحاضرين والغائبين وكشف عورات أندية تائهة بين الشركة الرياضية والجمعية.

قبل أن نودع 2024، نجحت الدكالية سلمى بوكرش، لاعبة المنتخب الوطني ونادي الوداد الرياضي، في تحقيق إنجاز مميز بحصولها على شهادة الدكتوراه في الطب. سعت سلمى إلى التوفيق بين أمرين يصعب الجمع بينهما، وتبين أن الدكاليات «كَادات» على ركوب صهوة النجاح مهما كانت الصعاب.

تستحق سلمى لقبا فخريا لنجعل منها نموذجا لباقي الفتيات الحالمات بمستقبل كروي يسافر بهن إلى منصات جوائز «الكاف».

هذا الإنجاز يجعلنا نسائل المسؤولين عن الأندية الذين يصرون على برمجة الحصص التدريبية في الفترة الصباحية ويروجون خطاب الهدر أمام اللاعبات: «بغيتي تقراي سيري الله يسهل عليك، بغيتي تلعبي نساي لقرايا».

في درب العلم سار سعد مرسلي لاعب أولمبيك أسفي، والحارس مروان فخر حارس الزمامرة، وزكرياء الهبطي وغيرهم من اللاعبين واللاعبات الذين ينصتون لمديري أطروحاتهم أكثر مما ينصتون لمدربيهم.

في المسار الأكاديمي نتوقف عند حكاية إبراهيم الجباري، الزيلاشي، اللاعب السابق للمغرب الفاسي، الذي أصبح محاميا في هيئة طنجة، بعد أن تخلص من بذلة الكرة وارتدى لباس الدفاع.

إبراهيم ليس مجرد لاعب اعتزل الكرة، بل هو فنان بالانتماء لأصيلا، فعلى جدرانها رسم الكثير من اللوحات في غفلة من اللاعبين.

لست من المتحمسين للقول المأثور «إلا مجابها القلم يجيبها القدم»، ولست من دعاة هذه القولة التي لطالما ركب الكسالى فوق صهوتها وهم يركضون بعيدا عن الفصول الدراسية، ولا أنا ممن يرسخون في أذهان النشء صورة لعبة تقطر مالا، ويرسمون في مخيلتهم صورة منظومة تعليمية خصوصية مكلفة لا تفتح أبوابها إلا لمن استطاع إليها سبيلا.

ولا أنا ممن يروجون لإيديولوجية «الصاك» قبل «الباك» فيتخلصون من محفظة المدرسة ويتأبطون حقيبة الكرة، حتى الذين اقتيدوا طوعا أو كراهية نحو قاعات الامتحان تعوزهم الرغبة والعزيمة لأنهم يعانون من ضعف التنافسية الدراسية.

لكن هناك قناعة تامة بالعلم، وأنه في كل فريق من فرق المملكة لاعب استثنائي دخل المعاهد العليا سرا، وانتحل صفة طالب، دون أن ينال لقب لاعب السنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى